النذير إبراهيم العاقب يكتب..خطاب الكراهية.. الأسباب والمعالجات

انتظمت في العاصمة الخرطوم طوال أغسطس المنصرم فعاليات وندوات ومؤتمرات على أعلى مستوى في الدولة خصصت لمناقشة ومحاربة خطاب الكراهية، والذي بلا شك نلاحظ أنه انتشر بشكل مرعب وسط كل مجتمعات السودان المختلفة وفي كل أقاليمه الستة عشر، ووصل في بعضها لدرجات عالية من بغض ونبذ الآخر، ورفضه وسط مجتمعات الإقليم، وفي كثير من الأحيان تصل درجة هذه الكراهية إلى مستوى التمييز العنصري، والذي يعتبر أبشع أنواع رفض الآخرين، الأمر الذي ينذر بالخطر، ومن شأنه أن يؤدي إلى انهيار الدولة السودانية، وتفككها، وتحويلها إلى دويلات شتى، لا سيما بعد بروز ظاهرة المطالبة بالانفصال عن الدولة الأم من قبل العديد من الأقاليم، والمتمثلة في ما أطلق عليه مسمى (دولة النهر والبحر) والتي تضم الولاية الشمالية والبحر الأحمر، فضلاً عن مطالبات الكثيرين من أبناء دارفور، وإن كانت على استحياء، بفصل إقليمهم أيضاً، ناهيك عن المطالبة العلنية والمجاهرة بذلك من قبل الحركة الشعبية جناح عبد العزيز الحلو بتقرير المصير لجبال النوبة، وبالطبع فإن إقليم النيل الأزرق، ليس استثناء من تلك الأقاليم المطالبة بالانفصال، أو انتشار خطاب الكراهية وسط مجتمعاتها، حيث نلاحظ وبشكل مخيف بروز وتفشي العنصرية بشكل كبير وسط الكثيرين جداً من مواطني الإقليم، وللأسف أغلب هؤلاء من فئة الشباب المتعلمين، والذين كان من المفترض أن يكونوا هم أكثر المعارضين والمحاربين لهذا المنحى الخطير، والذي من شأنه زعزعة الاستقرار ليس في الإقليم فحسب، وإنما في السودان ككل. وبالغوص في التعريف الأمثل للكراهية، نجد أنها تعبير عن الكراهية التمييزية تجاه الأشخاص على أساس جانب معيّن من هويتهم، وبالتالي فهي شعور قوي وغير عقلاني بالعداوة تجاه شخص أو مجموعة من الناس بسبب هويتهم، على أساس ميزة خاصة معترف بها في القانون الدولي لحقوق الإنسان، أما ما يخص معنى الخطاب المصاحب لها، فإنه يعني أي شكل من أشكال التعبير عن فكرة أو رأي أمام جمهور على نحو خطي أو غير لفظي أو مرئي أو فني وما إلى ذلك، ويمكن نشر هذا التعبير عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، والصحف والمجلات، والإذاعة والتلفزيون.

والمعلوم لكل عاقل، أن خطاب الكراهية من شأنه أن يشكّل خطراً داهمًا على المجتمعات كافة، خاصة حينما يسعى إلى تحريض الناس على العنف تجاه مجموعات مهمشة، والمتمثلة في حالات رفض الآخر وشتمه أو الافتراء عليه أو عبر الصور النمطية المؤذية التي قد تنشئ بيئات مشحونة بالحقد، وتؤدي إلى حصول تداعيات سلبية بين مواطني المنطقة الواحدة.

ولعله من الثابت أن كل من يضمر الكراهية للآخرين نجده يشعر داخلياً  بأن كرامته مهانة باستمرار، وهذا قد يلحق نوعًا من الأذى النفسي بداخله، وبالتالي يساهم في تعزيز نطاق تهميش الفريق المستهدف اجتماعيًا وسياسيًا وثقافيًا واقتصادياً.

لذلك من المهم أنه ومن هنا تنبع أهمية الاعتراف بخطورة إشاعة وتغلغل خطاب الكراهية وسط المجتمع بكل أنواعه، وأنه من الأهمية بمكان السعي الجاد لتأمين الحماية الكافية لحقوق الإنسان من خلال  التصدي للكراهية وانتشار العنصرية بكل أشكالها، لاسيما وأنه، وكما أسلفنا، يمكن لخطاب الكراهية استهداف أي كان لمجرد كونه مختلفاً، عرقيًا أو إثنيًا أو قبلياً أو دينيًا.

ومع ذلك نجد أنه من الأهمية بمكان  استيعاب أن انتقاد الآخر بسبب افكاره وتصرّفاته لا يندرج حكماً تحت خطاب الكراهية، حيث يستهدف الخطاب هنا كرامة الفرد أو المجموعة على أساس هويتهم كأشخاص.

ولعل اعتراف القانون الدولي لحقوق الانسان بالميزات المختلفة التي يجب تقديم الحماية على أساس وجودها في كل مجتمع، والتي تشمل كما أسلفنا،

العرق، والجنس، ولون البشرة، والانتماء الديني، والجنسية، والهوية الجندرية، والميول الجنسية، والإعاقة، وصفة اللجوء أو الهجرة، والانتماء للشعوب الأصلية

على سبيل المثال، التعبير عن الحقد والنقمة على شخصية سياسية أو عامة، لأنك تعارض أفكارها وسياساتها لا يعتبر بالضرورة خطاب كراهية، أما التعبير عن كرهك لشخصية سياسية معينة لكونها امرأة أو بسبب لون بشرتها فهو خطاب الكراهية بامتياز.

وكثيرًا جداً ما يأتي خطاب الكراهية بأشكال مختلفة، تتمثل في التعليقات الناتجة عن الجهل والمزاح المسيء، ووصولاً إلى الدعوات الصريحة إلى التمييز ضد مجموعة معينة، وفي أسوأ الأحوال الدعوة إلى القتل الجماعي.

ويشير القانون الدولي لحقوق الإنسان بشكلٍ خاص إلى تصنيفات معيّنة من خطابات الكراهية الحادة التي يجب على الحكومات منعها، وهذه تشمل الخطاب المروّج وبشكلٍ فاعل للكراهية التمييزية بطريقة تحرّض الناس على ارتكاب الأذية بحق المجموعة المستهدفة، لمجرد انتمائهم لهوية معينة مختلفة من هوية الآخر، وبالطبع فإن هذا النوع من الأذية قد يأتي على شكل عنف أو تمييز أو أي فعل معادٍ آخر.

أما حينما نجد خطاب كراهية  مهينًا أو مسيئاً فحسب، وخطاب كراهية آخر يحرّض على القتل والتفريق بين مكونات المجتمع المعني، فهنا لابد من وجود تحديد وبشكلٍ دقيق لنوع خطاب الكراهية الذي نتعامل معه في مثل هذه الحالة المعنيّة.

ومن أجل التمكن من تحديد طريقة التعامل المناسبة والفعّالة مع خطاب الكراهية، علينا فهم السبب الأساسي الذي أدى إلى حدوث هذه الكراهية، والعمل الجاد لأجل معالجتها واقتلاع أسبابها من جذورها، وصولاً لصيغ مثلى تفضي إلى إشاعة ونشر الود والإخاء والتوادد والتراحم والصفاء والوفاق الكامل والتعايش السلمي بين كافة مكونات هذه المجتمعات الإثنية والعرقية والدينية والاجتماعية والثقافية، والتفاعل الإيجابي لخدمة الوطن ككل لبلوغ أعلى مراتب الحضارة والرقي والازدهار والنماء الفكري والسياسي والاقتصادي الذي يضع الدولة ككل في مصاف الدول المتحضرة والمتقدمة.

زر الذهاب إلى الأعلى