آمال عباس تكتب : وقفات مُهمة الفنان في مجتمع الثورة

صباح كل يوم يتأكد لي أكثر أن حياتنا الفنية بحاجة إلى وقفات طويلة.. قد تتطلب التعديل والتغيير في كثير من جوانبها.. وهذا بالطبع لن يتم إلا بأن نفكر بصوت مرتفع وأن يبدأ التفكير بالصوت المرتفع الفنانون أنفسهم وأن يحسوا ويغضبوا لتخلفهم من الركب فيما ينتظم الحياة السودانية في السنوات الأخيرة.. نحن نتطلع إلى الفنان الذي يكون بفعله وضميره وعاطفته مع الثورة الاجتماعية.. مع حركة التغيير.. نحن بحاجة إلى ثورة ثقافية سودانية شاملة تُعيد النظر في كثير من العادات والتقاليد وتبلور القضايا الفكرية والقضايا الاجتماعية.. وتساهم في تحرير المجتمع السوداني.. ونريد لهذه الثورة أن يتصدرها القاص والروائي والشاعر والرسام والنّحّات والممثل والمغني.

الحديث عن الفن ليس ترفاً, ولكنه ضرورة وبالتحديد في هذه المرحلة.. مرحلة الميلاد الجديد.. وقد أعلنت بداية الثورة الثقافية منذ وقت ليس بالقصير.. والثورة عموماً وطوال عمرها الذي شارف الرابعة لم تصادر ديواناً واحداً من الشعر.. أو كتاباً واحداً من القصة أو الرواية.. ولم تصدر أمراً تلميحاً كان أم تصريحاً للصحف بأن تنشر لهذا أو لا تنشر لذاك.. وهذا موقف عملي كل ما عداه لا يخرج من كونه تصرفات هامشية لا تخل بجوهر موقف الثورة الأثيل من الحرية الفنية وحرية الفنان.

ولكن بالرغم من أن الثورة لم تفرض نظرية مُعيّنة على الفنانين دون السماح بتجاوزها أو الخروج عليها, إلا أن الأساس في هذا الموقف هو اعتبار أن كل إنتاج فني مهما كان يكون في النهاية انعكاساً للحياة وتعبيراً عنها.

وبداهةً أن تغيير الواقع السياسي والاجتماعي, سيؤديان بالضرورة إلى تغيير وسائل التعبير الفني, فالمسألة الاجتماعية بكل جوانبها هي الأساس.. بحزنها وفرحها.. حبها وكرهها.. سعادتها وشقائها.. نجاحها وإخفاقها.. ومن هنا يجب علينا أن نسرع في إحداث التغييرات الثورية في هذا الميدان.. قبل أي شيء آخر.

وحقيقة أخرى وهي أنّ السياسة ليست كالفن والنظرة العامة إلى مسائل الحياة ليست في منزلة الإبداع الفني ولكن الشيء المطلوب هو الوحدة بين السياسة والفن.. أي التوافق بين الشكل والمضمون وبمعنى آخر بين المُحتوى الثوري وبين أرفع مُستوى مُمكن من الإبداع الفني, فالأعمال الأدبية الخالية من اللمسات الفنية لا أثر لها مهما كانت تقدمية.. فنحن لا نُريد أن نزعق ونرفع الشعارات ونخطب في قصائدنا ونُخيف الآخرين.

فالميلاد الجديد يحتاج إلى إنسان متطور.. يؤمن بأنّ مُمارسة الحياة زاد الرحلة إلى الحقيقة المشعة وأن النقاش والحوار الهادئ هما وحدهما السبيل للمعرفة وأن الجدل الموضوعي البعيد عن الحقد والتشويش هو أعلى صور العلم وأن الحرية في إطارها السليم هي حامية الإنسان وقيامته في الحياة الكريمة.

وفي ميلادنا الجديد لنا خصائصنا الحميدة الموروثة والتي يجب علينا التمسك بها, فنحن أمةٌ عريقةٌ تحمل تاريخاً ناصعاً على ظهرها فنياً كان أم سياسياً.. وقد ينقلب علينا عبئاً ثقيلاً لو لم ندرك إدراكاً واعياً أنه قد أصبح بالفعل ماضياً لا يُعاش له ولا به ونحن الآن نعيش في عالم جديد وحضارة جديدة وبشائر جديدة تحدثنا عن الاستفادة من الماضي وضرورة مُعاناة الحاضر وانتظار الغد بالأمل والرجاء.

أردت أن أطرح هذه القضية للفنانين جميعهم فهم وحدهم الذين باستطاعتهم المُساهمة الواضحة والفعّالة في تغيير الإنسان السوداني, وبالتالي تغيير المجتمع والانتقال به إلى مشارف مجتمع الكفاية والعدل.

  • من التراث:

في كتاب تاريخ الثقافة العربية بالسودان للأستاذ عبد المجيد عابدين جاء الآتي:

انتشار الطرق الصوفية

عملت الصوفية على التقريب بين القبائل والأجناس ولو في حيز محدود كما رأينا.. ورحل الناس من مختلف أنحاء السودان إلى الربط والزوايا للاتصال بالشيوخ وتلقي الطرق عنهم فوفدوا عليهم من أقاصي غرب السودان, فالشيخ الزين بن صغيرون وقد ولد بدار الشايقية تبلغ حلقته ألفي طالب وكان فقيهاً البلاد وقضاتها إلى دار صليح في الغرب من تلامذته وتلامذة تلامذته وهؤلاء طلبة الشيخ أرباب يبلغون من دار الفونج إلى دار برنو.. وهذا أحد الذين قدموا على الشيخ عمار الصوفي يصف ما رآه فيقول إنه وجد زاوية الشيخ مُحاطة بالدواب التي حملت الناس من جهات نائية, ووجد عند مدخل الزاوية نعال الفونج والعرب مُتَرَاصّة, ولما دخل الزاوية وجد الناس حلقات, فناس يتحدثون بتجارة الحجاز, وناس بتجارة الغرب, وناس بتجارة الصعيد.

مقطع شعر:

“البحر القديم” ديوان شعر الشاعر مصطفى سند ومن قصيدته “عينان على الجدار” إليكم هذا المقطع:

يومان أحفر في الجدار الجهم لم يلن الجدار

اسمى عليه حمامتان تبعثران دم النهار

ابكي وأحفر يستهين هوى النقوش

تتساقط الأمطار فوق جبيني المثلوج

تختلع الرموش

يومان أرقب هذه الجثث الرهيبة والنعوش

يومان في زنزانة اللحم العجيب يكاد يقتلني الدوار

ومطارق تهوى على رأسي وتسحقني دواليب القطار

مربع شعر:

حمد “العريان” من شعراء السودان الحسيين يُقال إنّه كان يتعشق الحسن أياً كان.. ويروى عنه أنه “قبّل” فتاة كانت ترقص في حفلة عرس فانهال عليه الحاضرون ضرباً.. فقال في ذلك:

تنابلة البلد ساندين على العار

وما عارفين حمد مدرعاه النار

وقتين تريشولا ولعبت الترتار

قوانين الأدب تاهت من الأفكار

من أمثالنا:

الليك أكان أكل لحمك ما بكسر عَضمك

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى