تسليم البشير  للجنائية.. هل يجبُّ ما قبله؟

 

تقرير- صلاح مختار

مجرد تسليم المطلوبين في ملف دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية، وهم الرئيس السابق عمر البشير، ووزير الدفاع السابق عبد الرحيم محمد حسين، ووالي شمال كردفان السابق أحمد هارون. سيطرح سؤالاً أمام الرأي العام السياسي والقانوني بشأن مصير المحاكمات الجارية الآن والتهم الموجهة إلى المطلوبين بشأنها ما مصير تلك المحاكمات؟ هل تجب محاكمة المطلوبين أمام الجنائية ما قبلها من قضايا الآن في المحكمة؟ مراقبون يرون أنه بمجرد تسليم المطلوبين فإن حجة محاكمتهم بالداخل قد تسقط، فيما يرى البعض أن محاكمة المطلوبين بجرائم داخلية تعكس قدرة القضاء على تطبيق القانون ومحاكمة المطلوبين بشأن جرائم دارفور بالداخل وليس بالضرورة تسليمهم إلى لاهاي، ولفت البعض إلى أن الجنائية لا تفرض تسليمهم كشرط ملزم إذا رأت في محاكمتهم بالداخل تحقيقاً للعدالة ورد للحقوق, في ظل أن وزارة العدل كانت قد أجرت اصلاحات على القانون الجنائي حتى يمكن إجراء محاكمات على المطلوبين بالداخل, وكان مدعي الجنائية الدولية قد بحث مع مسؤولين سودانيين تسريع تسليم المطلوبين بملف دارفور, في وقت حث فيه كبير مدعي المحكمة الجنائية الدولية، السلطات السودانية على اتخاذ “خطوات عملية” لتحقيق العدالة لضحايا صراع دارفور، ومحاسبة المسؤولين عن ارتكاب فظائع في المنطقة.

لا يجب ما قبله

يرى القانوني ورئيس لجنة التحقيق في فض اعتصام القيادة نبيل أديب أن الجنائية لا تجب القضايا المطروحة أمام المحكمة في مواجهة المطلوبين, غير أنه قال لـ(الصيحة) إن كانت هناك قضايا مثلاً موجودة ومستمرة يفصل فيها المتهمون الذين يتم تسليمهم حيث يتم فصلهم مثل قضية (30) يونيو والمفروض يفصل فيها البشير وعبد الرحيم من قائمة الاتهام، حيث يتم محاكمتهما لاحقاً على انفراد بعدما تنتهي محاكمتهم. وأكد أن الجنائية هي محاكمة وليست بداية إجراءات أو تحقيقات أولية وإنما محاكمة, فيها جزء أولي عبارة عن تحقيق أولي بموجبه كان المدعى العام رفع تقريرا للدائرة التمهيدية في المحكمة الجنائية وأبلغت علماً بفتح بلاغ وفعلًا تم فتح البلاغ, ولذلك أصدر أمر القبض, وأن أمر القبض هذا لم ينفذ حتى الآن. وبالتالي الإجراءات تبدأ الآن من حيث أمر القبض سيكون معه بعض التحقيقات التي لم تكتمل لأنهم كانوا بعيدين. ثم يحولون إلى المحكمة.

وحول توقعات بوجود تقاطعات أو اعتراضات من المؤسسة العسكرية، قال: لا أعتقد أن المؤسسة العسكرية تعترض على ذلك، بمعنى أن الحكومة إذا قررت تسليمهم سيتم ذلك, ولكنه قال المسألة قد لا يرضى عنها البعض، هنالك أناس يعتقدون أن فيها انتقاصاً من السيادة الوطنية خاصة أن عمر البشير كان رئيساً للجمهورية والقائد العام للجيش, ولكن الآن قد أصبح المبدأ مستقر عند المجتمع الدولي بأنه لا حصانة لشخص بسبب منصبه سواء كان مدنياً أو عسكرياً وأن هذه المسألة لا تنتقص من السيادة بمعنى أنها ليست محكمة أجنبية.

عائق قانوني

ويقول القاضي السابق والمحامي بارود صندل، إن كل الحديث الذي يقال مجرد استهلاك سياسي، وتساءل: هل المدعي الجنائي قال إنه جاء ليستلم المطلوبين؟ هو لم يقل ذلك، لأن الحكومة دون فهم، كأنما تريد إرضاء المجتمع الدولي تقول له نريد نسلم المطلوبين فوراً.

وقال لـ(الصيحة): إذا افترضنا أنه قال: “سلمونا” تلك الكلمة سوف تدخل الحكومة في حرج شديد جداً لآن المطلوبين الآن هم ثلاثة البشير وعبد الرحيم وأحمد هرون، ولكن الثلاثة متهمون في قضايا فيها حق عام لا يجوز شطبه, ولا يجوز سحبه واحدة فيها قضية الانقلاب (89) وقضايا مالية وأخرى تعتبر عائقاً عملياً, بيد أنه قال: حكومتنا يمكن أن تستجيب وتسلمهم. وهو أمر ليست له علاقة بالقانون (ساكت). وأضاف بالقول: أما العائق الثاني فهو قانوني، هنالك قانون الإجراءات الجنائية، لأنه بعدما أصدرت المحكمة الجنائية مزاعمها أدخلت الحكومة في ذلك الوقت نصاً يقول: لا يجوز تسليم أي مواطن سوداني للخارج إذا أرادت الحكومة تسليم مطلوبين للمحكمة يجب إلغاء هذا النص وحتى يتحرروا منه، وبعد ذلك النظر في هذه القضايا التي أمام المحاكم، إذا تلك المحاكم برأتهم من الجرائم كلها منها بالتالي العائق القانوني يزول.

الحكم بالسجن

ورأى صندل أن المحاكم السودانية إذا أصدرت أحكاماً بالإدانة الشخص لا يمكن تسليمه إلا بعد إكمال فترة السجن بالداخل, وبالتالي أقل حكم في جريمة انقلاب (89) مدى الحياة أو (20) عامًا, وبعد إكمال مدتهم يمكن بعد ذلك تسليمهم إلى الجنائية. أما الرأي السياسي كدولة لن نحقق أي مصلحة في تسليم المطلوبين ليمثلوا أمام المحكمة الجنائية الدولية، بل هي خسارة لأن الضحايا كلهم من دارفور ومن غير دارفور, وكلما كانت المحاكم قريبة من أسر الضحايا يكون أفضل حتى يكونوا قريبين من المحكمة. وهناك شيء مستغرب فيها أن الحكومة تتحدث عن العدالة الانتقالية, ويمكن كثيرًا من القضايا تنتهي بذلك, لأن العدالة الانتقالية (تمشي) مع المحاكمات، ولذلك من الأفضل أن تكون المحاكمات في السودان. أما الحديث عن المحكمة الجنائية لا تأتي بقضاء من الخارج أنا متأكد أن قضاء السودان أفضل من خبرة قضاء المحكمة الجنائية الدولية, وناقشت أهل دارفور وحتى الحركات فيما يختص بمحاكمة المطلوبين بالخارج وقلت لهم لماذا لا تتم المحاكمة في الداخل؟ لجهة أن المحاكمات عندما تعقد في دارفور المجتمع الدولي يقدم دعماً لوجستياً بالتالي لماذا الإصرار على المحاكمة الخارجية؟.

مبررات التسليم

ولفت صندل إلى الذين يتابعون المحاكمات الآن يرى معايير المحكمة الدولية الجنائية تختلف، ففي البينات ليست مثل محاكمنا، لأنهم يريدون إقناع الأفارقة بأنهم محكمة عدالة وليس تقاضياً, وهم كذلك يريدون تأسيس المحكمة للمستقبل, لذلك لا أرى مبرراً موضوعياً للحديث عن أنهم اتفقوا على تسليمهم للمحكمة الجنائية. صحيح هناك قرار مكتوب في اتفاقية جوبا بأن يسلموا المطلوبين الخمسة واحد خارج سلطات الحكومة والباقي ثلاثة لديهم قضايا ولذلك ليس هنالك مبرر.

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى