العسكريون أمِ السياسيون: الانقلابات في السودان.. من يتحمَّل وزرها؟

العسكريون أمِ السياسيون: الانقلابات في السودان.. من يتحمَّل وزرها؟

الخرطوم- صلاح مختار

أثارت تصريحات رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، الذي حمَّل فيه السياسيين عامة مسؤولية حصول انقلابات،  جدلًا واسعاً بين السياسيين ونشطاء مواقع التواصل، مذكرين البرهان بما قام به في (25) من أكتوبر 2021م، بأنه (انقلاب عسكري) على حد وصفهم. وتساءل البعض هل يتحمَّل السياسيون وحدههم مسؤولية الانقلابات العسكرية؟

مسؤولية الانقلاب

نأى البرهان خلال احتفال بولاية كردفان بالجيش بعيداً عن المتسببين الحقيقيين وراء الانقلابات، وحمَّل في ذاته السياسيين عامة مسؤولية حصول انقلابات، قائلاً (السياسيون يتحمَّلون مسؤولية الانقلابات وليس الجيش). وأضاف: (لا يوجد عسكري يقوم بالانقلاب، الانقلابات يقوم بها السياسيون، يدخلون وسط العسكريين ويستقطبونهم كي يقوموا بالانقلاب). وذكر(إذا لم نفصل بين العمل العسكري والعمل السياسي فلن تسير هذه الدولة للأمام، سننسحب ونفسح المجال لآخرين)، وأكد على أنه إذا أراد الشعب تركيز الجيش على مهمته الرئيسة في حماية الحدود، فإن على السياسيين أن يبتعدوا عنه، وفقًا لقوله.

الحقيقة الكاملة

أحد الناشطين علَّق على تويتر قال عن تصريحات البرهان (هنالك جزء من الحقيقة في حديث البرهان، لكن الحقيقة الكاملة أن انقلابه العسكري في 25 أكتوبر، الوحيد في تاريخ السودان الذي لم يكن له غطاء سياسي يعتد به). منتقداً تحميل المسؤولية للسياسيين وحدهم، معتبرًا أن البرهان هو الذي قام بانقلاب عسكري دموي على حكومة مدنية، وفقًا لوصفه. فيما قال آخر  كلام البرهان يجب أخذه باعتبار أنه إيجابي جداً, وقال: نتمنى الالتزام به إذا التزم به سيذكره التاريخ بأنه القائد العسكري الذي خلص الوطن من عذاب الانقلابات وإذا انقلب عليه فالشارع له بالمرصاد.

استقطاب سياسي

وأيَّد الخبير العسكري الفريق محمد بشير سليمان، ما ذهب إليه البرهان بتحميل السياسيين مسؤولية كل الانقلابات التي حصلت في السودان, وقال لـ(الصيحة) لو حسبنا كل الانقلابات التي قامت نجدها عبارة عن استقطاب سياسي لعناصر الجيش, وأضاف: مع العلم أن القوات المسلحة تأتمر بأمر الجهاز السيادي, ولكن القوى السياسية تخطط تحت مظلة الجيش ويحصل انقلاب, ويتولى بعد ذلك القيادة المختارة سواءً على مستوى المؤسسي, أو المستوى الأدنى الرئاسة. وبعد ذلك يفترض حسب علم السياسة أن الجيش يتبع السياسة, لذلك يصبح القائد العام أو الأعلى هو قائد الانقلاب عبر استقطاب حزبي سياسي أياً كان. وقال سليمان: الجيش طبقاً للمؤسسة القانونية والأقدمية, يصبح لا يحق له الرفض في إطار أن الجهة الحاكمة هي المسؤولة منه, وهو مسؤول أي الجيش من تنفيذ في إطار ما قاله الدستور والقانون, الذي تأسست عليه الجهة التي اخترقت الجيش وسيَّسته حسب أغراضها. وقال: إن تحميل كل اللوم على الجيش معيب. وتابع: إذا كان السياسيون أمينون وشفافون لكان لديهم علم اليوم بوجود استقطاب لسياسيين داخل الجيش.  وقال: لا ألوم الجيش, وإلى يومنا هذا لم يحصل أي انقلاب قيادته جيش فقط. وأكد أن كل الانقلابات التي حصلت في السابق, وحتى وأن كان هنالك انقلاب في ظاهره الجيش عبر حاضنة سياسية تظهر ولو بعد حين. وأضاف: لو قمنا بدراسة علمية في هذا الشان نجد أن الجيش متهم، ولكن اتهام باطل, وخاطئ هم السياسيون يفعلون الفعل ويمكرون بعد ذلك.

قديم يعاد

ورأى سليمان أن ما قاله البرهان صحيح ولا يحتاج إلى حديث آخر. حتى البرهان نفسه دار حول فلك السياسة خلال الأربعة أعوام الماضية,عندما أحسوا بأن الجيش مستهدف فطنوا إلى ذلك. وقال أي سلطة دون جيش لا تسمى سلطة وأي دولة دون جيش ما دولة. وبالتالي في إطار مهدِّدات الأمن القومي السوداني, الجيش مسؤول مسؤولية أخلاقية ودستورية في المحافظة على الأمن القومي, إلى أن تأتي سلطة منتخبة, وتسلم السلطة ويذهب بالمفهوم (الجديد, القديم). بأن يكون الجيش بعيد من السياسة أو قريب منها في إطار تنفيذ واجباتها الاستراتيجية التي تقررها السلطة القائمة.

محمي ومدعوم

ويرى المحلِّل السياسي إبراهيم آدم إسماعيل، أن العلاقة بين السياسيين والعسكريين تكاد تكون معقدة وهو ما رمى إليه البرهان في إشارة للسياسيين، وأشار إلى تاريخ الدولة السودانية ارتبط بوجود المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية، كذلك الأمر في كل دول أفريقيا بسبب الاستعمار، وقال لـ(الصيحة): أغلب الحكومات في السودان كانت عسكرية، جاءت بمطالبة وتخطيط من القوى المدنية, وهي أي القوى السياسية دعمت الانقلابات العسكرية على مر تاريخ السودان، ولكن هذا لا يستدعي أن تصبح المؤسسة العسكرية جزء من الانتقال الديموقراطي, وأساسياً فيها، وتابع بالقول:” الانتقال لابد له أن يكون محمي ومدعوم من الجيش السوداني لحمايته من أي انقلابات تخطط لها القوى النظامية أو المدنية. كذلك أن يكون الجيش جزءاً أساسياً في حماية الديموقراطية من الاختراق والهيمنة الدولية ومن تدخل المخابرات, من الدول الأخرى”. ودعا الجيش بضرورة الإسراع في دمج وتسريح وتصنيف قوات حركات الكفاح المسلح. وسرعة البت في إنفاذ ملف الترتيبات الأمنية, لجهة أنه مهم جداً في هيكلة وصياغة المؤسسة, مشيراً إلى أن هذا الملف سيشكل الفيصل في وجود الجيش في المشهد السياسي, أما داعماً للانتقال أو العكس.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى