آمال عباس تكتب : وقفات مهمة ثم ماذا بعد المهرجان القومي الأول للآداب والفنون؟

لقد أثارت صاحبة العمق العاشر وهي تتناول أوجه النشاط المتعددة لأيام المهرجان الكثير من النقاط الهامة ومضت تملك الشكل والمضمون في دقة ووعي ولعلني اتفق معها في الكثير مما خلصت اليه وفي اعتقادي ان اللجنة العليا للمهرجان تستحق أولاً الثناء والتقدير لما قامت به من جهود مضنية وتستحق ثانياً ان ترى اثراً ايجابياً لما هدفت اليه. فليس الهدف هو المهرجان وتنقضي أيامه مخلفة ذكرى طيبة. لقد أثار المهرجان الكثير من التساؤلات حول الحركة الأدبية في السودان وعن حقيقة الركود الذي يصيبها لفترات طويلة وماهو السبيل للإبقاء عليها قوية متصلة وماهي المعوقات التي تعترض ازدهارها واستمرارها؟ وتعددت الاجابات فمن قائل انتم تناقشون الانتاج الأدبي وتتجاهلون الأديب أو الفنان ولا تقلقون كثيراً بمشاكله.. ومن قائل أين الالتزام والالتصاق بقضايا الشعب؟ ومن قائل ان الأدب لا يزدهر إلا في جو يعطره أريج الحرية وتتفتح فيه كل النوافذ والأبواب.. ومن قائل يقول ان النهضة الأدبية لابد أن تقوم على أساس مادي قوي يوفر لها ما تحتاج من طباعة وأدوات نشر متعددة ومنابر ثابتة وبعد كل هذا ماهو الضمان لديمومة العطاء وسخائه في مجال الخلق والابداع؟

ولكي نصل الى قلب الحقيقة علينا ان نستعرض هذه الاجابات بالوضوح والصراحة.. فأولاً نبدأ بمشاكل الأديب أو الفنان فنسجل ملاحظة بأننا في السودان في بداية طريقنا لتحسس مشاكله التي ظلت مهملة ردحاً طويلاً من الزمن ولابد من الاشادة هنا بميثاق العمل الوطني لثورة مايو الاشتراكية فقد أولى الميثاق هذه المشكلة العناية اللازمة وأشار دستور البلاد الدائم الى صيانة الحقوق الأدبية والفنية ويهمنا نحن كأدباء وفنانين أن نترجم هذه الأفكار الى أعمال ملموسة لأن الأديب أو الفنان اذا اهدرت حقوقه واختنق تطلعه للابداع انطوى على نفسه في مرارة وضاعت موهبته تدرجياً وانطفأ بريقها.

أما ثانياً فتأتي قضية الالتزام والالتصاق بقضايا الشعب وهذه قضية تداولها المفكرون والأدباء كثيراً واختلفوا حولها.. فمن قائل ان الالتزام بأي فكر أو عقيدة أو مذهب يحد من انطلاق الابداع الأدبي والفني ويضع قيوداً في رجليه, ومن قائل ان الالتزام اذا جاء وليد اقتناع وايمان أصيل يقود الأدب والفن الى قمم شامخة والأمثلة كثيرة ولكن تبقى العبرة دائماً في أن الالتزام ليس يعني الإملاء والفرض والببغاوية الجاهلة.. بل التفهم العميق لمغزى الالتزام.. ثم الانطلاق الى آفاق الابداع في حرية وثقة ومقدرة ولعله من خطل الرأي ونحن نتحدث عن قضية الالتزام ان ندير أبصارنا جرياً وراء الحرية وخوفاً على الابداع من الانصباب في قوالب. عن ما وصل اليه الفكر الانساني من تقدم عبر تضاءل مرير سقط في ميدانه كثير من الشهداء.

ان وراءنا تراثاً فكرياً خالداً تلخص في تحرير الانسان من رواسب الماضي وسلبياته وهدف في نبل الى الارتقاء بآدميته الى مستوى رفيع من الرفاه الفكري والمادي ولن يرضى عاقل في سبيل أي دعوة أو ادعاء تجاهل هذا التراث وفتح النوافذ في بلاهة وسذاجة لنسمع أصواتاً نشازاً أشبه ما تكون القزم الذي يعترض قافلة ممعنة في السير ليوقفها.

ان الالتزام بقضايا الشعب ضروري ولكن لا سبيل الى فرضه على أديب أو فنان لانك لا تستطيع ان تقول له انفعل بهذا بالأمر واخرج لنا عملاً مبدعاً تماماً كما انك لا تستطيع ان تمنعه اذا رسخت في وجدانه قضايا الشعب.. فإنها تلهب وعيه.. ولا يعلو عليها صوت آخر وربما أصبحت بلا منازع مورداً ثراً يغري كل مبدع لينهل منه.

