استقالة الناطق باسمها.. آلية مُبادرة حمدوك هل دق آخر مسمار في نعشها؟ 

 

الخرطوم: الطيب محمد خير

أربكت الاستقالة المُفاجئة التي تقدمت بها المتحدث الرسمي باسم آلية مبادرة حمدوك (الأزمة الوطنية وقضايا الانتقال الطريق إلى الأمام) رشا عوض, المشهد السياسي, فقد كشفت رشا في المسببات التي دفعتها للاستقالة عن عقبات لا تبدو هينة تواجه آلية المبادرة، في مقدمتها وجود شخصيات بالمبادرة منخرطة في مشاريع سياسية متناقضة مع أهداف الآلية ما جعل الآلية تواجه صعوبات في تحقيق أهدافها بشكلها الحالي على حد تعبيرها، وأن السبيل الوحيد لإنقاذ الآلية هو إعادة هيكلتها من جديد وفق منهجية مختلفة.

موت سريري

ويرى مراقبون ان استقالة الناطقة باسم آلية المبادرة التي شكّلها رئيس الوزراء لمعالجة الواقع المأزوم الذي تشهده البلاد, كشفت عن حالة الموت السريري الذي دخلت فيه هذه الآلية رغم محاولات رئيس الوزراء إعادتها للحياة بطرح المبادرة كعلاج لتخفيف التوترات الناشئة بسبب تصاعد حدة الخلافات والصراعات بين شركاء الفترة الانتقالية (المكونين العسكري والمدني) التي لامست المُؤسّسات الرئيسية في الدولة على نحوٍ يعكس غياب التّوافُق السياسي بينها، ما أدّى لشلل عمل الحكومة الانتقالية وفرض تداعيات سلبية عديدة على الاستقرار الحكومي والسياسي، توازي واندلاع موجة الاحتجاج في الشرق التي وصلت لأزمة خانقة للوضع الاقتصادي المتدهور، في مقابل اتساع نطاق الخلافات بين القوى السياسية المختلفة.

انتقادات

وكانت آلية إنجاح مبادرة رئيس الوزراء, قد واجهت عاصفة من الانتقادات منذ بداية تكوينها بسبب اختياره لعدد من المُنتمين للنظام البائد ضمنها ما فجّر عاصفة من الانتقاد, حيث وصفت الآلية بأنها لا تتسق مع روح الثورة ولا تعكس تطلعات الشعب في تحقيق متطلبات المرحلة الانتقالية, ما عجّل بانسحاب عدد من عضوية الآلية منذ الإعلان عن تكوينها أواخر يونيو الماضي أبرزهم حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي, بسبب ان الآلية لم تنفتح على تمثيل حقيقي لمكونات الشعب السوداني, فيما رفضها رئيس المجلس الأعلى لنظارات البجا محمد احمد الأمين ترك بحجة وجود ممثلين لمسار الشرق وعضو الحزب الشيوعي محمد محجوب.

تفاؤل

قال عضو المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير كمال بولاد, انه متفائل باستمرار اللجنة ونجاحها في وضع أساس جيد للمرحلة القادمة، رغم ان استقالة العناصر المؤثرة فيها غير مفيد, مبدياً أسفه لاستقالة الناطقة باسم آلية نجاح مبادرة رئيس الوزراء رشا عوض, واعتبرها خسارة كبيرة لحقت باللجنة بفقدها احدى الشخصيات التي تتمتّع بكاريزما مؤثرة تشكل إضافة كبيرة لجنة آلية المبادرة التي يعول عليها لعب دور في حل كثير من الإشكالات التي تعج بها الساحة السياسية وايضا الإسهام في تحديد العلاقة بين المكونين العسكري والمدني من جهة, وبين قوى الثورة من جهة أخرى.

واضاف بولاد في حديث لـ(الصيحة) ان الواقع السياسي به تعقيداته تحمل الكثير من الاسئلة التي تحتاج لقدرات لوضع إجابة شافية عليها لإخراج البلاد من دوامة الهشاشة السياسية والامنية التي تعيشها، وقال “حسب علمي ان لجنة آلية المبادرة الآن تضع في بعض الخطط المتعددة الجوانب لإحداث اختراق في الوضع السياسي المتأزم، وأتوقّع أن تحدث هذه الآلية التوازن المطلوب في العلاقة بين المكونين العسكري والمدني وتضع أساساً جيداً للمرحلة القادمة”, ومضى بالقول “أنا متفائل بحدوث ذلك”.

وقال بولاد ان الحديث عن وجود فلول للنظام البائد داخل اللجنة والحكم به على عدم نجاحها معنيٌّ به الإدارة الاهلية, مضيفا وإن اردنا الحديث عن الادارة الاهلية يجب ان نتحدث عن تعاملها مع الانظمة منذ الاستقلال وحتى الآن وغير ذلك ستكون هناك اتهامات وتجنِ على دورها بصورة مقابل أشخاص بعينهم اختاروا خياراتهم وهم قيادات في الإدارة الأهلية, وإذا أردنا أن نعالج ذلك علينا أن نتبع منهجاً مغايراً لمسيرة الإدارة الأهلية منذ الاستقلال وحتى الآن, واكد استمرار لجنة الآلية ان تمكنت من احداث التوازن المطلوب بين المكونين العسكري والمدني.

تناقض

وقال المحلل استاذ العلوم السياسية بجامعة أم درمان الإسلامية د. عبده مختار لـ(الصيحة): لم تكن هناك توقعات او تفاؤل بنجاح آلية مبادرة حمدوك منذ بداية تكوينها لانها كانت تحمل كثيرا من مؤشرات عوامل فنائها في داخلها بوجود كثير من الشخصيات المتناقضة في مواقفها داخلها, وقال “كان على حمدوك طالما هناك ضرورة لإسناد مبادرته وتقوية فرص نجاحها كان عليه الاستعانة بآلية من الخبراء والعلماء والكفاءات المستقلة والشخصيات القومية المقبولة التي تتمتع بكاريزما وخبرات يمكن أن تُشكِّل إضافة محسوسة له, مقابل كبر حجم الازمات التي تواجهها الفترة الانتقالية وتضع لها وصفات علاجية شافية وليس الاستعانة بشخصيات سياسية متعصبة وصارخة الانتماء الحزبي”, مُعتبراً أن ذلك مؤشر إلى أنّ المنهج الذي اتبعه حمدوك في مواجهة الأزمات التي تعصف بالمرحلة الانتقالية خطأ وهذا ما جعل لجنة الآلية ليس لها مردود محسوس في وضع أي معالجات منذ تكوينها.

لا إنجاز

وأضاف د. عبده بأن الآلية بوضعها الحالي وما فيها من مُتناقضات لا تختلف كثيراً عن مجلس الشركاء الذي نشأ كمرجعية لمعالجة الخلاف الذي ينشب بين شركاء السلام, فلم نر لهذه اللجنة ومجلس الشركاء أي إنجاز يُذكر وكل القضايا معلقة، والفترة الانتقالية مكتوفة بخلافات وناقصة الهياكل, بدايةً من المجلس التشريعي الذي يقف الصراع حجر عثرة امام تكوينه, وأيضاً المفوضيات وحكومات الولايات وكل هذا كان مأمول ان يتم حال نجاح آلية المبادرة في تقريب شقة الخلاف بين الفرقاء, لكن كل الأمور والقضايا رهن التجميد بسبب الصراعات المتواصلة التي هي نتاج طبيعي للمنهج الخطأ في التعامل مع القضايا عبر آليات غير متوافق عليها في حل المشكلات لتحريك جمود استكمال مؤسسات المرحلة الانتقالية, وبالتالي تجدني من جمهور الشعب السوداني غير متفائل بنجاح هذه الآلية بتركيبتها الحالية في طي الخلافات إن لم يُعد تكوينها من شخصيات علمية مستقلة ذات خبرة في هذا المَجال.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى