النيل الأزرق.. مطلوبات المرحلة

 

بقلم : النذير إبراهيم العاقب

أخيراً استجاب رئيس مجلس الوزراء عبد الله حمدوك لرغبة الشعب وأعلن تعيين ولاة الولايات المدنيين، الأمر الذي لاقى ترحيباً واسعاً من المواطنين كافة، خاصة ولاية النيل الأزرق التي نزل نبأ تعيين الأستاذ عبد الرحمن نور الدائم القانوني والكاتب الصحفي المتميز، نزل برداً وسلاماً على كافة مكونات الولاية السياسية والثورية والشبابية وقادة الإدارة الأهلية، على قلة قليلة لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة من الذين يعتقدون أنهم قادة شبابيون ثوريون، وهم في الحقيقة بتحركهم الأخير وتحريضهم لمواطني الولاية لرفض الوالي الجديد إنما يسعون لإثارة الفتنة وخلق صراع ومعارك جديدة في غير معترك.

ولعل ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان  تعتبران من الولايات ذات الخصوصية القصوى بين ولايات البلاد الست عشرة، حيث عانتا الأمرين طوال السنوات العشر الماضية، جراء الحرب المفتعلة التي شنها قادة النظام البائد على الحكومة الشرعية المنتخبة في النيل الأزرق بالتحديد، وبالتالي تشريد مئات الآلاف من مواطنيها إلى معسكرات اللجوء بدول الجوار، مرت السنوات وثار كل الشعب السوداني على الحكومة البائدة، ومن ثم شرعت الحكومة الجديدة في وضع لبنات جديدة وفاعلة لجهة النهوض بالبلاد كافة من وهدتها وإخراجها من مستنقع الحروب الآسن الذي أوقعها فيه حزب المؤتمر الوطني المقبور، وصولًا إلى تنمية فاعلة عبر خطط وبرامج فاعلة تقود السودان إلى بر الأمان، ولعل خطوة تعيين الولاة المدنيين الجدد تعتبر إحدى هذه الخطط التي من شأنها تحقيق بعض تلك الأهداف السامية الرامية لرفع اسم السودان إلى مصاف الدول المتقدمة في العالم أجمع، فضلاً عن تحقيق أكبر قدر من السلام والأمن الشامل والتنمية المستدامة في الولايات عامة.

وبما أن النيل الأزرق تعتبر استثناء بين تلك الولايات فقد تنادت مجمل مكوناتها الراغبة في تحقيق التنمية الحقيقية بها لتأييد الوالي الجديد، والذي تنتظره ملفات شائكة وغاية في التعقيد، بدءاً من العمل الجاد لتحقيق المصالحة ودحر الخلافات بين العديد من مكونات الولاية السياسية والقبلية، لاسيما وقد استعرت مؤخراً نعرات قبلية واسعة وسط العديد من سكان النيل الأزرق ، وللأسف يقودها من يظنون أنهم قادة شبابيون فاعلون في المجتمع، والعكس هو الصحيح.

ولتحقيق مطالب شعب الولاية المتمثلة كما أسلفنا في السلام والتنمية المتوازنة وإعادة إعمار ما دمرته الحرب، يجب على الوالي الجديد، ورجالات الإدارة الأهلية ومكونات الولاية السياسية الفاعلة، تشكيل وفد عالي المستوى، والذهاب به إلى المناطق التي تسيطر عليها قوات الحركة الشعبية، بجناحيها، عقار، وجوزيف تكه المنشق من عقار، وإزالة ما علق في النفوس وإصلاح ذات البين وعقد مصالحة حقيقية بينهما ولم شملهم من جديد، لأجل العودة للولاية وهم أكثر قوة وتفاعلاً مع القضايا المعقدة والملحة التي تنتظرهم بالداخل، والتي لن يكتب لكل شخص النجاح في حلها ما لم يتم التصالح بين هذين الجناحين المتشاكسين، وكلاهما يحمل سلاحه ويشهره ضد الآخر.

تلك هي الخطوة الأولى، يعقبها التشكيل الحكومي، والذي يجب أن يأتي هذه المرة مختلفاً تماماً عن كل التشكيلات الحكومية السابقة طوال الثلاين عاماً الماضية، وأن يعمل الوالي الجديد على اختيار حكومة كفاءات حقيقية، ووضع الشخص المناسب في الوزارة المناسبة، وكل حسب تخصصه، والبعد التام عن المحاصصة في التعيينات القادمة، ذاك الأسلوب القميء الذي كان هو ديدن المؤتمر الوطني في تشكيل حكومات النيل الأزرق، الأمر الذي أودى بها إلى موارد الهلاك، وأوصلها إلى درك سحيق من التخلف في كافة المجالات.

مما سبق، يبقى على شعب النيل الأزرق كافة التكاتف والتآزر والتعاون الفاعل ومد الأيدي بيضاء للوالي الجديد، والبعد عن كل ما يثير الخلافات وإشعال النعرات القبلية والفتنة بين سكان الولاية، لأجل تحقيق أكبر قدر من النماء الشامل في كافة المجالات بالولاية، والتي هي مؤهلة أكثر من غيرها من ولايات البلاد الأخرى لكي تكون في المقدمة، إن وجدت الاستغلال الأمثل والسليم لثرواتها المعدنية والزراعية والغابية والمائية، وغيرها من الثروات الكامنة داخل أراضيها، وإن تحقق ذلك، حينها نضمن تماماً تحقيق أكبر قدر من التنمية الحقيقية والمستدامة بولاية النيل الأزرق.

زر الذهاب إلى الأعلى