أما ثالثاً فيأتي الرأي القائل بأن الأدب لا يزدهر إلا في جو يعطره أريج الحرية وتتفتح فيه كل النوافذ والأبواب واذا اخذنا هذا القول على الاطلاق بمعنى في كل زمان ومكان فلابد ان نقف قليلاً لنتفهم معنى الحرية المطلوبة. وأما أمر فتح جميع النوافذ والأبواب فليس لدينا ضده إلا التحفظ الذي أشرنا اليه والذي ينادي بضرورة الحفاظ على ما وصل اليه الفكر البشري من تقدم.. وعدم السماح للأصوات النشاز.. واسدال الستار نهائياً على مشهد الأقزام وهي تحاول يائسة وواهمة اعتراض القافلة ونعود بعد هذا لنتفهم معنى الحرية المطلوبة واذا اخذنا الأمر على الاطلاق فيمكن القول بأن الحرية قد ظلت محور صراع بشري هائل منذ فجر التاريخ وما زالت وهي تكون عادة لمن ينتصر في هذا الصراع وقد سجل التاريخ في حالتي الحصول عليها وفقدانها مواكبة الابداع الفني والأدبي لاحداث الحياة.

ان قضية الالتزام والحرية بالنسبة للابداع الفني في سودان اليوم من اهم القضايا المعاصرة فالالتزام بالمفهوم الذي اشرنا اليه في صدر المقال ضروري نسبة لما يدور في بلادنا من نشاط هائل يهدف الى تسخير امكانيات السودان لإسعاد بنيه.

أما حرية الأدب والفن على النحو الذي أشرنا اليه ايضاً فواردة وهامة وفي ميثاق العمل الوطني الذي يعد بحق الوثيقة الداعية لما وصل اليه طموح الفكر التقدمي الاشتراكي في السودان.. يؤكد أهمية رعاية الآداب والفنون ويفتح المجال أمام الموهبة والابداع لإثراء حياتنا وتقتضي الأمانة بأن الابداع الأدبي والفني في السودان يجد عنتاً أو إملاء من السلطة حتى يمسك عن الازدهار منتقداً لاريج الحرية واذا كان شاعر الشباب الروسي “بونتو شنكو” بعد مرور حوالي نصف قرن على قيام الدولة الاشتراكية في روسيا يقف في ميادين عامة ويستمع له الآلاف وهو يبشر بعالم آخر من صنع خياله ويتسع لشطحاته صور الدولة فمن أين لنا في السودان أن نحس بان الابداع الفني والأدبي يفتقر الى الحرية وما زالت الدولة ترسي قواعد التحول الاجتماعي لمصلحة الجماهير وتعمل على تنشيط المؤسسات الشعبية لممارسة سلطاتها بالعمل.

ان المناخ الذي أحدثته التعديلات الأخيرة في أجهزة الحكم يضعنا على أعتاب مرحلة جديدة تتميز بالوضوح والمكاشفة في عالم السياسة الأمر الذي يساعد على خلق مناخ طيب لازدهار الحركة الأدبية والفنية والفكرية في بلادنا.

ونأتي في ختام هذه العجالة الى التساؤل الأخير حول ماهو الضمان لديمومة العطاء وسخائه في مجال الخلق والابداع.

ان الاجابة على هذا التساؤل تقودنا الى قضية هامة ألا وهي اتصال وأثر السياسة بالحركة الأدبية والفنية والفكرية فكلما ازدهرت السياسة بمعنى امكانها الانتقال بالشعب من مرحلة الى أخرى يتحقق فيها المزيد من الانتصار لقضاياه الحيوية كلما تهيأ الجو أكثر للحركة الأدبية والفنية لتحرز المزيد من التقدم.. اذن فالضمان الوحيد لازدهار الأدب والفن تحقيق المزيد من الانتصار لقضايا الجماهير.. واشراكها في صنع الأحداث وبذلك فقط يتوفر الجو الملهم لازدهار الحركة الفنية والأدبية والفكرية ويتيسر توظيف الابداع لخدمة الاهداف الكبيرة لمسيرة شعبنا فقد سقط في زوايا النسيان الى غير رجعة ارتماء الأدب والفن في أحضان الأشياء الصغيرة التافهة وأخذ الأدب والفن يتطلعان منذ أمد بعيد الى الارتباط العضوي بهموم العصر الرفيعة التي تشغل بال الانسان المتقدم وتحدو ركب الانسانية الى تحقيق المزيد من التقدم والرفعة والرقي.

صديق مدثر

  • وجهة نظر

شهد يوم السبت 8 فبراير أحد أضخم لقاءات الشباب في قطرنا الحبيب.. يوم ليس ككل الأيام لم تشرق الشمس فيه من المشرق ولكن تلكأت كثيراً وهي في طريقها لمنزلها الارجواني القاطن خلف خط الأفق لتبارك ذلك اللقاء..

كانوا خمسمائة شاب من شبابنا العامل الكادح الذين لفحت وجوههم حرارة المصانع ترى البشر ومستقبل الثورة المزهر بين فرجات ثغورهم الباسمة وبريق أعينهم المصممة على البناء والتعمير.. دينهم وديدنهم “بالانتاج سنحمي الثورة” شعارهم مصلحة الوطن أولاً وثانياً فوق كل شيء.

ملابسهم الملطخة بزيت الماكينات ورؤوسهم المغبرة بنفايا الذهب الأبيض وارتسمت عليها صورة سودان المستقبل. جلسوا فضاقت بهم الساحة ولكنهم لم يأبهوا لهجير الشمس الواقفة لتحية جمعهم ذلك فوفقوا تحتها يسطلون بتحياتها النارية ويسلطونها بعزيمتهم الشبابية.. وكان ان وقف التاريخ برهة ايضاً يسجل اكبر لقاء لشباب المصانع.. يبايعون فيه الثورة مجددين العهد لحمل راياتها.. يسيرون بخطوات ثابتة للامام للحاق بركب التقدم وتصدره..

وقبل ان ينفض تجعهم شدوا بأيديهم في قوة على قياداتهم الداعية مبايعين ومعاهدين ومعلنين في قوة وعزيمة واصرار للجبناء والمتخاذلين انتهاء عهود النوم والشعارات الزائفة وميلاد عهد العمل والانتاج من مواقع الانتاج الحقيقية.. واذا حضر الماء بطل التيمم.

هاشم الرشيد المكاوي

شركة الخرطوم للغزل والنسيج

  • من التراث

النصائح الثلاث

من تراث البجا الشعبي ينقل لنا محمد أدروب أوهاج هذه الحكاية:

كان لرجل ثلاثة ثياب جديدة فلقيه آخر وقال له اعطني واحداً منها انصحك.. فأعطاه واحداً منها فقال له إذا مررت بعرس أو أي مناسبة سعيدة شارك الناس وأمكث معهم بعض الوقت ولا تمضي في طريقك دون أن تفعل ذلك..

ثم قال له اعطني آخر أنصحك فأعطاه الثاني فقال له الرجل لا تكذب ثم قال له اعطني الثالث انصحك فأعطاه إياه فقال له الرجل إذا أصابك أمر ليلاً فاصبر عليه حتى الصباح لعلك تجد المخرج ثم انصرف كل منهما الى سبيله.

جاء الرجل صاحب الثياب الى بلد فيه ملك.. فقضى سنين طويلة عند الملك وفي يوم من الأيام غضب عليه الملك في أمر من الأمور فأعطاه خطاباً يأمر فيه بقتله فور وصوله.. وقال له خذ هذا الخطاب واذهب به الى فلان فحمل الخطاب ليذهب به الى حيث أمره الملك وبينما كان سائراً في طريقه وجد في الطريق عرساً فتذكر نصيحة ذلك الرجل الذي أعطاه الثياب فجلس مع الناس وبينما كان جالساً جاء أحد اعوان الملك وسأله عن خطاب الملك فأراه الخطاب فقال له كيف تبقي خطاب الملك كل هذا الوقت؟ ثم أخذ منه الخطاب وذهب به إلى حيث أمر الملك وبمجرد أن تسلم صاحب الخطاب الخطاب أمر بشنق حامله فشنق وأمضى الرجل أياماً في العرس ثم جاء يسأل عن الخطاب فعلم أن الرجل الذي احضره قد شنق بمجرد تسليمه الى صاحبه فانصرف عن ذلك البلد الى بلد غيره.

وعندما وصل البلد الآخر وجد جمعاً من الناس ومعهم بهائمهم يحيطون ببئر فسألهم عن حالهم فقيل له هذه البئر كنا نشرب منها ولكن اليوم كل ما أدلينا دلاءنا عادت الينا فارغة فأنزلنا عددا من الرجال الى البئر ليعرفوا السبب لكن واحدا منهم لم يعد ولا نعرف سبباً لذلك وليس هناك بئر اخرى يمكن ان نذهب اليها لنستقي منها وخشينا ان يموت الناس والبهائم عطشاً فقال لهم اذا دخلت البئر واستطعت أن أجعلكم تستقون فماذا تعطوني؟ فقالوا له نعطيك نصف ما معنا من بهائم. فدخل البئر وعندما بلغ مكان الماء وجد عدداً من الرجال مقتولين ووجد رجلاً طويلاً أسود قوي البنية قبيح المنظر وبجانبه امرأة غاية من الجمال وكانا واقفين تقدم نحوه الرجل الطويل الاسود قوي البنية قبيح المنظر وسأله أينا أجمل أنا أم هذه المرأة التي تقف بجانبي؟ فخاف من الرجل خوفاً شديداً وخشى إذا قال له ان المرأة أجمل منك أن يقتله فهم أن يقول له أنت أجمل منها ولكنه في تلك اللحظة تذكر نصيحة ذلك الرجل الذي قال له لا تكذب.. وقال للرجل فيما يبدو لي أن المرأة أجمل منك فقال له الرجل لقد سألت هؤلاء الرجال هذا السؤال فخافوني وقالوا لي انت أجمل فقتلتهم جميعاً ولكنك قلت الحقيقة.

ثم اختفى الرجل والمرأة فخرج الرجل من البئر واستقى الناس وأعطوه نصف ما معهم من بهائم.. أخذ نصف البهائم ورجع لزوجته التي كان قد غاب عنها ما يقارب العشرين سنة فلما وصل منزله ليلاً وهم بدخوله ولكن رأى رجلاً في المنزل فظن به شراً وهم بقتله ولكنه في تلك اللحظة ايضاً تذكر نصيحة ذلك الرجل الذي قال له إذا أصابك أمر ليلاً فأصبر عليه حتى الصباح لعلك تجد المخرج.

فأغمد سيفه وخرج من المنزل وقضى تلك الليلة في المكان المعد للضيوف وفي الصباح جاء ذلك الرجل الذي رآه في المنزل يحمل له القهوة فشعر بارتياح وإلفة ازاء ذلك الشاب فسأله عن اسمه فقال له اسمي فلان بن فلان وكان الاسم الثاني اسم الرجل نفسه فتذكر أنه قد ترك زوجته حبلى وأنها كانت على وشك ان تضع حملها.. فعلم أن هذا ابنه منها فسأل الرجل الشاب هل تعرف والدك إذا رأيته؟ فقال له لم أر والدي قط ولذا لا يمكن أن أعرفه فقال له ادع والدتك فإنها تعرفه فذهب الى والدته ووصف لها الرجل الذي رآه واخبرها بما دار بينهما فقالت له ربما كان هذا والدك نفسه.. ثم جاءت معه فعرفته فسلمت عليه وسألته عن اخباره واحواله وسألها هو بالمثل ثم قالت لابنها إنه ابوك وعليك بالبهائم.

مقطع شعر

الشعر يهمس في أذني

لقد رحلت

قل للرفاق وداعاً

قد قسا زمني

من بعدها يتغنى بي

فيسعدني

ومن سواها يسويني

ويصنعني

لكم فزعت إليها اشتكي إحني

فرق في أذنها المزمار

بالشجن

من بعدها يرسل الآهات نطقه

من كل قلب

فيغنيني ويبعثني

نزلت من قمم الإلهام في شغف

اخاطب الناس في سر وفي علن

وانشر الحب مفتوناً بطلعته

فأزهر الحب رياناً فأحرقني

والحسن في مهده أيقظته فرمى

بالسهم مخترقاً قلبي فيصرعني

حتى التقيت بها والنار في كبدي

فهدأت لا عجب واستعطفت حزني

وهيأت صدرها فلذت به

ففيه بعد فراق عادتي وطني

اموج في صدرها لحنا فتحبني

كالأم تحملني وهناً على وهن

حتى إذا اذنت يومي ففي ثقة

لساحة الخلد والابداع تسلمني

يا كوكب الشرق يا انشودة زخرت

بكل فن اصيل رائع فطن

ويح العروبة من يحدد مواكبها

نحو الخلود ومن يقوى على الزمن

كأنك النيل رياً خالداً ابداً

يعطي الحياة عطاء غير مرتهن

يا بلسم الروح من يبري جراح غد

ففي غنائك تسمو الروح في البدن

سيري إلى الخلود فالأفلاك في دله

ترجو لقاءك في الجنات من عدن

صديق مدثر

مربع شعر

قال الشاعر الشعبي متغزلاً:

سمحات وصوفة

لابسة الهندي كية للبشوفة

تركت الدنيا صارت لي لهوفة

بدور احكي لكن حاصلالي خوفة

من أمثالنا

البياباك في الخريف يقول ليك مليتني عجاج

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى