منى أبوزيد تكتب : زنقولا .. والذي منه ..!

“وأنت مُنَاي أجمَعُها مَشتْ بي .. إليك خُطى الشبابِ المُطمئنِّ” .. عبدالله الفيصل.. !

لستُ أدري إن كان قراء الصحف الذين يقرأ بعضهم لكاتبة أربعينية مثلي يعرفون مغني الراب “خالد زنقولا” أم لا، لكن الذي أدريه حقاً وأنا أكيدةٌ منه أن معظم جيل الشباب وما دونهم من “التين إيجرز” يعرفونه جيداً، وأن أغلبهم يراه مُجدداً موسيقياً وثائراً غنائياً وفناناً صاحب مشروع. ولا عزاء للرافضين من المُسنِّين أو المُمتعضين من الكهول. لأن الشاب ببساطة لا يغني لهم، وبالتالي فهو لا ينتظر تصفيقهم ولا يخشى رفضهم. ثُم، ما حاجته بهم وهو يحظى بجمهورٍ هائل قوامه الملايين من الشباب. هل اتفقنا إذاً..؟!
حسناً، الآن وقد اتفقنا على أن الرجل ذو حيثية بين أبناء جيله وصاحب جمهور – شاء جيلنا والأجيال التي سبقته في الإيمان أم أبوا – فلنحاول أن نجيب على السؤال الفنِّي الذي حَيَّر العلماء “من أين أتى هؤلاء”، “زنقولا” السودان، و”شاكوش” مصر، وأشباههم، وأشياعهم، والذي منه ..؟!
هذه الثورة لم تبلغ بعد نصابها الزمني اللازم لإحداث التغيير الاجتماعي المطلوب، لذلك تذَكَّر أننا عندما نعمَد إلى تحليل ظاهرة ما سوف نستصحب – مكرهين لا أبطال – كل النتائج الاجتماعية الراجحة التي ترتَّبَت على سياسات حكومة الإنقاذ لثلاثة عقودٍ من الزمان. نحن نتحدث عن جيل ولد ونشأ وترعرع ثم اشتد عوده في ظل حكم الإنقاذ، وبالتالي فإن جُل المصائب السياسية والكوارث الاقتصادية سوف تَتنزَّل على أم رأس واقعه الاجتماعي تباعاً، مثل زخَّات المطر ..!
بدءاً بدبيب النمل بين أروقة السياسة وانتهاءاً بمزاجك الفني ظل البقاء في هذا السودان ليس للأقوى بل للأكبر سناً، وبقيت مصطلحات مثل “مقاماً” وكفاءةً و”استحقاقاً” هي المُرادفات الافتراضية لمصطلح “سناً”. وهكذا، بينما يسيطر “التين إيجرز” – أو جيل ما قبل العشرين – على الذوق العام في بلادٍ أخرى، من خطوط الموضة إلى صناعة الموسيقى وعالم الميديا، ظل جيل الخمسين فما فوق عندنا يسيطر على الرأي العام، وعلى ملامح الصورة النمطية للمواطن السوداني الصالح ..!
لن تجد في هموم أولئك المسيطرين مكاناً لمعاناة شابٍ عاطل، أدى فروضه الأكاديمية كما يجب، ثم وجد نفسه في عراء سوق العمل، يواجه إشكالات الفشل والضياع، وعوضاً عن العمل في مجال تخصصه الأكاديمي قد يُصبح بائع طعمية أو سائق ركشة ..!
كل ظاهرة اجتماعية لها في عالم الفن والموسقي ثوبها الفني الذي تختار أن ترتديه، وهؤلاء الشباب اختاروا أن يكون الراب والهيب هوب – الذي يقدمه “زنقولا وإخوانه – الثوب الفني الذي يمثلهم. أيقونة زمانهم، وشعار مرحلتهم في هذه الحقبة من التاريخ. فمن تكون أنت، ومن أكون أنا، حتى نُحَاكمهم أو نَحكُم عليهم ..؟!
كلما تحدثنا عن هذه الثورة نسَبنا الفضل في اندلاعها لهؤلاء الشباب، وأثنينا على وعي هذا الجيل “الراكب راس”. حسناً ها هو ذات الجيل الذي رَكِبَ رأسه في شأنٍ وطنيٍ جلل – وقدَّم الشهداء والجرحى – يركَبُ ذات الرأس في شأنٍ فنٍّي يَخصُه. المسألة في جوهرها “هول باكيج”، وهي بذلك لا تقبل القسمة رأياً، أو الضرب عرضاً، أو الطرح أرضاً ..!
ثُم أن كل جُرم سياسي له رَدَّة فعل ثورية، مُسَاوية له في القوة ومُعاكِسة له في الاتجاه. اردُموا هذه الفجوة الجيلية، والتفتوا لقضاياهم، أو دَعُوهم وشأنَهم ..!

 

[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى