آمال عباس تكتب : وقفات مهمة عندما يتجدد اللقاء..

إلى جميع الذين تعانق أعينهم حروف هذه الصفحة المتواضعة.. الأصدقاء الذين يتفقون مع ما يرد فيها من وجهات نظر وأفكار.. إلى الذين يناقشون.. وينقدون ويوجهون وينصحون.. إلى الذين يمرون بها عابراً إليهم جميعاً أقول:

اليوم لابد أن تكون الوقفة المهمة عند معنى تجديد اللقاء والذي أريد أن أقول أكبر من التحية.. ومن عبارات الشكر كلها.. حقيقة صغيرة وكبيرة معاً أريد أن أبوح بها قبل كل شيء.. وهي أن قلبي يسكنه حزن كبير.. لا أملك أمامه إلا الدموع.. ومحاولة الصمود والصبر.. ويسكن قلبي وطني.. يسكن قلب السودان ويعيش في أعماقه دائم الخضرة ويتوهج ناراً في عيني.. ولهذه الحقيقة تصل بي لحظات السعادة مدى بعيد عندما تعانق عيونكم الأحرف والكلمات التي أحاول أن أجعلها عطاءً مقنعاً ومفيداً في مسيرة الحياة الخيرة المشرقة وفي طريق الأمل.. الطريق الذي أود ألا ينتهي ولا يضيق.. وذات الكلمات فيها وبها أبحث عن العزاء.

أعزائي قراء الصفحة، عذراً أن جاء حديثي ذاتياً فما قصدت له أن يكون.. ولكن الجسر الذي ظل ممتداً بيني وبينكم قرابة العام والنصف من خلال هذه المساحة وحتى أثناء غيابها.. لابد أن ينقل كل شيء رغم إرادتي.. فقد ظلت هذه المساحة ملتقانا لمدة طويلة.. وقبل ستة أشهر تفاقمت أزمة الورق عالمياً.. وكان لابد من بعض الإجراءات والتي من ضمنها أن يتوقف العدد الأسبوعي.. عدد السبت وبالتالي أن يغيب هذا الركن بصورته المألوفة.. إلى هنا والأمر طبيعي.. وكنت أفكر جادة في شكل آخر ليكون عليه لقاؤنا عندما تنفرج أزمة الورق.. ولكن الحقيقة التي أردت أن أعبر عنها بهذا القدر من العاطفة هي مشاعركم.. السيل الذي لم ينقطع طوال الستة أشهر الماضية من الرسائل والتساؤلات والاتصالات.. ومنها ظلت لحظات السعادة تتجدد معكم دوماً.. ولا أبوح سراً إن قلت إنه عقب كل رسالة أخاف من نفسي.. أخاف أن يزداد حجمها أمام ناظري.. أخاف الغرور.. أخاف ألا أكون في حجم ثقتكم في كلماتي وفيما يطرح على بياض هذه المساحة من موضوعات.

قراء العمق العاشر.. أنا اليوم من أجل نفسي ومن أجلكم سعيدة.. سعيدة لتجدد اللقاء وسعيدة لأن شباب هذه الصفحة ما زال غضاً ولأنكم أنتم أكسير حياته الدائم.. وأرجو أن يضطرد انفراد أزمة الورق.. وأرجو أن تضطرد انتصارات الإنسان في جميع مجالات الحياة.. وأرجو وأتمنى أن يكون السودان من كبرى الدول التي تصنع الورق حتى لا يهددنا شبح الغياب عنكم..

قرائي الأعزاء:

حاضرنا هذا ابن شرعي للماضي.. قد يكون ابناً عاقاً أو باراً وماضينا أب شديد العقاب قاسي.. وأيضاً رحيم كبير القلب وحاضرنا أيضاً شجرة خضراء تغوص فروعها وصفقاتها في الأعماق.. أعماق كل الأشياء المظلمة والمضيئة.. ومن هذا العمق والشموخ.. من هذا النور والظلام.. من البر والعقوق.. نحاول أن نناقش قضايانا ونعرض آراءنا.. لأننا سنكتب لكم عن كل تناقضات الحياة يجب أن نكتب لكم من العمق العاشر.. العمق البعيد سيكون لقاؤنا هنا أسبوعياً..

  • وجهة نظر:

لسنا قطيعاً من النعاج

في برنامج قضايا الناس الذي يقدمه الأخ عوض أحمد، مطروحة قضية الصحافة.. وهي ليست موضوع وجهة نظري هذه.. وإنما أردت أن أعلق على حديث ورد على لسان السيد حسان سعد الدين في البرنامج..

والحديث تناول موجع بالنسبة لي في فهم قضية المرأة بالتحديد وقضايا أخرى في مسألة الغيبيات التي أرى مجرد الانخراط في مناقشتها بالصورة التي عرضها السيد حسان تشكل منحى انصرافياً مما هو مطروح أمامنا بكل إلحاحه وعظمته حيال قضية التنمية والتغيير.. ولكن الموضوع الذي لا يحتمل التسويف ولا “الصهينة”؟ هو الفهم لوضع المرأة في المجتمع الجديد.

وقبل أن أضع وجهة نظري هذه.. أصدرها ما ورد في ميثاق العمل الوطني الذي اتخذناه هادياً ومرشداً لمسيرة ثورة مايو الاشتراكية الظافرة.. الميثاق يقول بالحرف الواحد: “تعمل ثورة مايو على تحرير الطاقات البشرية وتنقيتها دعماً لمسيرة الثورة وتوظيفها في خدمة الإنتاج والتطور, ومساواة المرأة بالرجل في مجال العمل وتحريرها اجتماعياً ومنحها حقوقها المتصلة بالأحوال الشخصية وتهيئة الفرصة العادلة لها لتسهم في حركة المجتمع”..

هذا ما ورد في ميثاق العمل الوطني.. ومحاولة طرح قضية المرأة خارج هذا الإطار أمر قد فاته الزمن وتخطاه منطق العصر.. ومنطق الثورة الاجتماعية.. ولكن كل هذا لا يمنع استمرارية النقاش.. ولا يلغي حق الآخرين الذين لا يتفقوا معنا في أن يناقشونا بالأدلة والبراهين فقط.. من غير أن يرفعوا في أوجهنا ذاعرين مزمجرين عصا الدين والخوف على الأخلاق.. ويهوون بها علينا كأننا قطيع من النعاج أو الشياه.. فنحن لسنا ذلك القطيع.. ولا أرادت لنا شرائع الإسلام السمحاء أن نكونه.

وأما موضوع تنظيم قانون الأحوال الشخصية فهو مسألة المرأة الكبرى سواء كان في السودان أو في الشرق العربي.. وهو مجال نضالي واسع وثر تلجه دائماً طلائع الثورات الاجتماعية التي تحافظ على جوهر الدين من الشوائب.. والتي تسعى إلى إحقاق إنسانية المرأة.. والحمد لله بفضل نضال المرأة السودانية المتصل وبفضل ما ينتظم مجتمعنا من ثورات نحن اليوم ضمن هؤلاء الطلائع نمثل مكاننا بجدارة..

من خلال وقفة عابرة على حياتنا الاجتماعية وعبر دراسة قاصرة لظروف الأحداث الذين تمتلئ بهم الإصلاحيات نصل إلى حقيقة واضحة وهي أن استعمال حق الطلاق وتعدد الزوجات بالصورة الراهنة هو السبب الأساسي لجنوح الكثير من الأحداث نحو الجريمة والانحراف.. إما بسبب تفكك الأسرة أو فقدان العاطفة أو الدافع الاقتصادي.

المهم أن المجتمع يدفع الثمن تفككاً وجريمة وإيماناً بالدجل والشعوذة والخرافة.. فنحن نعلم أن جميع النساء عندما يلجأن للفكي.. والوداعية والرمال.. والزار يفعلن ذلك بدافع المحافظة على الزوج أو إلحاق الضرر بالضرة أو محاولة إخلال ميزانية الزوج خوفاً من الزوجة الثانية.

نحن لا ننادي بإلغاء الطلاق ففي بعض الأحيان قد يكون ضرورة لحماية الأسرة من التفكك الداخلي.. ولكننا ننادي بتقييده وتنظيمه وعدم وقوعه إلا أمام قاضٍ.. وعموماً قد قال الحديث الشريف “أبغض الحلال عند الله الطلاق”..

أما تعدد الزوجات إلى جانب أنه عامل من عوامل الفرقة والتشتت في المجتمع فهو لا يلائم روح العصر ولا يتماشى مع المعطيات الحضارية.. إلى جانب موقف الدين منه.. في سورة “النساء” ترد آيتين “إن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة” “ولن تعدلوا وإن حرصتم” أرى أن هذه الآية ترفض تعدد الزوجات.. لأننا نعلم أن العدل لله وحده وليس في مقدور الإنسان أن يكون عادلاً ولا سيما في مثل هذه الأمور. وبيت الطاعة ليس له أساس في القرآن وبالتالي يصبح تشريعاً يجافي أبسط مظاهر الإنسانية. وبقية المسائل المتعلقة بحق الحضانة والنفقة فهذه لا تخرج عن كونها نداءات إنسانية تحفظ للأمومة قدسيتها وللأطفال استقرارهم.

إذاً، ما نطالب به من تنظيم لقانون الأحوال الشخصية ليس خروجاً عن الإسلام.. وأود هنا أن أشير  إلى آراء الشيخ الإمام محمد عبده حول الطلاق وتعدد الزوجات وأشير إلى قانون الأحوال الشخصية في مصر.. وسوريا وتونس وباكستان.. كلها أقطار اسلامية أعادت النظر في طريقة ممارسات لا تمس جوهر الدين في شيء.. ولا تتعارض معه بل يباركها.. لأنه يبارك الخير ولنؤكد على حديث الرسول الكريم “وأنتم أعلم بشئون دنياكم”..

هذه وجهة نظر ليست جديدة أسوقها لأني على قناعة تامة بأن البواعث التي تكمن وراء انقضاض المعارضين لحقوق المرأة والمعارضين لنهج ديمقراطية المجتمع لا تخرج عن كونها أحاسيس مجهدة ومريضة فهم دائماً يتوهمون أنه إذا ما خرجت المرأة إلى معترك الحياة وشاركت الرجل في أعباء الوطن أنها ستأتي بكل مضرة وفاحشة.

وإفلاس الرجعيين يجعلهم دائماً متخذين من الدين عصا لهم يهشون بها على المرأة كأنها قطيع من البهائم.. أو مجموعة من الدمى خلقت خصيصاً لإمتاع عيونهم وغرائزهم ويرتعدون خوفاً كلما ارتفعت مكانتها في المجتمع وعلا صوتها في المنابر.

ولهؤلاء وأولئك نريد أن نقولها موجزة وهي أننا لم نقلق ولم نيأس يوم كان المناخ مريضاً والضباب كثيفاً ويوم كان صوت الرجعيين داوياً فكيف حالنا اليوم ورياح العافية تهب علينا من كل الجهات والجو معافى والنظام يختلف وألوية التغيير الاشتراكي ترفرف حولنا وفوق رؤوسنا وأيضاً نقول ثانية وثالثة وإلى ما لا نهاية إننا لسنا قطيعاً من النعاج.. ولسنا دمى خلقنا لإمتاع الآخرين.. وإننا نمارس حياتنا الاجتماعية في احترام مطلق للرجل وفي تعاون معه فقضيتنا ليست ضده ولا ضد الدين وسنمارس حياتنا السياسية وإن عجلة التطور لن تدور إلى الوراء مهما حاول عاشقو التخلف.

مقطع شعر:

العبور الكبير لشاعر الأرض المحتلة توفيق زياد:

الدنيا لم تعد الدنيا

طويلاً كان الليل.. طويلاً كان

وثقيلاً كان العار.. ثقيلاً كان

وعميقاً كان الجرح.. عميقاً كان

حتى اللقمة كانت

ذلاً وهوان

أما الآن.. الآن.. الآن

فالفرح المسقي دماً

ينبت في كل كيان كيان

برداً وسلاماً

ينبت ورداً.. وشقائق نعمان

والدنيا لم تعد الدنيا

وجمع أساطير العهد النظري

عن الشعب الأرقي أو الشعب الأدنى

انهارت في نصف نهار

الدنيا لم تعد الدنيا

والآتون من الماضي

من خلف المحراث

ومن وحل الجهل

وغيمات الشعر

دخلوا من أوسع أبوابه

هذا العصر..

مربع شعر:

قال الحاردلو:

واحدة منهن قالت ولوفنا تراهو

فتى ليهن نعم محسوبكن اياهو

الصبا والجمال الدايرو ها البراقو

نرى هذا الهرد قلبو وقسمها كلاهو

من أمثالنا:

درب السلامة للحول قريب

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى