المياه في السودان.. سلعة أم خدمة؟

المياه في السودان.. سلعة أم خدمة؟

مواطنون يجأرون بالشكوى ويطالبون

– تقديرات رسمية: (1200) متر مكعب عجز في المياه يومياً داخل الخرطوم

– قانوني: إدارة ملف المياه يواجه خللاً كبيراً

– خبير مياه: البلاد تفتقر لمشاريع المياه وآخرها كان 2010م

الخرطوم: انتصار فضل الله

ظل سكان السودان ومنذ سنوات يشكون  انقطاع الإمداد المائي لأيام في مناطق،  ولأشهر في مناطق أخرى، بالتالي نقص حاد في مياه الشرب العذبة.

اخذت عدوى قطوعات المياه في الانتقال المتسارع تاركة بصمة وصفها خبراء تحدثوا لـ (الصيحة) بالسيئة في كل ولايات البلاد، ما دفع قطاع واسع من المواطنين يطالبون بالحق القانوني في المياه .

بالأمس بعث بعض قاطني منطقة ” أبو آدم ” بشكوى لـ(الصيحة)، يجأرون من انعدام المياه لأشهر وحتى اليوم، وتساءلوا هل المياه في السودان سلعة أم خدمة؟

لفتوا إلى أن المياه أضحت من  المشتريات اليومية سواءً من البقالات أو  التجار أصحاب عربات “الكارو”.

تناولت (الصيحة) القضية وأجرت مقابلات مختلفة في هذا الخصوص.

مناطق الأزمة

في موسم الخريف يهدِّد العطش مناطق عديدة في السودان بصفة عامة وبمحليات ولاية الخرطوم السبع دون استثناء بشكل خاص، وشهد الأسبوع المنصرم تظاهرة احتجاجية نفذها جزء من سكان”العزبة ” للمطالبة بحقهم القانوني في المياه، عقبها تظاهرة في أم درمان تطالب بمعالجة مشكلة انقطاع الإمداد.

عثمان الهادي، مواطن يقطن مدينة “الحاج يوسف” محلية شرق النيل، يرى عدم وجود مبرر لانقطاع المياه لفترات طويلة، قال لـ(الصيحة): أصبح انقطاع الإمداد لأشهر أمر واقع تعوَّد عليه السكان لكنه شدَّد على ضرورة أن تهتم السلطة الحاكمة بأمر المياه، وأخشى أن يأتي يوماً ويجف فيه النيل ولا يجد الإنسان السوداني “قطرة موية” “يبل” بها ظمأه.

ترى هنادي حسين عزيز، تسكن أركويت، ضرورة إقامة ورش وندوات تناقش مشكلة شح وانعدام المياه في الولاية وتمليك الرأي العام الحقائق، نظراً لأنها كارثة حقيقية يعاني منها كل سكان السودان والخرطوم جزءاً منه، وقالت  لـ(الصيحة) المشكلة الحقيقية في ضعف إدارة ملف المياه من قبل المسؤولين، واقترحت فصل فاتورة المياه عن الكهرباء وتعويض المستهلكين عن الضرر الذي لحق بهم.

أسعار مرتفعة

فيما شكا الميسورون الذين يشترون المياه المعدنية (الصحية) المعبأة في الباقات من أسعارها، حيث بلغ سعر الصافية (١٨٠٠) جنيه، للباقة الواحدة وقالوا هذه لا تكفي أسرة متوسطة بمعنى (٥٤٠٠٠) جنيه، في الشهر، كل ذلك أصبح يشكِّل معضلة حقيقية، دعوا إلى أهمية تدارك الدولة لهذه المعاناة نظراً لأن المياه هي الحياة وهي خدمة ضرورية لحياة الناس الذين يعانون الكثير من المصاعب.

وقالوا: يعاني سكان الخرطوم بمدنه الكبرى الخرطوم وبحري وأم درمان وامتدادها من شح في المياه وأصبح الحصول عليها أمراً صعب المنال،

حيث تنقطع المياه من المواسير في كل الولاية تمتد من أيام إلى أسابيع في مناطق وأشهر في مناطق أخرى، وأصبح وجود كارو مياه يجره حمار منظر عادي أمام أفخم المنازل في الخرطوم وهذا تعبير صادق ودليل قاطع على غياب الدولة.

 أسباب الكارثة

تقدِّر السلطات العجز اليومي داخل ولاية الخرطوم بحوالي (1200) متر مكعب يومياً، رغم أن الخبراء يرون هذا التقدير غير صحيح، حيث يعتبرون العجز اليومي أضعاف أضعاف ذلك بكثير.

عزا مهندس شوقي سعد الدين، الخبير في المياه، السبب في ذلك لامتدادات المدن التي لم تجد حقها من المياه، إضافة إلى الزحف السكاني إلى العاصمة جراء السياسات الاقتصادية التي جعلت البعض ينزح إلى المدن يومياً بشكل مستمر

وقال لـ (الصيحة)، كيف لا يعاني المواطنين أزمات مياه وآخر مشاريع محطات مياه أقيمت في ولاية الخرطوم كانت في عام 2010م،  ما يتطلب دراسة تقارن بين موقف المياه في تلك الفترة والحاجة السكانية للمياه.

وكشف عن حجم العجز الذي وصفه بالهائل في المياه النقية مع عدم توفير  مياه آبار ومياه جوفية والتي بدورها تعاني من مشاكل عدة منها عدم توفر التمويل الكاف لإقامة مثل هذه المشاريع،  وانخفاض المياه في فترات الصيف،  بالإضافة إلى كل ذلك التغيُّر المناخي وارتفاع درجات الحرارة  التي أدت إلى زيادة في كمية المياه المستهلكة مع زيادة في استهلاك مكيفات المياه، فضلاً عن أن الناس يعانون من استعمال المولدات الكهربائية “الموترات” لسحب المياه مما يزيد تكلفة الصرف، مشيراً إلى الطمي الناتج عن الأمطار في سد المواسير وتأثيره على الشبكات مما يتطلب النظافة السريعة.

معضلة كبيرة

وشدَّد القانوني عماد جمال الدين، على أن توفر المياه حق من حقوق الإنسان تكفله كل المواثيق زال الدولية، لكنه قال لـ(الصيحة) ما زالت قطوعات المياه تشكِّل معضلة وكارثة حقيقية يعاني منها قطاع واسع من السكان.

ونادى السلطة الحاكمة بتدارك إدارة البلاد للمياه وإدراك أن المواطنين شركاء فيها ولهم حق أصيل، وتابع: “بالتالي توفر المياه بشكل عام خدمة لابد من تقديمها نظراً لأنها أساس الحياة ويفترض توفرها مجاناً،لكنه تأسف لأن تكون هذه الخدمة مدفوعة كسلعة مقدماً دون مقابل في دولة اشتهرت بعقود إذعان تدفع حسب ما تفرضها السلطات دون أن يتمتع المواطن بالخدمة، إذ تدفع لهيئة المياه مع الكهرباء وبعدها يذهب الفرد لشراء مياهه من عربة الكارو.

وأضاف جمال الدين، أنعم الله على السودان بتوفر موارد المياه من أنهار ومياه جوفية وأمطار للأسف الشديد تعاني من سوء إدارة ملف المياه الذي يواجه خللاً كبيراً سواءً أكان في الزراعة أو مياه الشرب على مستوى السودان بمدنه وأريافه وعدم استغلالية موارد المياه المتاحة، وأشار إلى معاناة أطراف السودان في الولايات بقراها ومدنها من شح مياه الشرب، وقال: يسافر المواطنون  يوماً كاملاً للحصول على المياه من مناطق أخرى وغالباً يعودون بجركانة واحدة لكل أسرة، أما الحصول على مياه للغسيل والاستحمام حدث ولا حرج.

أمراض خطيرة

فيما حذَّر دكتور عبد العال الطيب، اختصاصي الباطنية من استخدام  مياه الكارو للشرب، وأفاد (الصيحة)، بأن هذه المياه السبب الرئيس في أمراض الباطنية والفشل الكلوي والإسهالات والطفيليات والبكتريا وكل تلك الأمراض وغيرها التي تفشت -حالياً- تزامناً مع الخريف جراء المياه الملوَّثة التي لجأ إليها المواطن مضطراً، وأضاف أن زيارة مختبر طبي واحد أو عيادة طبيب يعطيك حجم الكارثة وعدد المرضى بأرقام مزعجة، وقال: للأسف سكان العاصمة على بعد أشبار من ثاني أطول نهر في العالم، فضلاً عن المياه الجوفية المتوفرة التي لم تستغلها الدولة استغلالاً صحيحاً حتى الآن لغياب الإرادة والإدارة معاً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى