الانضمام للجنائية الدولية.. عدالة  أم قصور؟

 

تقرير- آثار كامل

في مشهد جديد على مسرح الانتقال وتحقيق شعارات الثورة المتمثلة في “الحرية والسلام والعدالة”، أجاز مجلس الوزراء أمس الأول مشروع قانون نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الذي يمهد للانضمام للمحكمة الجنائية الدولية، لتسجل الحكومة الانتقالية نقطة إيجابية في طريق العدل، بعد أن سحب النظام البائد توقيعه عقب ملاحقة قياداته ببلاغات بواسطة المحكمة الجنائية ورفضهم لتلك المحكمة إبان سطوتهم على الحكم باعتبارها محكمة سياسية، ولا تمت للعدالة بصلة ـ حد مخاوفهم ـ المصادقة على المشروع  أمر ضروري لتطبيق العدالة خصوصاً أن التهم الموجهة ضد المخلوع وأعوانه مرتبطة بالمواثيق الدولية التي يعتبر السودان جزءاً منها، وأنها تدخل في اختصاص المحكمة الجنائية باعتبار تلك الجرائم وهي “الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية” مهددة للسلم والأمن الدوليين.

وسابقاً أعلنت الجنائية الدولية استعدادها لمحاكمة المتورطين في الجرائم التي ارتكبت في دارفور بمقرها في لاهاي أو الخرطوم من أجل تحقيق العدالة لضحايا الجرائم الفظيعة بالإقليم الذي شهد نزاعاً مسلحاً منذ العام 2003م.

نظام روما الأساسي

نظام روما الأساسي اعتمد عام 1998 بالعاصمة الإيطالية، ودخل حيز التنفيذ عام 2002 ليعلن بذلك تأسيس أول محكمة جنائية دولية دائمة، تتولى المحاسبة على ما يشهده العالم من حروب ونزاعات تتضمن انتهاكات واضحة للحقوق الأساسية التي كفلها القانون الدولي الإنساني، ونجد أن النظام البائد قد وقع على الميثاق، لكنه نكث عن التوقيع على اتفاقية إنشاء المحكمة بعد أن تحركت ضده الجنائية ببلاغات، ليجيز مجلس الوزراء بالإجماع أمس الأول مشروع قانون انضمام السودان لنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الذي وصفه رئيس مجلس الوزراء عبد الله حمدوك بأن السودان الجديد ملتزم بالعدالة وسيادة حكم القانون.

حمدوك يقلب الطاولة

ويرى مراقبون أن إجازة رئيس مجلس الوزراء لقانون نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية عبر الحكومة الانتقالية بواسطة الأجهزة العدلية، خطوة مهمة جدًا وإثباتها بأنها قادرة وراغبة في إقامة العدل وحريصة على جلب العدالة إلى من تأثروا بتلك الحرب، وتعتبر خطوة إيجابية ولكن لا بد من بذل جهود أكبر لاغتنام مزيد من الفرص للانتقال إلى دولة العدالة الكاملة والتحرر من ماضي البلاد الحافل بجرائم مروعة ارتكبت في حق المدنيين، واعتبر المراقبون أنها لحظة محورية للبلاد لتعزيز مساءلة المجرمين ومحاسبتهم على الجرائم التي تم ارتكابها وإنصاف الضحايا.

اكتمال الجوانب

وعلى الرغم من أن القانون مثل مفاجأة جديدة في مسيرة الانتقال، إذ لم يتم الحديث عنه سابقاً، إلا أن الخبير القانوني المعز حضرة قال لـ(الصيحة)، إن وزير العدل نصر الدين عبد الباري تقدم بمشروع القانون لمجلس الوزراء للتوقيع على قانون نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية المؤسس لها، وإن المجلس تداول كثيرًا حول القانون وأخضعه للدراسة المطلوبة، ومن ثم طرحه للتصويت، وتمت إجازته بالإجماع، لكنه أشار إلى أن القانون لا يزال في طور التشريع، إذ أن إجازة مجلس الوزراء له تعتبر خطوة مهمة، لكنه يصبح نافذاً عندما يجاز من الاجتماع المشترك بين مجلس الوزراء ومجلس السيادة باعتبارهما الهيئة التشريعية المؤقتين بحسب نص الوثيقة الدستورية.

ولفت حضرة، بهذا يكون السودان من ناحية قانونية قد أكمل الجوانب القانونية والتشريعية ليكون جزءا من نظام روما الأساسي، وأضاف أن هذا الأمر تأخر كثيرًا، مشيرًا إلى أن النظام البائد وقع على نظام روما بواسطة وزير العدل آنذاك عوض الحسن النور، منوهاً إلى أنه عند تحرك الجنائية ضد الرئيس المخلوع قام السودان بسحب توقيعه وإجازته في الحكومة الانتقالية، وهذه إعادة وتصحيح للوضع، وقال “لا بد أن نكون جزءا من أي قانون يحصن السودان ضد الاستبداد والانقلابات وضد الحكم الشمولي”، ولفت حضرة إلى أن الاتحاد الأفريقي ترأسه بعض الرؤساء المطلوبين للمحكمة الجنائية وأتوه عن طريق أنظمة شمولية، ونوه أن التوقيع على الميثاق سيساعد في تسليم المطلوبين للمحكمة الجنائية أو مثولهم حتى الآن، هذه مسائل فنية يمكن المثول في السودان أو في أي دولة أخرى.

ما يعيب القانون أنه جاء متأخراً

قال المحامي والخبير القانوني نبيل أديب لـ(الصيحة)، إنه منذ أن تم التوقيع على النظام الأساسي لنظام المحكمة الجنائية، كان رأي السودان يجب أن ينضم،  ولفت إلى أن أن بعض الدول الأفريقية لا تزال فيها حكومات ديكتاتورية فنجد المحكمة الجنائية تعمل على تنفيذ العقاب وجزء من الكليات العامة، ولفت أديب إلى أن ما قام به مجلس الوزراء ممتاز وكل ما يعيبه أنه جاء متأخراً، ويرى أن السودان يمضي في طريق الانضمام إلى كل الاتفاقات الخاصة بحقوق الإنسان.

وأضاف أديب: ليس هناك ما يدعو الاتحاد الأفريقي إلى أن يعتبر الخطوة مخالفة، وليس هناك ما يدعو إلى التأخر لأن ذلك يؤخر العدالة خصوصاً أن هناك جريمة العدوان منصوص عليها في القانون وحماية لنا كدولة وموقف مناسب فهناك دول وقعت وسحبت توقيعها فهي دول معروفة لا تؤمن بالديمقراطية.

ولفت إلى أن تسليم البشير مطلوب حتى ولو لم نجز قانون روما الأساسي لأن المحكمة مختصة من مجلس الأمن والسودان عضو به، ويجب الالتزام بقراراته.

العدالة الشاملة

وأمن المحامي والناشط الحقوقي منتصر عبد الله في حديثه لـ(الصيحة) على ضرورة توقيع السودان على كل قانون وكل اتفاقية خاصة بحقوق الإنسان وإنصاف الضحايا المتضررين، وأضاف عبد الله أن السودان اتخذ خطوة مهمة جداً بالرغم من تأخرها، ووصف الخطوة بأنها ستدعم تسليم المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية، واصفاً بأنه أمر ضروري لتطبيق العدالة، وأشار منتصر أنه بالرغم من أن القضاء السوداني بطيء في البت في القضايا بسبب التعقيدات الداخلية التي تعيشها البلاد وعدم تطرقها لأكثر المجازر وحشية نتيجة لبطء الإجراءات، إلا أن العدالة الجنائية سوف تعمل بكل ما لديها في تقصي الحقائق وفتح الملفات بشكل واضح ومحاسبة المجرمين بالعدالة الشاملة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى