الفترة الانتقالية.. تداعيات الإصلاح السياسي والاقتصادي

تقرير: صلاح مختار

دفع قرار الحكومة برفع أسعار المحروقات إلى تحريك الشارع من جديد الذي رفع بعد عامين من الثورة إلى إحداث موجة ثورة عارمة لتتصدر الاحتجاجات واجهة المدن والأحياء كما أنه يتوقع أن تشهد البلاد أزمة معيشية ضنكة جراء العمليات الجراحية التي أجرتها الحكومة على الاقتصاد جراء انحسار عائد المدفوعات. ويتخوف مراقبون من السقوفات المفتوحة المبنية للمجهول للموجة الثانية دون اتفاق عليها من قبل القوى السياسية، فيما يحذر البعض من سيناريوهات غير متوقعة تحدث قد لا تحمد عواقبها إذا ما استمرت الدعوة إلى ما لا نهاية. وبدأ البعض يطرح عدة أسئلة ويضع علامات استفهام أمام تحركات الشارع غير أن البعض الآخر أراد استمرار الحراك إلى تحقيق شعاراته غير آبه بالنتائج. ويتحسس بأن محاولات التخويف والتخوين والتحذير، القصد منها إجهاض محاولات تصحيح ثورة ديسمبر.

مبني للمجهول

ولعل اكثر المتشائمين ينظرون إلى الدعوة بتغيير ثالث من زاوية أنها مبنية للمجهول وفي ذلك يقول نائب رئيس الحركة الشعبية قطاع الشمال ياسر عرمان إن الأسوأ من الاقتصاد الذي وصفه بالسيئ هو قيادة الشعب نحو المجهول برفع شعارات براقة غير محسوبة نتائجها بدقة مثل (تسقط تالت) و (تسقط لمن تظبط)، وقال (فنحن نخشى أن نسقط في حكم الشمولية وأن تظبط على ساعة الشمولية لا ساعة الجماهير). ورغم أنه مقر بأن الوضع الاقتصادي في البلاد سيئ، ولكنه يرى أن الثورة المضادة الأسوأ.

وقال عرمان في منشور على حسابه الرسمي على (فيسبوك)، (الوضع الاقتصادي سيئ والإذلال والمهانة لا يستحقها شعبنا، كذلك الجوع والتجويع الممنهج لضرب القاعدة الاجتماعية للثورة)، وأضاف (لا بد من مصارحة شعبنا بجميع أوضاعنا والعمل معه لتغيير وإصلاح أوضاعنا السياسية والاقتصادية). ونوه عرمان إلى أن قوى الثورة والتغيير تحتاج إلى حوار وإلى جبهة سياسية موحدة وإلى تضامن إقليمي ودولي مساند للانتقال، وإلى أولويات واضحة وقيادة منسجمة تنتمي إلى الشعب وقائمة على الحرية والسلام والعدالة والمواطنة بلا تمييز. وأضاف (يجب أن نفرز ونميز بين قوى الثورة وقوى الثورة المضادة، وأن نفارق الدرب والطريق الذي يلمنا مع قوى النظام القديم، فهم من طينة ونحن من طينة آخرى)، ويقول (إننا لا نحتاج إلى ثورة أخرى أو انقلاب آخر وإنما بحاجة إلى مواصلة وإصلاح الثورة، ولن يصلح الثورة إلا من قام بها، والجماهير هي صاحبة الثورة). ونوه إلى أن الثورة لا تقبل الاحتكار والمصادرة. وقال (كذلك سلطة الثورة، هي سلطة الشهداء والجماهير لا تقبل الاحتكار والتمكين البديل).

استعدادات بالتنحي

رد الفعل ما جاء في رد عضو المجلس السيادي الفريق ياسر العطا الذي أبدى استعداد المكوّن العسكري التنحي عن الحكم غدًا، حال أرادت الحاضنة السياسية ذلك، وقال إنّ الدعوات إلى تنحيهم ليست بحاجة إلى مظاهرات أو 30 يونيو و”قومة نفس” ـ بحد تعبيره. وبرر العطا بحسب صحيفة الانتباهة، بأنّ السودان يعاني من مرض اقتصادي مزمن، يحتاج إلى جراحةٍ مؤلمة، وأنّ الزيادات الأخيرة كان لا مفرّ منها، من أجل تعافي الاقتصاد. وحاول عطا طمأنة قوى الثورة بالقول ” نعلم تمامًا معاناة الشعب السوداني، وفي هذا المقام نحن نعتذر له، وأطمئن كلّ كياناته، وكل جماهير الثوار بمختلف المسميات، وكذا الأحزاب المندّدة بالقرار داخل الحرية والتغيير، وأحزاب اليسار وغيرهم، بوجود معالجات للاقتصاد بدأت تظهر وأنّ هناك بارقة أمل في التعافي والحل قريبًا”.

سقوف مفتوحة

هنالك من انتقد قرار الحكومة زيادة أسعار الوقود، ورأى أن مواجهة القرار تتمثل في ضرورة حمل الحكومة على تغيير سياساتها ولكن الحزب الشيوعي فله رأي مخالف، إذ قال عضو اللجنة المركزية للحزب كمال كرار، إن الشعب لن يرضى بأن تهزم الثورة وتجهض، وقادر على إسقاط هذه الزيادة والميزانية, واعتبر الزيادة تفاقم أزمة الاقتصاد وترفع معدلات التضخم لمعدلات قياسية مما يعني ارتفاع الأسعار بصورة كبيرة. وزاد (كأننا نعيد سياسة النظام البائد وهذا النوع من سياسة البنك الدولي يحطم الاقتصاد في الدول النامية وهذا البرنامج الاقتصادي نقيض للبرنامج الثوري وبرنامج الحرية والتغيير وهذا يعني أن الحكومة معادية للثورة). كذلك كان تجمع المهنيين السودانين قد دعا هو الآخر إلى الخروج إلى الشوارع لإسقاط الحكومة؛ رفضاً لقراراتها الأخيرة.

استغلال متعمد

بعض القوى السياسية التي هي جزء من الحاضنة السياسية للحكومة حملت لواء دعوة الإصلاح، بيد أن بعض المناوئين للحكومة كالحركة الإسلامية المحلولة دعت السودانيين للخروج للشوارع من أجل إسقاط الحكومة، وقالت في بيان إنه من الواجب على الجميع رفض ما أسمته السياسات الرعناء والخروج إلى الشوارع؛ حفاظاً على أمن البلاد واستقرارها. وحثّت الحركة من بيدهم مقاليد الأمور من العقلاء المسؤولين عن أمن البلاد وسيادتها بألّا يتأخروا في الاستجابة لمطالب الجماهير، مشيرة إلى أنه إكمالاً لمسلسل الفشل في إدارة الشأن العام؛ ها هي الحكومة تُعلن أسعاراً جديدة للمحروقات فاقت كل تصوّرات المتشائمين، وتحدد أسعاراً خيالية وليست نهائية.

مناخ مؤاتٍ

واعتبر المحلل السياسي إبراهيم محمد الدعوة في هذه المرة تختلف عن المرات السابقة رغم أنها تستند على نفس المبدأ الذي أدى إلى التغيير في ديسمبر. وقال: دعوات الاحتجاجات ستجد مناخ موات للتعاطف والخروج فيها بسبب الازمة الاقتصادية والتي قصمت ظهرها رفع الدعم عن المحروقات وقال لـ(الصيحة) الحكومة اهتمت بتنفيذ السياسيات التي وضعها صندوق النقد الدولي دون التفكير في المعالجات ودون مراعاة التأثيرات الواضحة لتلك السياسيات على معظم السودانيين، وأضاف أن غياب الدور الرقابي للحكومة التي تركت كلّ يعمل على شاكلته دون محاسبة أو رقيب تركت آثاراً سالبة لدى المواطن الذي ظل يكتوي بالسياسات الاقتصادية دون بارقة أمل. وقال إن لم تتدارك الحكومة تلك الآثار التي بدأت تظهر من الانفلات الأمني وغيرها ستكتب نهايتها بيدها، ورأى أن الذي يخرج لا يرى البديل بقدر ما يخرج الهواء الساخن والغبن الذي بدأ لدى البعض، ولا يستبعد محمد أن تستغل بعض القوى مثل عناصر المؤتمر الوطني وغيرهم من الذين أصابهم إعصار تفكيك التمكين من الخروج والتعبير في ذلك اليوم.

شرارة الثورة

ويقول الناطق الرسمي باسم الكتل الثورية السودانية، فتحي إبراهيم، إن دعوات الاحتجاجات والتظاهرات هذه المرة لن تكون عابرة كما في المرات السابقة، وهذا يعود إلى أن الأحوال المعيشية أصبحت ضائقة بشكل يصعب على المواطن تحمله. وأضاف في حديثه لـ”سبوتنيك”، أن زيادة أسعار الوقود ستكون نتيجتها ارتفاع أسعار كل شيء بلا استثناء، فليس لدينا سكك حديدية لنقل البضائع والأشياء من الشرق إلى الغرب أو العكس أو من الشمال إلى الجنوب، ونحن نعتمد على السولار في كل شؤون حياتنا اليومية، لذا فإن رفع سعره بتلك النسبة يعني الدمار الشامل للسودان. وتابع إبراهيم: الوضع الرقابي في السودان، لا توجد به آلية حاسمة لضبط الأسعار، كل تاجر يبيع بالسعر الذي يريد، وتلك كارثة تهدد حياة المواطنين وتزيد من معاناتهم، لذا تعددت دعوات الخروج إلى الشارع لإسقاط الحكومة، حيث دعا الحزب الشيوعي وتجمع المهنيين، بجانب أسر الشهداء، وكل الشعب اليوم ينتظر ويسعى لإسقاط تلك الحكومة، وهناك دعوات لتشكيل حكومة ظل، أما ما نسمع عنه من تحالفات مؤيدة للحكومة عبر مواقع التواصل، هي دعوات باهتة لا تستند إلى شعبية على الأرض.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى