الرمال البيضاء.. مورد اقتصادي مهمل في انتظار الاستغلال

الخرطوم: جمعة عبد الله

في ظل بحث الحكومة عن موارد تدعم اقتصاد البلاد، الذي يتعرض لهزات كبيرة عنيفة، وبغرض تعزيز مواردها الشحيحة من النقد الأجنبي، خطت البلاد خطوات جادة في استغلال رمال الصحراء البيضاء، المتوفرة بكميات كبيرة في عدد من الولايات.

 

دراسات

وأظهرت دراسات أجرتها وزارة الطاقة والتعدين (هيئة الأبحاث الجيولوجية)، استمرت أكثر من 18 عاماً، نتائج مشجعة، عن توفر الرمال البيضاء (سيليكا) بكميات كبيرة ونوعية ممتازة في منطقة بارا “شمال كردفان” ومناطق أخرى في ولاية نهر النيل.

وبدأت الحكومة في إدراج مشاريع جديدة لتساهم في الاقتصاد السوداني وزيادة الإنتاج والإنتاجية، وأدرجت هيئة الأبحاث الجيولوجية مشروعات الرمال البيضاء ضمن خطتها كمحاولة لإنقاذ اقتصاد البلد المنهار.

وطالب المدير العام لهيئة الأبحاث الجيولوجية محمد سعيد زين العابدين بتنشيط كافة المشاريع المتوقفة وإدراج مشاريع جديدة مثل الرمال البيضاء لأهميتها في رفد الخزينة العامة والاقتصاد الوطني.

تهريب منظم

وكثيراً ما أحبطت الجهات الأمنية بولاية شمال كردفان عمليات تهريب منظمة للرمال البيضاء حيث أعلنت هيئة الأبحاث الجيولوجية غير مرة انها استطاعت إحباط تهريب شحنات منها حيث يعد خور بارا الجوفي بولاية شال كردفان من أغنى المناطق بالمياه والرمال البيضاء عالية النقاء، وقال المكتب الفرعي للهيئة بولاية شمال كردفان إن الشحنة المضبوطة تبلغ حوالي 500 جوال زنة 50 كيلو جرام.

ودعا المكتب الفرعي لهيئة الأبحاث الجيولوجية بشمال كردفان الشركات والمستثمرين لاتخاذ الخطوات السليمة للاستثمار في الرمال البيضاء، وشدد على أهمية التراخيص لمزاولة العمل في الأنشطة التعدينية الخاصة بالرمال البيضاء.

وسبق أن انتقد مدير الهيئة العامة للأبحاث الجيولوجية السابق سليمان عبد الرحمن إهمال الدولة 16 نوعاً من المعادن بالسودان لم يتم استغلالها، يمكن تأتي بعائد يساهم في رفع الاقتصاد بينها الرمال البيضاء الذي قال إن سعر جوال الرمال منها أغلى من جوال السكر يمكنها إدخال عائد سريع،  مؤكداً دخول السودان في إنتاجها الأيام القادمة.

 

معادن مهملة

يشير الخبير الاقتصادي أشرف مأمون إلى ضعف إنتاج المعادن الأخرى مقارنة بالذهب بسبب نقص المتابعة رغم وجود قوانين منظمة إلا أنها تشكو من مشكلة التفعيل وشدد على ضرورة فرض الرقابة والمتابعة من خلال تطبيق القوانين المنظمة، مؤكداً أن الرمال البيضاء لديها 60 استخداما أبرزها التوليد الكهربائي وأقلها صناعة الزجاج والتي توجد في غرب وشمال وشرق السودان وعدها ثروة مهدرة رغم أنها موجودة إلا أنه لا يتم استخدامها ويرى أن الفرص الاستثمارية تحتاج لتمويل المشروعات أو إنشاء شركة مساهمة عامة أو البحث عن شريك مقتدر مالياً أو إنشاء محفظة مالية.

ولكن حينما أعلنت الحكومة في وقت سابق عن اتفاق تصدير الرمال البيضاء إلى ألمانيا أثارت حفيظة بعض الخبراء ومنظمات المجتمع المدني محذرين من خطورة تصدير الرمال وما تسببه من أضرار على جرف الأراضي الأمر الذي يؤثر على أهداف التنمية المستدامة.

اتفاقية سابقة

وسبق للحكومة قبل سنوات قليلة أن وقعت اتفاقًا إطاريًا مع شركات ألمانية لتصدير رمال من السودان، وتشييد محطات لتوليد الكهرباء تعمل بالطاقة الشمسية إضافة لتقوية شبكات نقل الكهرباء والمحطات الفرعية في جميع أنحاء البلاد.

وقضت الاتفاقية الإطارية باستجلاب شركة “بريزما” الألمانية بمشاركة شركة “اي بي بي” الألمانية معدات تعدينية تستخدم في تنقية الرمال البيضاء الغنية بالسليكون في كل من المتمة بنهر النيل ومنطقة بارا شمال كردفان ونصت الاتفاقية على فتح اعتمادات معززة لدى بنك السودان المركزي بقيمة الرمال المشحونة قبل تصديرها.

 

ميزات تفضيلية

وتقدر شركة الكهرباء السودانية الكميات المستهدفة من الرمال لهذه المشروعات بنحو مليوني طن من جملة الكميات الكبيرة المتوفرة في السودان والتي تقدر بأكثر من 3 مليارات طن، وقال إن الاتفاقية نصت على إضافة قيمة للرمال البيضاء في السودان، بإجراء معالجات كيميائية وميكانيكية، ومن ثم تصديرها حسب سعر البورصة العالمية في يوم التصدير، ووصف الاتفاقية بأنها فتح كبير على السودان، واختراق نوعي من أجل تشييد البنيات التحتية للكهرباء بجميع أنحاء البلاد، وأكد أن هذه الرمال تتصف بجودة تعتبر الأعلى في أفريقيا حيث تصل نسبة “السيليكون” بها لأكثر من 90%، وقال إن شركة “بريزما” الألمانية أجرت مباحثات مع وزارة الموارد المائية والري والكهرباء انتهت بالتوقيع على الاتفاقية.

 

مشروع وزاري

وأعدت وزارة المعادن مشروعًا للاستفادة من الرمال البيضاء “السيليكا” تسعى إلى تطويره بالبحث عن استثمار عبر شراكة حقيقية لإنتاج خلايا شمسية،

وأشارت إلى عدة تجارب ناجحة في دول مثل ألمانيا وتركيا والسويد وأميركا، وقالت إن الرمال البيضاء “السليكون” تدخل في الصناعات الدقيقة بعد ان تنتج أليافًا مصنوعة من السيليكون كما أنها تدخل في صناعة شاشات البلازما والموبايل والبودرة والتصنيع الحربي.

ويرجح كثيرون أنه في حال بدء تطوير المشروع سوف تستفيد البلاد من التوسع في صناعة الخلايا الشمسية وبدورها تخفض استخدامات الوقود في طلمبات المياه، كما أن تكلفتها أقل من الوقود وستكون مناطق التعدين المستفيد الأول في توفير الوقود.

ويباع طن مادة السيليكا المتوفرة في الرمال البيضاء في السوق العالمي بحوالي 200 دولار، تستعين بها الشركات العالمية لتوظيفها في صناعة مشاريع الطاقة الشمسية.

فرص متاحة

ويقول الاقتصادي أحمد إسحاق إن هذه المادة قديمة وموجودة بالسودان منذ فترة طويلة، ولكن لم تتح الفرصة المناسبة للاستفادة منها إلا مؤخراً، ويرى أن الاتفاق مع بعض الشركات يصب في صالح البلاد، كما يمكن التعاقد مع الشركات المتخصصة لتستعين بالمورد الموجود في تنفيذ مشروعات الطاقة الشمسية.

صناعات متعددة

أما يوسف السماني مدير أسبق لهيئة الأبحاث الجيولوجية يقول إن مادة السيليكا المتوافرة في الرمال البيضاء تدخل في صناعات الألياف الضوئية والألواح الزجاجية والشمسية والكيميائية والفيزيائية وعدد من الصناعات الدقيقة، إضافة الى مجال صناعة الزجاج ومجال الأفران، ويقول إن ما تم من اتفاق يعتبر اختراقاً حقيقياً.

ويرى السماني أن موارد السودان الرملية مهدرة بسبب ضعف الإمكانيات وعدم التخطيط السليم لجذب الاستثمارات، إضافة الى عدم توفر الطاقة والبنية التحتية اللازمة بجانب عدم وجود خبراء حقيقيين في مجال التعدين، وأشار الى أن دراسات أولية بوزارة المعادن لم تنجح بسبب عدم وجود مستثمر مع قلة الإمكانيات وضعف التخطيط السليم، مقرًا بوجود مشكلة في معالجة الرمال لضعف البحوث والإمكانيات.

رمال عالية القيمة

ويرى مختصون أن رمال السيليكا أو رمال الكوارتز هي صخور رملية بيضاء نقية تحتوي على نسبة عالية من السيليكا “ثاني أكسيد السيليكون”، إضافة إلى كمية قليلة من الشوائب والمعادن الثقيلة، وتزداد قيمة هذا الرمل كلما انخفضت نسبة الشوائب التي يحتوي عليها.

أما إقليمياً يتواضع حجم الاستفادة من هذه الثروة المهملة، ففي كثير من الدول العربية ما يزال في مستوى متدن مقارنة ببعض الدول الأخرى التي لا تتوفر فيها رمال السيليكا كما تتوافر في الوطن العربي، كالولايات المتحدة التي تفوق إيراداتها من هذه المادة إيرادات قطاع الفوسفات رغم أنها الأولى عالمياً في هذا المجال وتعتبر مصر والسعودية أهم الدول العربية التي أقامت صناعة لتثمين رمل السيليكا وتصديره، كما بدأت الأردن والجزائر السير في هذا الاتجاه.

ويشير مختصون في قطاع المعادن أن الرمال البيضاء أو السليكون تعتبر من المعادن النادرة وقد وجد مثيلها في بعض الكواكب الخارجية ولها استخدامات عديدة في صناعة الزجاج وصناعة حديد السيلكون وقد تم تصويرها في عدد من أفلام وروايات الخيال العلمي كأهم المعادن الصلبة التي تدخل في الصناعات المتقدمة في المستقبل.

شروع في العمل

ويطالب الخبير الاقتصادي عبد الرحمن الأمين الجهات المسؤولة التحرك في اتجاهين أحدهما آني والآخر مستقبلي توطئة لجذب استثمارات وحفظ حقوق الأجيال القادمة، إضافة إلى عمل دراسات عميقة لمعرفة طبيعة الصخور والأراضي الرملية في السودان حتى لا يؤثر ذلك على البيئة وعلى مكونات الحياة فيها.

ثروة معدنية

الرمال البيضاء متوافرة في مناطق عدة في السودان، يمكن تصنيفها كثروة معدنية بحسب مواصفاتها ودرجة نقائها العالية، التي تؤهلها للدخول في صناعات الزجاج عالي الجودة كالكريستال وشرائح الطاقة الشمسية وغيرها، ما يوجب الاهتمام بها، وتنظيم الاستفادة منها، بما يسهم في إدماجها ضمن منظومة الدخل القومي، لا سيما وأن عديداً من دول العالم التي تمتلك مثل هذا المورد، تتعامل معه كثروة معدنية، تمكنها مستقبلاً من الانضمام إلى نادي الدول المصنعة لمنتجات هذا المجال.

قيمة مضافة

وشدد المحلل الاقتصادي محمد الناير على ضرورة الاستفادة من القيمة المضافة من هذه الرمال، ما يسهم في زيادة عائدات الدولة من النقد الأجنبي، وقال إن تصدير الرمال في شكلها الخام سيفقدها بعض مقوماتها الصناعية التي ستستفيد منها جهات أخرى، لا سيما وأن مادة السيليكون تدخل في عديد من الصناعات المتقدمة مثل ألواح كهرباء الطاقة الشمسية وصناعة الزجاج والمكونات الدقيقة في الإلكترونيات، لكن تلك المرحلة تتطلب إمكانات وطاقة كهربائية وتكنولوجيا قد يصعب توفرها في الوقت الراهن، ورأى أن بالإمكان تصدير كميات قليلة من خام الرمال البيضاء في البداية، واستغلال عائدات الصادرات في تنفيذ مشروعات بنية تحتية من أجل الشروع في التصنيع  المحلي للسيليكون وإقامة مصانع خاصة بتصنيعه في مراحل أكثر تقدماً.

محاولة سابقة

وسبقت هذه المرة، محاولة لم يكتب لها النجاح في النصف الأخير من العام 2018، بموجب اتفاقية إطارية بين حكومة السودان وإحدى الشركات العالمية، وقضى الاتفاق بأن تقوم الشركة بتصدير ما لا يقل عن مليوني طن من الرمال البيضاء، مقابل تشييد محطات لتوليد الكهرباء بالطاقة الشمسية وتقوية شبكات نقل الكهرباء والمحطات الفرعية، لكن المحاولة باءت بالفشل بسبب ضعف وتعقيدات السياسات الاستثمارية، والتقاطعات التي شابت الصفقة، لكن المحاولة انتهت بذهاب النظام السابق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى