سراج الدين مصطفى يكتب : نقر الأصابع

بشير محسن.. أبو شعور رقيقة!!

الثنائية الإبداعية ما بين شرحبيل أحمد والشاعر بشير محسن أنتجت العديد من الأغاني الفارعة.. ولكن تاريخيًّا يمكن القول أن شاعرنا بشير محسن كانت له تجارب غنائية قبل أن يلتقي بشرحبيل أحمد.. فهو بدأ كتابة الشعر منذ أن كان في المدرسة الثانوية، قبل أن يبدأ التعاون مع الفنانة (عائشة الفلاتية) حيث كان ذلك في العام 1951م، بحسب ما ذكر الأستاذ معاوية حسن يس في كتابه من تاريخ الموسيقى والغناء في السودان.. وللحقيقة إن الشاعر بشير محسن يمتلك أيضاً موهبة التلحين.. إذ أن أحد أغنياتهما الثلاثة المسجلة في الإذاعة كانت من ألحانه، والأغنيات الثلاثة هي (الملاك السامي) وسجلت للإذاعة في العام 1959م.. وأغنية (آمال) في العام 1958م، وأغنية (حبيب وجداني) وسجلت في نفس العام.

مع عائشة الفلاتية:

يحتمل أن عدد الأغنيات التي قدمها بشير محسن إلى الفلاتية أكثر من مما تحتفظ به الإذاعة في مكتبتها الصوتية، ذلك لأن التسجيل الإذاعي وقتها لم يجد طريقه للإذاعة إلا في وقت متأخر من الأربعينيات، واقتصر على الأسطوانات، ولم تدلف الإذاعة إلى عهد التسجيل بالشريط المغنطيسي إلا في وقت متأخر من الخمسينيات، حيث لا يعرف سبب واضح لسقوط عدد من أشهر أغنيات عائشة الفلاتية التي صاغها شعراً بشير محسن وربما (لحناً) أيضاً، ومنها أغنية (شوفتك غالية يا حبيبي)، (سمعت مرة كلام) و(مالو القمر).

نجاح الأغنيات:

نجاح الأغنيات ما بين بشير محسن والفلاتية جعل المطربات المنافسات يرغبن في التعاون معه، فقدم وقتها إلى الفنانة فاطمة الحاج* العديد من الأغنيات منها (كيف حالك) من ألحان علاء الدين حمزة* ـ أغنية (في قلبي سهام) و(إيه الأسباب) من ألحان عثمان خضر، وقدم لمني الخير أغنية (نظرة بس) وإلى أماني مراد* أغنيتها الشهيرة والمعروفة (مبروك النجاح)، وهي الأغنية التي ولجت بها عالم الفن والنجاح، وتعاون بشير محسن مع عدد من المطربين الذين ارتبط بعلاقة خاصة معهم بحكم نشأته في حي البوستة بأمدرمان ،ومنهم العاقب محمد حسن في أغنية (نور عيني) ورمضان حسن ومحجوب عثمان.

ثنائية مع شرحبيل:

المعادلة الإبداعية عند بشير محسن أخذت وضعيتها واعتباريتها مع بزوغ نجم الفنان شرحبيل أحمد، كان بشير محسن وقتها يستند على أغنياته الناجحة وشرحبيل في بداية سلم النجومية، وفي ذلك قال (بلا شك أن الراحل بشير محسن كان من أهم وأروع من غنيت لهم، وكنا نشكل تناغماً كبيراً، قدمنا أعمالاً أرضت جمهورنا، فهي تجربة كانت متميزة وفريدة، وكثيراً ما كنا نضع الألحان معاً فهو ملحن أيضاً. حيث تم التعارف بينهما في العام 1953م، حيث ذكر بشير محسن عن حفلة كانت في نادي حي البوستة، وكان شرحبيل مشاركاً فيها وقال (كنت أعرف موهبته وتفرده، ومنذ أن سمعت صوته للمرة الأولى أدركت بأنه صوت يمثلني، أضاف محسن (كنت أبحث عن صوت يعبر عني، فتوجهت إليه وعرفته بنفسي، وقلت له إنني أعجبت بك وأريد أن نتعاون سويًّا).

عهد جديد في الأغنية السودانية:

ذلك التعارف العفوي والحميم كان هو بداية انطلاقة عهد جديد في الأغنية السودانية، حيث شرحبيل أحمد الفنان المتجاوز وقتها بطريقته الغنائية الجديدة، وأسلوبه المتفرد في التلحين، كل ذلك تطابق مع الموهبة الشعرية الفذة، فكان الناتج إبداع إبداع مختلف، مازال صداه يرن حتى الآن وتتناقله الأجيال إلى يومنا هذا.. وتميزت الأعمال الغنائية لشرحبيل أحمد وبشير محسن  بالألحان الراقصة الهادئة والجمل الموسيقية القصيرة. واعتمد كثيراً على آلات النفخ النحاسية كالساكسفون، والترمبيت، والترمبون، والباص جيتار، والجيتار، و الأرغن، وذلك في تمازج مع الإيقاعات السودانية المختلفة، حيث غنى شرحبيل أحمد  لبشير محسن قائمة من الأغنيات (مين في الأحبة ــ أبوشعور رقيقة ـ خطوة خطوة ـ لوتعرف الشوق ـ البهجة في عينيك ـ ستار يا ليل ـ يا شاغلني ـ يا تايه في ظلام الحب ـ مناي أشوفك تاني.

رصانة إبداعية:

كلها أغنيات اتسمت بالرصانة اللحنية والصياغية، وشكلت بعثاً جديدًا في الأغنية السودانية، نسأل الله أن يمد في أيام المبدع الأصيل شرحبيل أحمد، والرحمة والمغفرة لشاعرنا الكبير بشير محسن بقدر ما قدم من عطاء إبداعي متجاوز.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى