عبد الله مسار يكتب: مواقف ومشاهد وأحداث في ولاية نهر النيل (3)

كنا قد اختلفنا مع حزب الأمة القومي وأسّسنا حزب الأمة الإصلاح والتجديد بقيادة السيد مبارك الفاضل المهدي، وعقدنا لذلك مؤتمراً في سوبا في خواتيم ٢٠٠١م وذلك بعد اتفاقية جيبوتي نهاية ١٩٩٩م، وكان مؤتمر سوبا حدثاً هاماً، وقعنا اتفاقاً مع المؤتمر الوطني بعد جولة محادثات قاربت العام ونلنا في هذه الاتفاقية ثمانية مقاعد في الحكومة المركزية، أهمها منصب مساعد رئيس الجمهورية، وكنا شخصي والأخ مبارك أكثر المجموعة اتصالاً بالرئيس البشير. وكان نصيب ولاية جنوب دارفور من الوزارات، وزارة التعاون الدولي، وكنا نحن من جنوب دارفور خمسة قياديين وتنازلنا جميعاً للأخ يوسف تكنة ليكون وزيراً لها بفارق السن والخبرة والعلم والتجربة الطويلة.
وانتظرنا نحن الآخرون دورنا بعد حوالى شهر أو أكثر بقليل من شغل إخوتنا في حزب الأمة الإصلاح مواقعهم. استدعاني السيد الرئيس السابق البشير وسألني لماذا لم تتولَ وزارة التعاون الدولي، وأنا فصّلتها خصيصاً لك؟ فقلت له نحن في مجموعتنا آثرنا ان تذهب للأخ تكنة لخبرته وعلمه وسنه.
فقال لي سوف أعيِّنك والياً، ولكن ليس في جنوب دارفور، وخيّرني بين مجموعة ولايات وقلت له نهر النيل. قال لي تعرفها؟ قلت أبداً لم أتجاوز الجيلي شمالاً. قال لي ولاية فقيرة وأهلها “صعبين”، قلت له هي خياري، قال لي لماذا؟ قلت له أنا داخل في حرب كونية مع أطراف كثيرة لا تحل إلا بنهر النيل، قال لي افصح كيف ذلك، قلت له لديه صراع حاد مع فئات كثيرة، أهمها مع حزب الأمة القومي ومبارك الفاضل وبعض فئات من أبناء دارفور وصراع مع الإدارة الأهلية وغير ذلك، وكل هذه الصراعات استطيع أن اتخلص منها بتولي نهر النيل لأن فيها شخصك ولفيفاً من أبنائها شاغلون مواقع دستورية هامة، ولذلك اخترت نهر النيل، قال لي ستسمع اسمك اليوم في نشرة التاسعة والياً لنهر النيل.
وفعلاً أجاز المجلس القيادي للمؤتمر الوطني إعفاء وتعيين ستة ولاة وكنت من الولاة الذين تم تعيينهم.
ولما علم أهل نهر النيل انه قد عُيِّن لهم والٍ غرباوي وليس “مؤتمر وطني”، جاء بعض قيادات من نهر النيل ومن المؤتمر الوطني، وقالوا للرئيس الفيك عرفناها. تعيِّن لنا والي غرباوي وغير مؤتمر وطني، وتحت تحت قالوا له (عبد)، قال لهم الرئيس البشير شفتوه؟ قالوا لا. وقال لهم تعرفوه؟ قالوا لا، قال لهم إذن انتظروا لما يجيكم، وأبلغني السيد الرئيس البشير بتفاصيل ما دار بينهم.
وجاءني بعضهم في مكتب تنسيق الولاية بالمقرن وكان لقاءً حميمياً وودياً، تعرّفوا على بعض أفكاري حول الولاية، وتعرّفت على بعض قيادات الولاية، وكان أهمهم الأخ العزيز والصديق الوفي التربال الأرباب عبد المحمود عثمان منصور نائب رئيس المؤتمر الوطني، وكذلك الأخ عمر مجذوب سليل المجاذيب رئيس مجلس الولاية.
ثم تحدد موعد ذهابي للولاية، وذهبت إلى والولاية وأُقيم لي استقبالٌ ضخمٌ شعبيٌ ورسميٌّ، وخاطبت الحشد بخطاب مكتوب، تطرقت فيه إلى كل مشاكل الولاية، ومقترحات الحلول وطريقتي في إدارة الولاية وعلاقتي بإنسانها، ثم قياداتها في المركز والولاية، وكان خطاباً شاملاً استحسنه أهل نهر النيل ثم انتهيت من الخطاب الرسمي، وقلت للحضور انتهى الخطاب الرسمي للوالي وأود أن أتحدّث إليكم بخطاب آخر خاص.
قلت لهم الآن أنا الوالي في هذه الولاية، ليس هنالك مسؤول أكبر مني، وعرفت أنكم قريبون جداً من مركز القرار، وبعضكم يلاقي الرئيس كثيراً، عليه جهِّزوا عرائضهم من الآن، أنا الرئيس في هذه الولاية، لا أقبل أي رأس آخر”ريسين يغرِّقوا المركب”.
ثانياً، قلتم للسيد الرئيس الفيك عرفناها، وأنا الآن أحمر منكم، ثم نزلت من المَنَصّة وتسلّمت مهامي رسمياً من الأخ الخلوق الوالي الذي سبقني إبراهيم محمود.
ومن المواقف، عقدنا اجتماعاً لمجلس الوزراء بحضور الأخ إبراهيم محمود، وبدأ الوزراء والمعتمدون يُعرِّفون أنفسهم وكان في الحكومة مستشار جنوبي وهو الأخ العزيز والصديق وليم دينق تاو عرّف نفسه وقال انه جاء مسؤولاً في الولاية (معالجات).
وبعد ذلك تسلّمت مهامي، وللأمانة وجدت تعاوناً منقطع النظير من كل أهل الولاية قيادات وشعباً، بل أحببتهم وأحبوني وعشت معهم ثلاث سنوات لم يشتكِ مني أحدٌ إلى الخرطوم، وخلقت معهم علاقات إخاء وما زالت وتقوي وتزداد كل يوم.
أهل نهر النيل قومٌ كرامٌ، عظامٌ، يحتاجون فقط لحاكم متواضع واجتماعي ومُواصل، ولكن حاسم وصاحب قرار، بحبوا الحاكم “المالي قاشو” والعادل.
شُكراً لأهل نهر النيل.. تعلّمنا منهم الكثير.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى