(شَفّاتة) لقيادة الحكومة.. القفز فوق الكفاءات!!

تقرير: صلاح مختار

أدَبيات الثورة طَغَت حتى على لغة السياسة عندما يرى أحد السياسيين أنّ معيار الكفاءة قد لا يكون مُحَفِّزاً للعمل, أو غير مطلوبٍ الآن, بسبب التحديات الكبيرة التي تُحيط بالحكومة الانتقالية, وإنّما المعيار هُنا حُكومة (شفّاتة).. ربما لم يجد القيادي بحزب البَعث محمد ضياء بداً للنظر إلى الكَفَاءات المَوجودة في حكومة حَمدوك بأنّها كوادر وخبرات رقيقة الحال، رومانسية التّعامُل مع قضايا البلاد التي تحتاج إلى حكومةٍ بمعيار وقُدرات (الشفاتة والهمباته), وذلك في اختراق الظروف والصعاب وتغييرها من الحالة السلبية إلى الحالة الإيجابية كما كان إبان الثورة.

ويقول ضياء خلال حديثه لبرنامج “كباية شاي” في معرض تعليقه على حكومة الكفاءات، إنهم لا يريدون أشخاصاً للعمل في وكالة (ناسا)، وإنما (شفوت) أقوياء للعمل لمواجهة والتصدي لقضايا البلاد – على حد تعبيره.

الطريق المسدود

ولكن يبدو أنّ التحديات والصعوبات والخوف من الفشل، جعل محمد ضياء يستعير مُصطلحات الثورة الأدبية للتعبير عن حوجتهم إلى مثل تلك الروح للعمل بالدولة ومُواجهة تلك الظروف التي قد تقود البلاد للعودة إلى المربع الأول (الطريق المسدود) كما قالها زعيم حزب الأمة القومي الصادق المهدي، ويُفسِّر بعض المراقبين الحديث بأنه إقرارٌ بفشل حكومة الكفاءات ويقطع الطريق أمام الثورة المُضادة، ولذلك يحتاج المُصطلح إلى معيارٍ تعريفي وتحقيق على خلفية أداء الحكومة الانتقالية حتى الآن.

تَعبيرٌ غير مُوفّق

واعتبر المحلل السياسي د. عبده مختار في حديثه لـ(الصيحة) ما قاله محمد ضياء تعبيراً غير مُوفّق، وأضاف: (قرأت التعبير واندهشت جِدّاً)، وقال إنّ الوضع الآن مُختلفٌ وهِي مسؤوليتنا المُحافظة على الثورة وتحقيق أهدافها، ولا بُدّ من إعطائها الفُرصة للكفاءات الحَقيقيّة والخبرات المُناسبة لإدارتها والانتقال بها لمرحلة الثورة إلى الدولة.

وضعٌ مُختلفٌ

ويرى مختار أن المرحلة الآن مختلفة جداً ولا تحتمل وجود أشخاص في طور الانفعال وما شابه ذلك، وإنما يحتاج إلى تفكير هادئ وتَخطيط سَليم ورؤية وتَطوُّر حَول كيف تُدار الدُّولة وكَيف نعبر هذه المرحلة الانتقالية وتأسيس دولة مُستقرة ونظام سياسي وديمقراطية مُستدامة.. وليس التخوُّف من فشل التجربة التي أدت لاستعارة تلك المصطلحات، لجهة أنك لا تستطيع أن تحكم في شهرين أو ثلاثة، عن التجربة بالفشل، ولكن يمكن أن نقول هناك تخوف من بداية غير مطمئنة ويُمكن تَدَارُكها بمُعالجة الخلل الذي ظَهَرَ، حتى الآن الاختيار لم يكن مُوفّقاً في كل المناصب، هنالك بعض المناصب الاختيار كان فيه سليماً جداً ولكن بصراحة بعض المناصب ليست بالمُستوى.

عدم التوفيق

 وقال مختار: نحن لا يُمكن أن نبرِّر عملية التوازنات والمُحاصصات وتمثيل الفئات المُختلفة وتمثيل المرأة على حِسَاب الكَفاءات والخِبرات وعَلَى حِساب من هو أجدر بإدارة المرحلة بصورة أفضل والحفاظ على الثورة، لذلك أرى أن المُشكلة تكمن في عدم التوفيق للاختيار الصحيح السليم من الكفاءات وهم موجودون في داخل وخارج السودان ولكن لم يتم الاختيار بالصورة التي كُنّا نتوقّعها، هُنَالك مَا يَشبه الإحباط في هذه النُّقطة، ولِذلك يجب تَدارُك الوضع بأسرع ما يكون، وأضاف: كنت أتوقّع من مجلس الوزراء أن يقوم بتغطياتٍ مُختلفةٍ وتظهر منه مُبادرات سريعة من حيث تشكيل لجان استشارية من فنيين خبرات وتكنوقراط تُشكِّل أرذعاً فنية استشارية لوضع تَصوُّر ودراسة وبرامج مُناسبة للفترة الانتقالية، ولما بعد الانتقالية من أولوياتها تعد ملفات الأولويات المختلفة إعداداً سليماً،  أولاها السلام وبرنامج إسعافي اقتصادي، والخارجية وكذلك الخدمات والولايات والمحليات.

مُراعاة الدولة

ويقول المحلل السياسي والكاتب الإعلامي د. ربيع عبد العاطي لـ(الصيحة): أعتقد أنّ تلك المُصطلحات بعيدة كل البُعد عن مجال إدارة الدولة، وكَذلك بَعيدة جِدّاً عن سيادة حُكم القانون، وعن اللغة التي تكون بناءً عليه تسير الدولة، أو يصبح هناك مُجتمع يحترم الدولة، مُضيفاً أنّه على العُقلاء والحُكماء الذين يَنشدون استقراراً وسلاماً وأمناً عليهم التّحرُّك أمام هذه الفوضى.

 غير مُنضبط

ويرى عبد العاطي أنّ الحَقيقة، الذي يقول مثل هذا الحديث دائماً وهو قول غير منضبط، قد ينسى أنه وصل إلى درجة عدم الانضباط ولا يدرك أبعاده ولا نتائجه، ولذلك ليس هو الفشل، وإنما ما وراء الفشل وعدم اللا وعي.

مُصطلح مَفتوحٌ

ورُبّما قَد لا يقصد المُتحدِّث بحرفية التّوصيف وإنّما مجازاً واستعارة مُشابهة للوضع الماثل ودلالات المُصطلح بأن الحكومة تحتاج إلى أشخاصٍ أقوياء, ولكن عبد العاطي لا يرى ذلك حقيقة، ويقول: المظهر الآن دليل على أن الوضع يسير في اتجاه (الشفاتة) بمعنى الكلمة, وليس بدلالاتٍ أخرى أو تفسيرٍ يحتمل التورية بأنّه يُريد أقوياء, وإنما يُريد أن يكون هناك لا وعي ولا قانون أو عدالة، وأعتقد الآن أن ما يدور في الساحة السياسية تُؤكِّد كلمة (الشفاتة) الحقيقيّة وليس ما وراءها، وذكر أن معايير المُصطلح بأنه في حدِّ ذاته مُصطلحٌ مفتوحٌ للفوضى الخلاقة، وجزم بأن عبارة (الشفاتة) في المُجتمع السوداني تعني التصرُّف بغير مسؤولية وهي مُطابقة بصورة واضحة لكلمة الهمباته وغيرها من المُصطلحات، بمعنى أن تضرب يميناً ويساراً دُون مُراعاةٍ لأيِّ قواعد أو نظامٍ أو انضباطٍ، وبالتالي كلمة (شَفّاتَة) يُمكن أن تكون قريبة جداً لكلمة (هَمبّاتَة).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى