صلاح الدين عووضة يكتب.. لا تفكر!!

طرتُ كثيراً..

ولكن طيراني طوال حياتي – حتى الآن – لا يساوي ربع طيران مريم (طيارة) في شهرين..

منذ تولِّيها منصب وزارة الخارجية..

وتستحق أن تُدرج في موسوعة جينيس للأرقام القياسية من حيث أسفار وزراء الخارجية..

المهم أنني سافرت كثيراً بالطائرة..

ولكن آخر طيرانٍ لي صوب القاهرة كان مختلفاً… إذ شعرت لأول مرة بالخوف..

بخوف غريب من الطائرة..

خوف لا علاقة له بعطل فني… ولا سوء أحوال جوية… ولا أي شيء متعلق بالطائرة..

وإنما سببه أنني (فكرت) – لأول مرة – عند السفر جواً..

فكرت في الطائرة نفسها… فطارت الطمأنينة من دواخلي..

فهنالك أشياءٌ في حياتنا تستوجب منا إلغاء عقولنا إزاءها إلى حين..

وثمة مثل مصري يقول (اللي يخاف م العفريت يطلع له)..

وهو يختزل – إلى حد بعيد – دراسات طويلة في علم النفس حيال عامل الخوف..

وأغلب الذين يزعمون رؤية شياطين لم يروها في الواقع..

فقط رأوها في عوالم افتراضية صنعتها عقولهم جراء التفكير في الجن والأرواح..

ونعني تصويب الفكر – بدقة – نحو هدف (غير مرغوب)..

والشيء ذاته قد ينطبق على (أصحَّاء) يزعمون إصابتهم بعجز جنسي..

ولا يدرون أن كل مشكلتهم هي (التفكير)..

فالتفكير في العجز قد ينجم عنه عجز (فعلي)… لا يزول إلا بزوال مسبباته..

ومسبباته هنا هي فقط (إعمال العقل تجاه الفعل نفسه)..

فمتى ما (توقف) الشخص عن التفكير (سارت) الأمور سيرها الطبيعي..

ثم تنداح كارثة التفكير الخاطئ لتشمل جوانب أخرى..

فالسائق مثلاً الذي ينصرف فكره نحو الحوادث – لا القيادة – يتسبب في حادث..

والجرّاح الذي يفكر في عمله – لا عمليته – يخطئ..

والطالب الذي يفكر في تبعات الامتحان – لا الامتحان نفسه – يرسب..

والمطرب الذي يفكر في صوته – لا تطريبه – يفقده..

فالتفكير في حد ذاته مطلوب… ولكنه يصير خطراً إن حاد عن الطريق..

إن سلك طريق الداخل… عوضاً عن الخارج..

إن تاه في دروب الخوف من مجهول… مبتعداً عن طريق المعلوم..

ومجلة طبية أمريكية تتحدث عن أغرب حالة خوف..

 

خوف من مرض لا وجود له في جسد (الخائف)… لتتحقق مخاوفه بعد ذلك..

فهو يُكثر من زيارة الأطباء… بحثاً عن السرطان..

وفي كل مرة يطمئنه الأطباء بأنه ما من مرض خبيث يبدو داخل جسمه..

وذات يوم حذره جاره الطبيب النفساني من مخاوفه..

قال له إن ظللت تخاف من مجهول فربما عليك أن تتعامل معه عما قريب..

وبالفعل تعامل – بعد فترة – مع واقعٍ قادته إليها مخاوفه..

وأضاع سنوات عمره خائفاً من المرض… وسوف يضيع بقيتها خائفاً من الموت..

وكل ذلك بسبب إجهادٍ للذهن في تفكير لا لزوم له..

فلا تنساقوا وراء مقولة الفلاسفة (أنا أفكر…. إذن فأنا موجود)..

فقد تقودكم إلى: أنا أفكر…

إذن فأنا مفقود!!.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى