مُنى أبوزيد تكتب : البطل يسقط مرَّتين..!

تعيسة هي البلاد التي تحتاج إلى أبطال”.. برتولت بريشت..!
عامر، صديق طفولتنا الصغير كان أيقونة ناطقة للولد المثالي. أول الفصل، مؤدب، شاطر، رسّام، لاعب كرة خطير ..إلخ .. وقد ظل في نفوسنا فارساً مغواراً وبطلاً لا يُقهر، إلى أن جاء أحد أيام إجازتنا السنوية، وتجمهر أطفال الحي عصراً أمام ساحات البيوت، وانقسموا إلى مجموعتين هزيلتين أطلقوا عليهما “هلال مريخ”، ثم شرعوا في ممارسة دور الأطفال – الذكور – التاريخي “تقليد طريقة اللاعبين الكبار في كرة القدم”..!
عامر يتهادى بقميصه الأحمر ويوزع نظرات الفخر على الجميع، البنات اللاتي كن يلعبن “الحنجلة” يتوقفن عن اللعب ويرمقنه في انبهار طفولي، عامر يمرر الكرة، يحرز هدفاً. عم السر يرسل إعجابه بالهدف عبر صيحة من موقعه على كرسي البلاستيك أمام باب منزله العتيق. إحدى صديقاتنا “التوأم” تقسم كثيراً وهي تروي لنا كيف علمها عامر طريقة تسجيل أهداف بالرأس داخل الشبكة..!
ضفائر التومة تتمطوح ذات اليمين وذات اليسار وهي تصف لنا بحماسة وزهو عظيم كيف شاركت البطل تسديد أهداف بالرأس في تلك اللحظة التاريخية، ونحن نرمقها في غيرة طفولية واضحة، أقلقت إصرارنا على متابعة مجريات المباراة. جلبة المشجعين الصغار تشكل خلفية صوتية رائعة لانتصارات البطل. عم السر يعتدل في جلسته وهو يحرك كرسي البلاستيك مرسلاً صيحة إعجاب أخرى..!
عامر يتقدم نحو المرمى بثقة الهدافين الكبار، طريقة سير المباراة تمهد لمزيد من بطولات عامر وتعزز – في ذات الوقت – لمزيد من الصفات الحميدة في شخصيته المثالية التي لا تخشى شيئاً والتي تجيد صنع كل شيء. الأمور تسير على ما يرام تماماً. ثم فجأة يقع عامر على الأرض في أثناء اللعب..!
كانت تلك أول مرة نرى فيها صديقنا عامر وهو يبكي، يعتصر كفه الصغيرة في ألم، ثم يجهش بالبكاء، الدموع تبلل وجه عامر، نحن نرقب المشهد بمزيج من الحزن والدهشة والإحباط. إحباط طفولي من نوع خاص يتنازعني على نحو غامض، عامر يبكي مثل البنات؟!. يا للهول. فهم طفولي – جداً – يتنزل علىَّ، ويزلزل يقيني المفرط ببطولة عامر..!
الفتى الشجاع ينزل من برجه العاجي ويتحول أمام ناظري – الذي سقط منه مكرهاً لا بطل – إلى طفل صغير يجهش بالبكاء عند أول امتحان حقيقي لشجاعته كرجل. كانت سقطة عامر لحظة ضعف بشري تكرس لإنسانية رجل صغير، ولا تخصم من أرصدة التقدير له والإعجاب به شيئاً، لكنها أحكام الأطفال المأخوذة بحُسن نية – وسوء استماع – عن قسوة أحكام “بعض” الكبار على “كل” دموع الرجال..!

 

 

مُنى أبوزيد
[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى