احتضنته منهاتن غياب البعثة في احتفال التطبيع… ارتباكٌ أم إجراءٌ مُؤسّسيٌّ؟

تقرير- مريم أبشر
تغيب السودان عن احتفال نظمته البعثة الإسرائيلية بالأمم المتحدة في متحف منهاتن للتراث اليهودي بنيويورك بمناسبة الذكرى السنوية لتوقيع اتفاقات ابراهام للتطبيع مع إسرائيل. وحسب صحيفة تايمز أوف إسرائيل، فإن البعثة الدائمة السودانية في نيويورك لم يحضر عنها اي ممثل رغم ان السودان وقع اتفاق إقامة علاقات مع اسرائيل في أكتوبر من العام الماضي ضمن اتفاقات ابراهام المحتفى بمرور عام على توقيعها. وحسب الصحيفة الإسرائيلية، فإن بعثة السودان تلقت الدعوة للمشاركة في الاحتفال، لكنها لم تشارك في وقت شارك فيه ممثلون عن كل من المغرب والإمارات والبحرين الدول الموقعة على الاتفاق الخاص بإقامة علاقات دبلوماسية مع اسرائيل في العام الماضي، بجانب مشاركة الولايات المتحدة التي رعت الاتفاق منذ بداياته.
ومعلوم ان السودان وقع في أكتوبر الماضي على اتفاقية إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، وهنأت واشنطن الحكومة الانتقالية على توقيعها، وهي الاتفاقات التي من شأنها مساعدة السودان أكثر في مسار يما يلي الانتقال نحو الاستقرار والأمن والفرص الاقتصادية حسب واشنطن، فضلا عن ان الاتفاق يسمح للسودان وإسرائيل والدول الأخرى الموقعة على اتفاقات أبراهام بناء ثقة متبادلة وزيادة التعاون في المنطقة، واعتبر حينها أن الاتفاق من شأنه ترسيخ الحوار والتعايش بين مختلف الشعوب في المنطقة، ووقع عن الجانب السوداني، وزير العدل نصر الدين عبد الباري، وعن الجانب الأمريكي وزير الخزانة ستيفن مونشن الوزير في عهد إدارة ترمب السابقة.
عدم توجيه
رغم ان توقيع السودان على اتفاق أبراهام إبان عهد ادارة ترمب جرى وفق ملابسات معروفة وفق محللين، أبرزها الضغوط الكبيرة غير المرئية التي فرضتها ادارة ترمب على الحكومة الانتقالية بربطها لرفع اسم السودان من القائمة السوداء، ورفع العقوبات الاقتصادية بالتوقيع على خلق علاقات طبيعية مع إسرائيل، وحسب القراءات فإن إدارة ترمب وقتها كانت تبحث هي نفسها عن إحراز اهداف ومكاسب سياسية تدفع بحظوظه في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وحسب مراقبين فإن الحكومة الانتقالية ليست على قلب رجل واحد فيما يلي ملف التطبيع وان هنالك خلافاً كبيراً فيما يبدو بين المكونين المدني والعسكري، في ذات الوقت الذي ترى فيه الحكومة ان امر التطبيع والموافقة على الاتفاق بشكل نهائي امر متروك للمجلس التشريعي عقب تشكيله. ويرى المراقبون ان هذا الارتباك انعكس على المشهد العام فيما يلي التطبيع من عدمه وحسب معلومات “الصيحة”، فإن البعثة الدائمة في نيويورك لم تتلق توجيهاً بالمشاركة في الاحتفال رغم تلقيها للدعوة، ورأي مصدر عليم ان السودان لديه سفارة في واشنطن هي المسؤولة عن العلاقات الثنائية بين الدول وليس البعثة المسؤولة عن العمل المتعدد.
ضبايبة
ملف التطبيع مع اسرائيل يشوبه قدر كبير من الضبايبة، اضف الى ذلك فإن الصورة غير واضحة بين المكونين العسكري والمدني والحاضنة السياسية حيث ترفض بعض الأحزاب المكونة للحاضنة على رأسها حزبا البعث والشيوعي التطبيع جملةً وتفصيلاً.
وتوقع الخبير الدبلوماسي السفير عبد الرحمن ضرار في ظل هذا الارتباك عدم تلقي البعثة لأي توجيهات من الوزارة بالمشاركة، ويشير في حديث أدلى به لـ(الصيحة) الى ان رئيس الوزراء ورغم أنه كان على علم باللقاء الأول الذي جرى في عنتيبي بين رئس المجلس السيادي الفريق اول ركن عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بحضور الرئيس اليوغندي يوري موسيفيني، الا ان الخلاف حول هذا الملف ظل قائماً حتى بعد التوقيع، ويرى ان اسرائيل حققت غرضها من التوقيع بكسب سياسي ودبلوماسي، فضلا عن الكسب الاقتصادي، حيث سمحت السلطات السودانية لإسرائيل بعبور طائراتها عبر اجواء السودان محققة بذلك كسباً زمنياً واقتصادياً, في وقت لم يتحصل السودان على المكاسب المرجوة من ذلك بخلاف المساهمة في رفع اسمه من قائمة الإرهاب والعقوبات الاقتصادية رغم ان السودان رفض مبدئياً ربط الملفين بعضهما ببعض، وقال إن الحكومة فيما يلي التطبيع ظلت تقدم رِجلاً وتُؤخِّر أخرى وكان يمكن ان تحقق مكاسب كبيرة بما أن أمر التطبيع أصبح واقعا.
المصالح أولاً
“ليس هنالك ارتباك ولا أعتقد ان عدم المشاركة يرجع لردة او نكوص عن الاتفاق من قبل الحكومة، وانما هنالك خطوات يجب أن تُستكمل” هذا ما قاله الخبير الدبلوماسي والأكاديمي الدكتور حسن بشير في بداية حديثه لـ(الصيحة) قبل أن يشير إلى أن الاتفاق لم يجز من قبل المؤسسات الدستورية كالمجلس التشريعي الذي لم يتكوّن بعد، فضلا عن ان الخدمة المدنية بما فيها وزارة الخارجية تعمل بموجب الاتفاقيات المُجازة بشكلها النهائي، ولفت الى ان عدم المشاركة لا يعني ان الاتفاق المُوقّع غير قائم، ويشير الى ان عدم مشاركة البعثة ربما يعود الى انها لم تخطر بشكل رسمي من وزارة الخارجية في الخرطوم بالمشاركة، وإنّ ما قامت به تم وفق تنسيق مع الجهات المعنية، وقال ان التوقيع على اتفاق أبراهام لإقامة علاقات مع اسرائيل وقّع عليه رأس البلد ولا يمكن النكوص عنه، ولفت الى ان كل دول العالم بما فيها فلسطين نفسها طبّعت علاقاتها مع اسرائيل ولا يمكن ان يكون السودان ملكاً اكثر من الملوك، ونبه الى أنه لا توجد فيها مصالح دائمة ولا عداء دائم، وأن على الحكومة البحث عن مصالح السودان أين ما وجدت.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى