النذير إبراهيم العاقب يكتب: بني شنقول.. الكنز المسلوب )

استعرضنا في الحلقة الأولى تأريخ إقليم بني شنقول وسودانيته الأصيلة، فضلاً عن رفض كل قبائله الأصلية الانتماء إلى الدولة الأثيوبية، بجانب السرد التفصيلي للكيفية التي سلبت بها أثيوبيا الإقليم، ومحاولتها المستميتة تأكيد حيازتها له وفقاً للاتفاقيات الحدودية الدولية، والتي تُثبِت كل الخرائط الحدودية التأريخية كذب هذا الزعم، وخاصة أن العلامات الحدودية التي وُضِعت لتحديد الحدود السودانية الأثيوبية متوغلة الآن في قلب الدولة الأثيوبية، وخاصة في إقليمي بني شنقول والفشقة، ومرفق مع الجزء الثاني خريطة حقيقية لإثيوبيا من دار الوثائق الإيطالية منذ مطالع القرن الماضي، لا توجد بها أي إشارة لانتماء إقليم بني شنقول لإثيوبيا.

في الحلقة الثانية نتطرق إلى عمق المُكوِّن السوداني لديمغرافية الإقليم، بجانب العلاقات الوثيقة بين شعبه وامتداداتهم العرقية في قلب السودان، وخاصة شماله، وكذلك نشير إلى حجم التعاون والتفاعل الكبير لحكومتي مايو بقيادة المشير جعفر محمد نميري، والحكومة السابقة بقيادة المشير عمر البشير، مع قضية شعب بني شنقول، قبل أن ينقلب البشير على قادة الإقليم، ويصفه بأنه أرض أثيوبية خالصة، وذلك عقب أحداث محاولة اغتيال الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك، منتصف تسعينيات القرن الماضي بأديس أبابا.

وقد بدأ التفاعل السوداني مع قضية بني شنقول، ممثلاً في حكومة المشير جعفر نميري، وذلك عقب تكوين حركة تحرير بني شنقول، وهي حركة معارضة إثيوپية تسعى لإعادة الإقليم إلى حضن الدولة السودانية، بزعامة السفير الإثيوپي الأسبق في اليمن يوسف حامد ناصر، وقامت بالفعل بدعمه بأقصى أنواع الدعم المادي واللوجستي والعسكري، وفي مطالع الثمانينيات الماضية جددت الحكومة السودانية علاقاتها بحركة تحرير بني شنقول، واحتضنت قائدها الداعي إلى حق تقرير مصير بني شنقول تمهيداً للاتحاد مع السودان، وبالفعل وفي مطلع التسعينيات الماضية انطلقت مجموعة مسلحة من داخل الأراضي السودانية ضد الحكومة الأثيوبية التي كانت تحت قيادة الرئيس الأسبق منقستو هايلي مريم، وقاتلت بضراوة بالتحالف مع الحركات الأثيوبية الأخرى إلى حين اقتلاع حكم منقستو، والذي أعقبه اتفاق جنتلمان بين كل تلك الحركات حينها، وأعطى كل إقليم الحق في اختيار الكيفية التي يُحكم بها عقب انتهاء الفترة الانتقالية، حيث نال إقليم بني شنقول ثلاثة خيارات تمثلت في، إما اختيار الحكم الذاتي مع البقاء تحت إطار الدولة الأثيوبية الموحدة، أو اختيار حق تقرير المصير، تمهيداً للعودة لحضن السودان الوطن الأصل لبني شنقول، وهذا هو الخيار الذي توافقت عليه كل مكونات الإقليم المنحدرة أصولها من السودان بالفعل، الأمر الذي شكَّل إزعاجاً بالغاً لأديس أبابا وعملت كل جهدها لإجهاض الاتفاق المبرم مع حركة تحرير بني شنقول، وقامت بالكثير من الأعمال التي ليس أولها اعتقالها لعدد غير قليل من قيادات الإقليم السودانيين، وليس آخرها محاولة اغتيال السفير يوسف حامد ناصر أمام مقر إقامته بأحد فنادق أديس أبابا عبر دهسه بعربة مسرعة كادت أن تودي بحياته.

وقبل نقض أديس أبابا لاتفاقها بخصوص إقليم بني شنقول، وطوال الثلاث سنوات الأولى عقب الإطاحة بمنقستو، نمت علاقات وطيدة بين الحركة والحكومة السودانية في التسعينات، وتفاعلا وتعاونا في كافة المجالات، وأبرزها بلا شك منح السودان فرصاً دراسية لأبناء إقليم بني شنقول ضمن فرص المناطق الأقل نمواً كحال باقي الأقاليم السودانية في الجامعات والمعاهد العليا السودانية، نسبة لاعتراف الدولة السودانية بسودانية بني شنقول وشعبها، وبالفعل لقد استمرت هذه الفرص منذ العام ١٩٩٠م وحتى ٢٠٠٠م، واستوعبت عشرات الشباب البني شنقوليين، ومن كل قبائل الإقليم، والكثيرون منهم استوزروا عقب التخرُّج، سواء بإقليم بني شنقول، والنيل الأزرق كذلك، وما زال الكثيرون منهم يحتلون مواقعهم القيادية بالنيل الأزرق، فيما تم تشريد العشرات منهم من بني شنقول، بيد أن تلك الفرص توقفت عقب نقض أديس عهدها واتفاقها مع حركة تحرير بني شنقول.

بعد اندلاع الحرب الإثيوبية الإرترية والمصالحة الإثيوبية السودانية أصيبت الحركة بالأفول، لاسيما وقد اضطُّر قائدها السفير يوسف حامد للجوء إلى أستراليا مع أسرته، واعتقال الحكومة الأثيوبية لعشرات قيادات الحركة، بجانب لجوء العديد من قياداتها إلى كندا وأمريكا وأوربا، وبقاء المئات منهم بالسودان، حيث جعلت تلك المصالحة القيام بعمليات عسكرية على امتداد الحدود أمراً في غاية الصعوبة، وفي يناير 2005م وقعت الحركة الشعبية لتحرير بني شنقول اتفاقاً مع الجبهة الديمقراطية للشعب الإثيوبي غير أن هذا الاتفاق انهار بعد مرور عام ليعاود  النزاع المسلح نشاطه من جديد، وفي أغسطس 2012م أعلنت حركة تحرير بني شنقول بقيادة جعفر زروق والبدري هاشم، عن إنهاء صراعها المسلح ضد الحكومة الإثيوبية وعودة مسلحيها لأراضيهم، وفي نوفمبر 2012م أعلنت الحركة رفضها لمساعي الحكومة الإثيوپية لإقامة سد النهضة في مناطقها، ووصفت المشروع بأنه استنزاف لثروات الإقليم المختلفة والتي لا تستفيد منها شعوب الإقليم، وكذلك سوف يؤدي إقامة المشروع إلى تهجير ما يقرب من (50000) من السكان المحليين في المنطقة المحيطة بالإنشاءات، وهددت الحركة كذلك بتدمير السد إذا ما تم إنشاؤه، وأكدت أنها تقاوم الاحتلال الإثيوپي للإقليم ومعارضتها لإنشاء سد النهضة، الذي قالت عنه إنه سوف يدمر مقدرات الإقليم.

نواصل

1 / خريطة أثيوبيا من دار الوثائق الإيطالية تخلو من إقليم بني شنقول

2 / خريطة إقليم بني شنقول الأصل

زر الذهاب إلى الأعلى