مراجعة الاتفاقيات المجحفة.. هل تصطدم الرغبة بالقوانين الدولية؟

 

تقرير: مريم أبشر

وضعت الحكومة الانتقالية منذ قيام الثورة وعلى الدرجة الأولى من سلم أولوياتها جملة من الإصلاحات الأولوية السريعة لإعمار ما دمرته ممارسات النظام السابق بحق السودان، وكان في سلم أولوياتها خلق علاقات خارجية متوازنة وإعادة دمج السودان مع محيطه الإقليمي والدولي بعد أن عاش في عزلة دولية سياسية ودبلوماسية امتدت لثلاثة عقود بسبب كثير من الأخطاء السياسية التي ارتكبها النظام السابق، وكان نتاجها وضع السودان في قائمة الدول للدول الراعية للإرهاب من قبل الخارجية الأمريكية وفرض عقوبات اقتصادية قاسية على البلاد طالت كل فصائل شعبه دون استثناء، وقد شرعت الحكومة الانتقالية في معالجة الكثير من القضايا بعضها آتى أكله وبعضها لم تنضج ثمارها بعد، بيد أن الطريق الذي اتخذته الحكومة مشوار طويل يمتد أميالاً بدأتها بخطوات وئيدة الآن.

ثمار دنت

تمكنت الحكومة الانتقالية وفق خطة مدروسة من رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب، وإزالة العقوبات الاقتصادية المفروضة عليه، وأصبح بعد ثلاثة عقود دولة تمارس حقها الطبيعي في وسطها الإقليمي والدولي وتقيم علاقاتها وفق مصالحها، ولأن الحكومة تبحث عن مصالح السودان بعيداً عن سياسة المحاور والتنازلات، فقد أعلنت وزيرة الخارجية الدكتورة مريم الصادق في زيارة إلى دولة البحرين بداية الأسبوع أن وزارتها بصدد فتح ملفات كل الاتفاقيات الثنائية المجحفة التي أبرمها النظام البائد  مع عدد الدول دون مراعاة لمصلحة البلد وحق شعبه في موارده، وابتدرت تلك الخطوة بالعمل على مراحعة الاتفاقيات وبرتكولات التعاون والبرامح التنفيذية المبرمة مع دولة البحرين ولم تجد طريقها للتنفيذ.

توازنات

شروع وزارة الخارجية في إجراء مراجعات شاملة يمثل أولوية بالنسبة لها، خاصة وأن أبرز سمات الدمار الذي خلفه نظام الثلاثين من يونيو تجلى بوضوح في علاقات السودان الخارجية، التي كانت تتخبط هنا وهناك، وانعكست سلباً في عزل وتكبيل كل أوصال البلاد.

وهنا أشار مصدر دبلوماسي مسئول في حديثه لـ(الصيحة)، إلى أن الوزارة  تجري حالياً مراجعات شاملة لكل هياكلها وخططها وبالطبع ضمن ما يتم مراجعته الاتفاقيات الموقعة باسم السودان مع عدد من الدول، وأكد أن وزارة الخارجية وضعت نصب العين مصلحة الوطن أولاً بعيداً عن المحاور والمحاباة لدولة على حساب مصلحة الشعب السوداني كما كان يتم في السابق، واستدل على ذلك بأن اتفاق الحريات الأربع الموقع بين السودان ومصر لم يستفد السودان منه شيئاً غير أن المصدر نبه إلى أن الحكومة الحالية حكومة محاصصات وتوازنات سياسية، ويعتقد أنه من غير المتوقع أن تنجز الكثير في ظل التجاذبات السياسية التي تعيشها في هذه الملفات رغم أهمية إحداث اختراقات عاجلة فيها.

غموض وإجحاف

وقال خبير دبلوماسي ـ فضل حجب اسمه ـ في حديث لـ(الصيحة) إن عددا كبيراً من الاتفاقيات بين السودان وعدد من الدول أعدت بليل، ولكن بما أن عهد “الدسدسة والغتغيت” قد انتهى بحسب ما يردد قيادات الدولة فإنه من الواجب أن تفتح تلك الاتفاقيات، وذكر من تلك الاتفاقيات المجحفة كل الاتفاقيات المتعلقة بشرق السودان وبورتسودان تحديداً كذلك معظم  اتفاقيات الاستثمارات  في الأراضي الزراعية مثل مشروعات كبيرة الآن منتشرة في كل أنحاء السودان وقال “كلها أعدت بليل وتم تغييب كل الجهات القانونية المعنية من مراجع عام ونائب عام وغيره من الجهات المسئولية عنها وتم توقيعها بتعليمات فردية فوقية”. وأضاف: “أن تلك الاتفاقيات كانت وقتها محل رفض من الجهات الحادبة على مصلحة الوطن، بيد أن صوتهم لم يكن مسموعاً رغم جهرهم به من واقع أن من يقومون بها كانت دائماً كلمتهم هى الأعلى”. لافتاً  الى أن القوانين التي تحكم مثل هذه الاتفاقيات لم تكن مفعلة حينها وأن الاتفاقيات وقعت على عجل بعيداً عن جهات الاختصاص، وذكر من ضمن الاتفاقيات بجانب القاعدة الروسية العسكرية مزرعة أبحاث أبو ناعمة التي تم تأجيرها لجمهورية الصين بقيمة مالية زهيدة، فضلًا عن مشروع أمطار والديار القطرية وغيرها من الاتفاقيات التي فقد فيها السودان الكثير ولم ينل شيئاً عنها، وأبدى الخبير حماساً كبيراً لإعلان وزيرة الخارجية د. مريم الصادق المهدي من البحرين فتح ملفات الاتفاقيات وثبيت حق الشعب السوداني في موارده التي أهدرت دون وجه حق.

فخ القانون

ورغم الحماس الكبير الذي أبداه الحادبون على مصلحة الوطن تجاه إعلان وزيرة الخارجية مريم الصادق لمراجعة الاتفاقات المجحفة  التى أبرمها نظام الإنقاذ، إلا أن الرغبة تصطدم بفخ القوانين الدولية الملزمة لأي حكومة تتولى مقاليد الحكم بتنفيذ ما وقعه سلفها من اتفاقيات ثنائية دولية أياً كان الرأى حولها.

ويعتقد الخبير الدبلوماسي الرشيد أبو شامة في حديث لـ(الصيحة) أمس أن على حكومة الثورة  أن تبحث حثيثاً عن كيفية تخطي عقبة القوانين التي ستقيدها في هذا الإطار مع تأكيده على أن نظام الإنقاذ ارتكب أخطاء كبيرة بحق الوطن في عدد كبير من الاتفاقيات، مشيراً إلى أن حكومة الإنقاذ التي خرج عليها الشعب السوداني قدمت تنازلات كبيرة خاصة في الاتفاقيات المتعلقة بمنح الأراضى السودانية الزراعية لعشرات السنين، ويرى أن على الجهات المعنية بما فيها وزارة الخارجية البحث عن مخرج عبر طرق دبلوماسية أو سياسية لمعالجة تلك الأخطاء.

مخاوف

وعلى الرغم من أحقية الشعب السوداني في التمتع بموارد بلاده، إلا أن رغبة حكومته في معالجة أخطاء الماضي ربما جلبت عليها بعض الرشاش إذ لم يستبعد الخبير الدبلوماسي الرشيد أبو شامة في حديث لـ(الصيحة) أن تحدث خطوة مراجعة الاتفاقيات التي أعلنت عنها وزيرة الخارجية بعض الشروخ في علاقات السودان الخارجية خاصة وأن القانون يقف إلى جانب الالتزام بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في وقت ربما شفع للوزارة أن كثيراً من الدول الموق معها الاتفاق ترى في مستواها السياسي الأعلى أن النظام البائد ارتكب أخطاء كثيرة في السودان وأنها أعلنت دعمها الكامل لخيار الشعب، لذا ربما ستتجاوز تلك الدول الشروط المجحفة وتوافق الحكومة الانتقالية على المراجعة، وذلك ما ستسفر عنه الأيام القادمات.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى