هجرة الطلاب.. غياب الدولة وفقدان الأمل

 

أستاذ جامعي: سوف تكون هناك فوارق طبقية في حال استمرار هذا الوضع

وكالات سفر: أكثر من ألفي طالب هاجر للخارج

اقتصادي: الدولة فقدت آلاف الدولارات من عائدات الطلاب الأجانب

طلاب: هاجرنا إلى الخارج بسبب ضعف البيئة والمؤهل وهناك تسهيلاتٌ من دول الجوار

تحقيق: أم بلة النور 

منذ اندلاع ثورة ديسمبر المجيدة، ظلت مؤسسات التعليم العالي تعيش حالة صراع داخلي كبير جداً، وقبل سقوط النظام البائد كانت بعض الجامعات تعيش حالة من عدم الاستقرار نتيجة للنشاط السياسي، والذي يتسبب في إغلاق عدد منها وتعليق الدارسة مثل جامعتي الخرطوم وبحري إلى جانب أم درمان الأهلية بحيث اصبح الطلاب يتجنبون التقديم في الكليات الملتهبة بتلك الجامعات، إلا أنه وبعد اندلاع الثورة أصبحت الجامعات في حالة تشظٍ، ودائمًا ما تتجه الحكومة لإغلاقها خوفًا من التظاهر، حتى بعد سقوط النظام ظل الوضع كما هو علية، مما ادى الى تراكم الدفعات وتأخير طلاب السنة الأخيرة، الأمر الذي أدّى إلى تفشي ظاهرة هجرة الطلاب للدراسة بالخارج والذي كانت له نتائج سالبة على مؤسسات التعليم العالي بالسودان نتناولها في سياق التحقيق التالي .

فارق عملة

وبحسب استطلاع “الصيحة” وسط الطلاب الأجانب القادمين من دول شرق آسيا خاصة تايلاندا وبنغلاديش، أشاروا إلى أن  عزوف الطلاب عن التقديم بالسودان خلال العامين الماضيين جاء نتيجة لعدم استقرار الدراسة، واتجهوا للدراسة بمصر وتركيا، رغم انهم يُفضِّلون الدراسة بالسودان .

الأمر الذي اعتبره مسجل بجامعة القرآن الكريم فضّل عدم ذكر اسمه، فقداناً لعملة اجنبية كانت تدخل لخزينة الدولة عبر هؤلاء الطلاب من رسوم دراسية ورسوم سكن وتعليم عالي وغيرها من الرسوم، واضاف ان جامعة القرآن الكريم وحدها كانت تستقبل مئات الطلاب سنويًا في مختلف الكليات .

بيئة وعدم استقرار

فيما كشف عددٌ كبيرٌ من طلاب جامعة السلام كلية الطب بالمجلد، عن تقديمهم لاستقالاتهم والذهاب لكليات خاصة، وقالوا في حديثهم لـ”الصيحة”، إنّ مجموعة أخرى هاجرت إلى الخارج طلباً للعلم نتيجة لتدهور البيئة الجامعية بالكلية ونقص في الكوادر، وقال الطالب أبو بكر إنّ الكلية لم يكن بها اساتذة وتعتمد على الأستاذ الزائر في تقديم المنهج للطالب والذي يقوم بتدريسه خلال أسبوعين فقط بدلاً من ثلاثة أشهر وهي الفترة الزمنية المضروبة لتكملة المقررات، وأضاف أبو بكر أن هناك أيضا إشكالاً كبيراً في التقويم والمنهج الذي تم تدريسه خلال الفترة السابقة، والذي اتضح أنه غير معتمد من قبل وزارة التعليم العالي، وقال انهم اتجّهوا للاعتصام المفتوح امام مباني الوزارة دون الوصول لنتائج .

هجرة جماعية

كل تلك الملابسات إلى جانب الإغلاق المستمر للجامعات جعل نصف الدفعة من كلية الطب بجامعة السلام تهاجر إلى جمهورية مصر العربية والالتحاق بمؤسساتها التعليمية، وكشف أبو بكر عن وجود تقديم إلكتروني من داخل السودان بالشهادة السودانية لهذا العام والسنوات الثلاث الماضية، مضيفاً أن رسوم التعليم بمصر وجدها الطلاب أقل تكلفةً من الدراسة في السودان بالإضافة إلى الأوضاع السياسية التي لم تكن مشجعة للانتظار ومواصلة التعليم بالداخل .

ضعف المُؤهّل

بينما ارجع طلاب أخرون، هجرتهم للخارج إلى جانب الأوضاع السياسية وعدم استقرار الدراسة، إلى ضعف مخرجات التعليم العالي بالسودان وتدني ترتيب الجامعات السودانية مُقارنةً بالدول العربية والإسلامية.

وقال مهند بشرى والذي اكتملت إجراءات سفره لدولة الهند لدراسة هندسة الاتصالات بعد أن ترك مقعده بإحدى الجامعات السودانية، قال ان الشهادة اصبحت لا تُنافس في سوق العمل الخارجي وكل الفرص التي تتوفر للعمال فقط، فهناك مئات الخريجين حاملي الشهادات ودرجات عليا يعملون كعمال وسائقي مركبات خاصة وشاحنات نتيجةً لانعدام فرص العمل لحاملي الشهادات بالداخل وضعفها بالخارج .

خللٌ أكاديميٌّ

وفي حديثه لـ”الصيحة” اكد الدكتور عمر بلولة الأستاذ بجامعة أم درمان الإسلامية، وجود استقالات من مقاعد الدراسة بصورة كبيرة جداً, منهم من غادر البلاد لتلقي التعليم، ومن منهم من دخل سوق العمل سواء بالداخل أو الخارج للعمل في مجال المهن الهامشية لتوفير قُوت يومه ولأسرته، نتيجة للأوضاع الاقتصادية الحالية، وارجع تلك الهجرة بشقيها الى ارتفاع الرسوم الدراسية بالجامعات الحكومية والخاصة، وتقليل عدد المقبولين بالمساق الحكومي نتيجة لازدحام القاعات وتراكم الدفع الناتج عن الإغلاق المستمر للجامعات، وأضاف أن هجرة الأستاذ الجامعي أيضاً انعكست بصورة سالبة على مخرجات التعليم العالي، وقال ان هناك نقصا حادا للأساتذة بالولايات والتي أصبحت تعتمد على الأستاذ الزائر والذي يقوم بتدريس المقررات في فترة زمنية قصيرة جداً، مما احدث خللا في المستوى الاكاديمي للطلاب، واشار إلى أن أزمة الأستاذ الجامعي المتمثلة في تطبيق الهيكل الراتبي والإضرابات التي تحدث بين الحين والآخر أيضا ادّت إلى هجرته للخارج بحيث تتوفر له بيئة عمل ومخصصات مجزية، وتوقع حدوث فجوة خلال السنوات القادمة في عدد أساتذة الجامعات، وشدد على ضرورة الالتفات لقضية التعليم بالبلاد ووضع كل الحلول والميزانيات اللازمة لها .

فوارق طبقية

فيما يري الخبير والأستاذ الجامعي بجامعة النيلين دكتور موسى المصباح ان الخلل نتيجة الأوضاع السياسية والاقتصادية داخل مؤسسات التعليم العالي، احدث نوعاً من الفوارق الطبقية بين مُكوِّنات المجتمع الذي أصبح بين خيارين،  من يمتلك القدرة على التعليم قام بتوفير فرص لأبنائه للتعليم بالخارج، ومن لم تتوفر له الإمكانات يتّجه لسوق العمل الهامشي والذي قد ينتج عنه فاقد تربوي لم تنتبه له الجهات المسؤولة بعد، واعتبرها موسى هدرا لطاقات الشباب، وجزم على ان التعليم سوف يكون طبقياً للمقتدرين فقط في حال استمرار تلك الأوضاع .

وأوضح دكتور موسى المصباح جملة من الحلول الإسعافية، وتتمثل في إبعاد التعليم عن السياسة والسعي في خطوات جادة للبُعد من التجاذبات السياسية دخل مؤسسات التعليم العالي، وتوفير قدر المُستطاع من إمكانات للأستاذ الجامعي والحد من هجرته وتوفير الأساسيات له .

تسهيلات

في الوقت الذي يشتكي فيه البعض من عقبات في مجال التعليم العالي وتدمير البيئة الجامعية، كانت جمهورية مصر تضع كافة التسهيلات للطلاب وجذبهم للدراسة بمؤسساتها.

وقال صاحب إحدى الوكالات لـ”الصيحة” إن وزارة التعليم العالي المصرية تسهل عملية التقديم للطلاب السودانيين برسوم لا تتجاوز 1000 دولار في السنة ما بين 600 إلى 900 دولار فقط في كافة المجالات، واضاف ان الطالب يقدم إلكترونياً ويقوم بدفع 150 دولاراً رسوم تسجيل و1500 جنيه مصري كرسوم تحديث مؤهل، بالإضافة لمبلغ 200 جنيه رسوم للوزارة، مع قبول الشهادات للأعوام السابقة، كما لا تشترط نسبة للقبول في المساق العلمي بكليات الطب وغيرها من الكليات العلمية، مع وجود تسهيلات عديدة تُمكِّن الطالب وأسرته الحصول على مقعد دراسي بإحدى مؤسسات التعليم العالي بمصر, وأشار إلى وجود أكثر من ألفي طالب غادرو الى مصر وتركيا والهند لتلقي التعليم .

عُملة صعبة

رغم تحرير سعر الصرف والدولار الجمركي، إلا أن الدولة فقدت مليارات الدولارات نتيجة لعدم الاستقرار في مؤسسات التعليم العالي، هذا بحسب حديث الخبير الاقتصادي حذيفة إبراهيم أبو نواس الذي قال “للصيحة” إن هناك الآلاف من  الطلاب الذين يتجهون للسودان من دول أفريقيا مثل الصومال وجزر القمر بالاضافة الى دول شرق آسيا التي تسدد رسومها بالدولار، وتخوف من ظاهرة تفشي الفقر لعدم استغلال الموارد بصورة سليمة خلال السنوات القادمة بفضل الجهل وقلة التعليم.

وأشارت الدكتور جميلة الجميعابي المتخصصة في المجتمع انها من خلال الرصد واللقاءات المباشرة مع طلاب الجامعات علمت بترك عدد كبير منهم للجامعات لأجل العمل في ظل الظروف الاقتصادية المعلومة للكافة، واوضحت في حديثها لـ”الصيحة” أنها لم تعد دراسة علمية عن عدد الذين تركوا مقاعد الجامعات لكنها توصّلت الى حقيقة بأن عددا كبيرا جدا منهم فضّل العمل على الدراسة وكثيرين قرّروا توفير لقمة العيش لأسرهم وبعد ذلك قد يعودون الى مقاعد الجامعات، وذكرت أنها مع عمل الطلاب، لكن بشرط المواصلة في الدراسة حتى يكتسبوا خبرات تُعينهم في الحياة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى