صلاح الدين عووضة يكتب : بقرف منك!!

 

على وزن (بهرب منك)..

والعبارة الثانية هذه مقطع من أغنية لإبراهيم عوض..

أو هو المقطع الوحيد الذي أحفظه منها… ومن ثم فلا أدري سبب الهروب هذا..

ولكني أعلم لماذا هربت إحداهن من عريسها في شهر العسل..

وذلك وفقاً لخبرٍ من سوح المحاكم؛ فعذرتُ الهاربة وهي تدندن (بهرب منك)..

 

فقد ذكرت – ومعها ألف حق – إنه مُقرف..

فهو لا يغسل يديه إلا بعد الأكل…. لا قبله؛ ولا يستاك إلا بعد النوم…. لا قبله..

ثم لا يتكلم إلا بعد وضع نشوقه داخل فمه… لا قبله..

مع أن النشوق – أو السعوط – وحده مدعاة للقرف؛ سواء كان قبل… أو بعد الكلام..

هكذا تقول الهاربة في حيثياتها القوية لطلب الطلاق..

بل ومن شدة قوة هذه الحيثيات حرت إزاء حصرها وجوب الهرب على زوجها..

 

فغالب السودانيين – من الرجال – يفعلون الأشياء نفسها..

فقليلٌ منهم الذين يحرصون على غسل أيديهم قبل الأكل؛ في مناسبات العزاء..

وكثيرٌ منهم لا يحلو له الكلام إلا بعد (تكوير السفَّه)..

والعديد منهم يستاك بعد استيقاظه من نومه؛ ولا يرى ضرورة للسواك قبل النوم..

وقبل أيام انتويت شراء فلافل وأنا راجعٌ إلى البيت..

ففوجئت بالبائع يضع منها على كيس الورق بأصابعه ذاتها التي يقبض بها النقود..

 

فتركته إلى آخر وأنا أردد (بهرب منك)..

ثم تركت الثاني هذا نفسه إلى ثالث… فرابع؛ قبل أن أقرر الهرب من الفكرة نهائياً..

فزوج طالبة الطلاق – إذن – ليس بدعاً منا نحن السودانيين..

فكلنا في هواء مصيبة (ما بعد) سواء؛ ولا نهتم بثقافة (ما قبل) التي لا تقل أهمية..

أو على قول الشاعر:

كل من جئتُ اشتكي ابتغي عنده الدواء

 

يتشكَّى شكيتي…. كـلنا في الهواء سواء

والغريب أن زوج طالبة الهروب هذه اعتذر عما كان يبدر منه مظاهر القرف..

غير أن ردها يمكن تشبيهه بمقطع من أغنية أخرى أيضاً..

وهو (اعتذارك ما بفيدك) لمحمد وردي؛ وذلك بعد كثرة اعتذاره… وقلة عزيمته..

ولا أدري – كذلك – لم لا تعمم العروس قرفها هذا ليغدو شاملاً..

 

بمعنى ألا تُضيق واسعاً؛ فما عريسها – وأمثاله من الأزواج – هم المقرفون وحسب..

بل حتى أهل السياسة في بلادنا لا يقلون قرفاً..

فهم يُجيدون فقط ثقافة (ما بعد) – اعتذاراً – بعد أن يُشبعوا مرحلة (ما قبل) فشلاً..

ولعل أشهر اعتذار سياسي – في زماننا هذا – اعتذار الترابي..

فهو قد كان اعتذر عن مساوئ – ومخازي – نظامٍ من بنات دهائه؛ أواخر أيامه..

بيد أنه كان اعتذاراً لرب العالمين؛ هكذا قال..

 

فالله يقبل التوبة – والعذر – ولكن الناس لا يعذرون؛ وفعلاً لم يقبلوا اعتذاره ذاك..

والآن ستسمعون اعتذارات عديدة عما حدث لنا من أذى..

ولكنها اعتذارات (ما بعد) الإبعاد عن المنصب – والنثريات المليارية – (لا قبل)..

اعتذارات (بعدية)؛ كالتي كان يُكثر منها الزوج (المُقرف)..

وأيما اعتذار مماثل – قريباً – ليس لنا ما ندخره لصاحبه سوى عبارة (ما قبل) ذاتها:

 

بقرف منك!!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى