الأزمة وقد استفحلت… ماذا يقول الخبراء والأكاديميون؟

 

تقرير: فرح أمبدة

رسم خبراء وأكاديميون وسياسيون، “صورة قاتمة” لما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية في البلاد، حال استمرت الأزمة الحالية في التصاعد بالشكل الذي هي عليه، منبهين في حديث أدلوا به لـ”الصيحة” الى ان حالة الانقسام الحاد، والتحشيد الذي يجرى، ربما شكّل خطراً حقيقياً على الثورة العظيمة التي أنجزها الشعب السوداني، ما قد يؤدي الى انهيار للدولة مثلما حدث في دول أخرى مثل ليبيا.

وطرح الخبراء، مصفوفة للخروج من الأزمة تبدأ بالاعتراف بأن الجميع قد تسببوا في صنعها، وأن الحكومات (الثلاث) عقبت سقوط النظام المباد، لم تكن بقدر التحدي، وإن المكونات السياسية المُشكلة لقوى الحرية والتغيير، وقوى الثورة خارجها، كلها لم تتعلم من التجارب السابقة، فضلاً عن ان الخلافات المستمرة، جعلت المكون العسكري متردداً في تنفيذ بعض الاستحقاقات التي وردت في الوثيقة الدستورية التي تحكم الشراكة.

وعلّ الخبراء من قيمة الحوار كطريق وحيد لا بديل له للحل، على أن يكون أولاً، بين مكونات قوى الحرية التغيير بأجنحتها المختلفة، وثانياً، ما بينها وبين المكون العسكري، مطالبين بوقف التراشق الإعلامي الحاد، ووقف التحشيد المجتمعي والتنافس المحموم من كل طرف للبحث عن مناصرين له، وعدم الهبوط بالأزمة السياسية الى المجتمع، كما أشاروا الى ضرورة إعطاء المبادرات المطروحة الفرصة لتأخذ دورتها، خاصةً الأخيرة التي طرحها رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك.

ومن بين الخبراء، من دعا صراحةً إلى تدخل وسطاء من دول الاتحاد الأفريقي، بمثلما حدث قبيل التوقيع على الوثيقة الدستورية، ومنهم من رأي بأن الأفضل أن يكون الحل سودانياً قطعاً للطريق أمام الأجندات، لكن الجميع اتفقوا على خطورة الأزمة بشكلها الذي يجرى.

فشل تاريخي

الدكتور جمعة كندة كومي، الأكاديمي والمحلل السياسي، يرجع الازمة في شكلها الكلي إلى ما أسماه الفشل التاريخي للقوى السياسية السودانية في إدارة البلد, ويقول “إذا ما خرجنا من هذه التجربة من دون أن يكون هناك انتصارٌ لقيم الثورة، ستضاف التجربة إلى قائمة فشل الصفوة مجدداً مثلما حدث باستمرار في كل المنعطفات المهمة التي مرت على البلد، ما يُشير إلى أن المؤسسة السياسية السودانية لم تتعلّم الدرس ولم تستفد من دروس تاريخنا المُؤلم”.

ويضيف كومي في حديثه لـ”الصيحة” إن استمرار الفترة الانتقالية وصولاً إلى مرحلة الانتخابات، لا يتم إلا بتوحيد قوى الحرية والتغيير، وهذا هي الضمانة الوحيدة والأساسية لتحقيق الأهداف التي وضعتها الثورة، وهذا ما ظللنا ننبه الناس إليه حتى قبل توقيع الوثيقة الدستورية، ونبّهنا إلى المحطات المهمة التي تستوجب توحيد قوى الحرية والتغيير, وطالبنا بإيجاد رؤية واضحة ومتفق عليها في الملفات الأساسية مثل ملف ادارة الدولة بسلاسة في الفترة الانتقالية، والوصول إلى اتفاق سلام مع قوى الكفاح المسلح، والملف الخارجي حتى لا يكون هناك تشاكس مثلما يحدث الآن في موضوع اسرائيل.

ويزيد “للأسف فشل الكل في ادارة التنوع وتحمُّل الآخر سواء كان سياسيا او ثقافيا، وقد تجلى ذلك بوضوح في درس الاعتصام الذي جمع بين كل السودانيين بمُختلف أجناسهم، وهزم كل الأصنام في التقاطعات السياسية والدينية، والإثنية والمناطقية، للأسف اختفى كل ذلك مجرد تكوين هياكل السلطة وأصبحت هناك قوة ثورية حيّة من الشباب والنساء وفي المناطق، غير ممثلة في هياكل الانتقال بالشكل المطلوب سواء في المناصب الحكومية أو مركزية قِوى إعلان الحرية والتغيير”.

مغازلة العسكريين

يقول كومي: الآن انقسم موقف قوى اعلان الحرية والتغيير وقوى الثورة من المؤسسة العسكرية، وهنا لا بد من التفريق بين المؤسسة العسكرية والمكون العسكري ونعني بهم الناس الموجودين في مجلس السيادة، فقد انقسمت حول المكون العسكري بشكل واضح، وأصبح هناك قوى من الحرية والتغيير تغازل العسكريين وأهمها المجموعات التي وقعت على اتفاق سلام جوبا، وهذا في حد ذاته يعد من أكبر المخاطر التي تهدد الفترة الانتقالية، خاصة وأن الأزمة الحالية تزامنت مع حالة تعافٍ  في الأوضاع الاقتصادية, حيث تحرجت من مرحلة التدهور إلى مرحلة الثبات الذي يسبق التحسُّن، وقد توفرت لذلك بعض الاستحقاقات الداخلية والخارجية، وقد حدث نجاحٌ واضحٌ لذلك، وتمّت السيطرة على أسباب التدهور الاقتصادي، في هذه اللحظة ظهرت مطالبات المجموعة التي وقعت اتفاق جوبا للسلام، كما ظهرت قضية الشرق وهي قضية اختناق اقتصادي وليس سياسياً، تسبّب كل ذلك في  إرجاع التحسُّن الاقتصادي الذي حدث عشرات الخطوات للوراء، ومعروف عندما تنشأ ازمة مثل ذلك بالتزامن يعني أن هناك من يتضرّر من أي تحسُّن يحدث، بالإضافة إلى شل حركة الحياة في الخرطوم بسبب الاعتصام الجاري منذ يومين، وقد يؤدي كل ذلك إلى وضع يصعب السيطرة عليه من حيث اقتصاديات النّاس وحياتهم.

“مواقف صفرية”

ويشير كومي إلى أن الحل يكمن بين مكونات قوى إعلان الحرية والتغيير بكل تصنيفاتها الموجودة في الساحة، ولا بد لقوى الحرية والتغيير أن ترتب بيتها من الداخل أولاً، لأن المواقف المُتّخذة الآن صفرية لا تؤدي إلى حل، بمعنى أن الحوار هو الحل، والهدف منه إعادة وحدة قوى إعلان الحرية والتغيير، والتوحد على برنامج واضح، يؤدي إلى استمرار الفترة الانتقالية، وإلى استمرار قوى اعلان الحرية كحاضنة سياسية، بالإضافة إلى شركاء السلام, ويضيف: ليس هناك من طريق الحل إلا الحوار بين كل أطراف الحرية والتغيير لأن الانشقاق طال كل المجموعات ولا يزال.

طرف ثالث:

وينتهي ترتب بيت إلى القول بأن الأزمة في تجلياتها الراهنة وصلت إلى مرحلة البحث عن طرف ثالث للتوسط بين الأطراف، “لا أرى في الساحة قوى تستطيع الضغط على الأطراف للتوجه نحو الحوار والوصول الى حل، هناك حوجة لمبادرة وقد يكون من المناسب أن يأتي بها الاتحاد الأفريقي والإيقاد, لجهة أنهما من توسّطا في السابق، ونجحا في ذلك، والطرف الثالث يمكن أن يرتب لتوحيد قوى الحرية والتغيير، ومن الممكن ان يكون للجنوب دور، الحل السليم أن تفتح القوى المتصارعة على السلطة منافذ للحوار”.

الخيار الثاني، وفق رؤية ترتب بيت، هو أن قوى الحرية والتغيير تبادر وتقدم تنازلات وطنية كبيرة للطرف الآخر المنشق عنها، من أجل لملمة أطرافها ومن ثم حل الأزمة، والجلوس إلى الطرف الآخر والاستماع لمطالبهم, خاصةً مطلب حل الحكومة، ليس بهدف حل الحكومة, بل قبول فكرة الجلوس إلى الحوار الشفاف كمبدأ، لانه من الصعب في ظرف الخلاف الحالي حل الحكومة, اذ ان الخلافات الجارية ستلقي بظلالها على عملية حل وتشكيل حكومة جديدة, لأن الخلاف حول تكوين المجلس التشريعي قضى أكثر من عام ولم يُنجز, فما بال تكوين حكومة، لا يمكن قفل الباب أمام الحوار والنقاش, لا بد للحرية والتغيير أن تقبل مبدأ الحوار وأن تسعى إليه.

الضغوط الدولية:

ويقول عن الضغوط الدولية على كل الأطراف: هذه الضغوط غير كافية، ولكن الأطراف استلمت رسائل مباشرة ومبطنة من الدول المؤثرة, وأنا لا أعول كثيراً على الضغوط الخارجية، وعندما تحدث الأزمات هناك سيناريوهات منظورة وأخرى غير منظورة، لذلك ربما فكّر البعض في نموذج الانقلاب الناعم الذي حدث في مصر وجعل من عبد الوهاب السيسي رئيساً لمصر.

هادئ وعقلاني

من جهته، يقول الدكتور صالح محكر، الأكاديمي بالجامعات السودانية، إن الأزمة وصلت إلى مرحلة لا يمكن تجاهلها، ولا تقبل المُزايدات، لأنها كشفت عن مخاطر كبيرة، وأدّت إلى انقسامٍ حادٍ وسط المُجتمع، وهي بكل تجلياتها مُتكرِّرة وقديمة ومتوارثة، وكانت سبباً في ضياع ثورات سابقة مثل أكتوبر وأبريل، الآن الوضع اختلف، والسيناريوهات القديمة لن تنجح، وما يُجرى الآن خاصة خلال اليومين الماضيين تكرار لها، الأمر في رأيي يحتاج إلى استراتيجيةٍ عاجلةٍ, من خلالها يتم التدرج في الحل، لأن هناك تقاطعات كثيرة، على رأسها حالة الاستقطاب التي تُجرى، والنزول للمجتمع، وأزمة الشرق والأوضاع الاقتصادية وانسداد الأفق السياسي.

ويقول محكر: ليس أمامنا غير اللجوء للحوار الهادئ العقلاني، الذي يهدف لإيجاد حل وليس لتقسيم السلطة او تحقيق مكاسب سياسية.

أهداف متناقضة

إلى ذلك, يُشخِّص الدكتور والأكاديمي محمد عبد الله الشريف، الأزمة الراهنة بأنها نهاية لتراكم أزمات قديمة، كان من الممكن أن تُحل من وقت مبكر، وهي ليست وليدة اللحظة، فالخلافات بين مكونات قوى الحرية والتغيير، ظلت تترى لفترة ليست قصيرة، وكل طرف متمرس في موقعه حتى تفجرت الأزمة، ويضيف: لا بد من الاعتراف بأننا في مربع ثانٍ بسبب حالة الانقسام، ولكي تُحل المشكلة لا بد من الجلوس إلى بعض، ولا بد من تهدئة الوضع بين الطرفين، ثانياً الأزمة تفجّرت في وقت غير سيلم، والطريقة التي تفجّرت بها والسلوك السياسي الذي رافقها، أدى إلى حالة استقطاب وفتح الباب لدخول أطراف غير مرغوب فيها من الطرفين وكل صاحب غرض دخل على الخط، وهذه مشكلة كبيرة أدّت إلى تعقيد الوضع، مثلاً المسيرات الأخيرة فتحت الباب لمؤيدي المؤتمر الوطني المحلول، وكان وجودهم واضحاً.

ويقول الشريف: بالإضافة إلى ذلك, كانت أهداف المجموعة التي نظمت المسيرات وتنظم الاعتصام، غير واضحة وغير مُحدّدة ومتناقضة, فمنهم من ينادي بحل الحكومة, ومن ينادي بإسقاطها وهناك فرق بين الهدفين، وهناك من يُنادي بتسلم السلطة للعسكريين، فهل المجموعة التي كوّنت حاضنة جديدة هدفت من انشقاقها إلى إسقاط الحكومة وتسليمها للعسكريين.

ويضيف: في رأيي، فإن الوقت قد حان لتحديد المواقف، وان لا ينجر الناس إلى الاستقطاب المضاد، وملامحه قد بانت بالدعوة إلى مسيرة يوم 21 أكتوبر، ولتغيير التكتيكات حتى لا تتعقّد الأزمة أكثر وتهدد المرحلة الانتقالية مثلما فعل الحزب الشيوعي الذي كان ينادي بإسقاط الحكومة بات الآن ينبه إلى المخاطر من الفلول.

ويشير الشريف إلى أن المخرج يكمن في الحوار الجاد بين اطراف قوى الحرية والتغيير، لأن هناك مجموعة اتفاق سلام جوبا، ويرى ان الحل في تكوين حكومة تكنوقراط تراعي اتفاقية السلام، وليس قادة الأطراف الموقعة على اتفاق السلام، لأن التكنوقراط ليس لديهم مخاوف مثل الممثلين للاحزاب الذين يخافون على مؤيدي أحزابهم.

ويقدم الشريف مقترحاً يرى انه لازمٌ لحل الأزمة، وتتمثل في تكوين مجلس وزراء مختلط من ٢٦ وزيراً، يكون مختلطاً بين ممثلين لقوى الحرية والتغيير بشقيها “بعد أن يتم الاتفاق فيما بينها” وبين التكنوقراط، شريطة ألا تزيد الحقائب عن 26 وزيراً يتم تقسيمها على النحو التالي:

1- ٦٠٪ من وزرائه من التكنوقراط و٤٠٪ من أحزاب قوى الحرية والتغيير بشقيها “حتى لا تتم إعاقة الحكومة بالقوة السالبة”، مع الاحتفاظ بوزيري العدل و الري الحاليين لأدائهما المميز.

٢- ممثل واحد لكل حزب شارك في إعلان الحرية والتغيير باستثناء الحركات، خاصة الأحزاب التي لم تشارك في الحكومة الحالية والسابقة, اما الذين شاركوا من قبل فلهم خيار ترشيح تكنوقراط من خارج احزابهم ولرئيس الوزراء حق الاختيار بين المرشحين.

٣. مرشح واحد فقط لكل حركة من الحركات الموقعة على  جوبا للسلام.

٤. يتوجب على مكونات السلام (الحركات) ان يرشحوا تكنوقراط من خارج عضوية حركاتهم يثقون بهم لتولي باقي مناصبهم المنصوص عليها في اتفاق جوبا.

٥- يعين الدكتور عبد الله حمدوك، المناصب الخاصة بالشرق مؤقتاً من تكنوقراط يثق بهم الى حين حل مشكلة الشرق.

6 – مراجعة كل المسارات وليس فقط مسار الشرق والوسط والشمال، فيما عدا مسار النيل الأزرق.

7- لا يتولى اي من رؤساء الأحزاب والحركات أي منصب في مجلس الوزراء حتى يتفرغوا لبناء مؤسساتهم الحزبية تمهيداً لخوض الانتخابات المنتظرة.

8- يعاد النظر في تعيين حاكم إقليم دارفور الى حين عقد مؤتمر الحكم المحلي لوجود معارضة من بعض المكونات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى