تخطت  العقبات الاجتماعية والثقافية لإثبات ذاتها

 

ستنا  بدري..  أول  سودانية تقتحم مجال الرسم والفن التشكيلي

تعد المرأة السودانية  في كل أحوالها الحياتية والعلمية والثقافية والابتكارية أنموذجاً مشرقاً للإبداع في كل مناحي الحياة، فالإبداع والقدرة على الابتكار وإيجاد الحلول للمشكلات والقدرة على التجديد والتحديث والتطور في المجتمع الإنساني ـ في تقديري ـ يشمل كل معطيات حياتنا، وقدرة المرأة السودانية  تجاوز التحديات وتخطي العقبات الاجتماعية والثقافية لإثبات ذاتها وجدارتها وقدراتها الفائقة على الصمود هو منتهى الإبداع.

مكان الريادة والقيادة:

تعتبر ستنا بابكر بدري أول امرأة سودانية تقتحم مجال الرسم والفن التشكيلي, حيث كانت تسكن في البوستة بأم درمان وتحديداً في حارة الشيخ دفع الله، حيث دار الشيخ بابكر بدري، في عام 1936م. انتقلت ستنا بابكر بدري إلى الخرطوم وواصلت تعليمها حتى المرحلة الثانوية ومن ثم تم قبولها بقسم التصميم بالمعهد الفني، إلا أن والدها بابكر بدري بالرغم من أنه كان رجلاً مستنيراً وسابقاً لزمانه في نظرته للمرأة فقد أنشأ أول مدرسة لتعليم البنات في السودان في عام 1907م بمدينة رفاعة ما جعل المرأة السودانية في طليعة النساء العربيات المتعلمات، وبرغم وثوقه من موهبة ابنته الباكرة إلا أنه لم يستطع أن يقف في وجه تقاليد ترى في التعليم المختلط على العرف السوداني.

نقطة تحول:

على أن الشيخ بابكر بدري استطاع بحكمته وإيمانه العميق بموهبة ابنته الباكرة أن يجد الحل بالتعاقد مع أحد المدرسين البريطانيين بالمعهد الفني فكانت ستنا بابكر تذهب برفقه أخيها يوسف بابكر لتلقي دروس الفن في محل إقامة الأستاذ الإنجليزي بالفندق.

في عام 1955م سافرت ستنا بابكر بدري برفقة زوجها محمد عبد الكريم بدري إلى الولايات المتحدة. وهنالك التحقت بمعهد (فينسكي) بولاية كاليفورنيا فتعلمت فنون النحت على الحجارة والنحاس والمطاط والزجاج المدروش. تقول ستنا بابكر بدري عن المعهد: (أكسبني كل هذه الفنون الراقية ويعد نقطة تحول كبيرة في حياتي لأنني بعد تخرجي أقمت معرضين عرضوهما في التلفزيون الأمريكي فعرفني بعدد كبير من الأمركيين الذين كانوا يأتون لمنزلي لشراء لوحاتي).

السفر لأمريكا:

عندما توفي والدها  فقد كانت والدتها آنذك تلح في السفر إلى أمريكيا لتلتقي بأخي الذي لم يستطع الحضور، وفي ذلك الوقت كان الحصول على تأشيرة زيارة إلى أمريكا صعباً لأبعد الحدود لكن ستنا بابكر قد تمكنت عن طريق علاقتها بـ(باتريشيا) الدبلوماسية في السفارة الأمريكية بالخرطوم تمكنت من الحصول على موافقة السفر على منح أمها التأشيرة. ومن ثم رأت ستنا أن تدعو باتريشيا لتشرب معها الشاي كعنوان من العرفان بالجميل.

 

كلية الفنون الجميلة:

عندما عادت ستنا بابكر بدري من أمريكيا التحقت بكلية الفنون الجميلة لدراسة المنسوجات وتلوينها وزخرفتها وهي المادة التي تقوم بتدريسها بجامعة الأحفاد للبنات, جعلت ستنا بابكر بدري من صالون بيتها متحفاً صغيراً يحوي مختلف (الأناتيك) التي تؤسس التراث السوداني، إلى جانب الأزياء التي تميز كل منطقة من مناطق السودان المتعددة السمات.

بصمة واضجة:

كما أن لها بصمتها الواضحة في تصميم رسومات وأشكال الثوب السوداني، كانت تعكف ستنا بابكر على سلسلة إصداراتها، فهي فنانة مثقفة لم ترض لنفسها التقوقع والاكتفاء بعلم الفن وحده وتسعى دائماً وفي كل الأوقات للتزود بكافة ضروب المعرفة والعلم.

تتميز ستنا بابكر بدري بالتقائية والبساطة والعفوية وليس لها شاغل بـ(القطيعة) فلا تهدر طاقتها في الحقد أو إسقاط الآراء السلبية على من حولها ما أبعد عنها شبح الشيخوخة وأضفى عليها نضارة الشباب.

 

العالم السحري:

وتقول عنها الأستاذة بدور عبد اللطيف (الفن التشكيلي…الغناء والموسيقى…ا لأدب شعره و نثره وجانبه الروائي والقصصي.. كل هذه الجماليات تأتي من رحم الموهبة، وهي منحة ربانية اختص الله بها بعض الناس. على أن هذه المنحة مثل النبات إذا لم يُتعهّد بالعناية والرعاية فإنه يذبل ويموت. تحكي “ستنا” عن بداياتها في التسلل إلى ذلك العالم السحري… عالم الفن والإبداع فتقول: “اكتشفت موهبة فن الرسم في دواخلي عندما كنت أجلس مع جدي “الصديق مدني” الذي كان يعشق الرسم وكان يستخدم “القشة” ويرسم بها على الرمل وكنت أقلده، ومن هنا بدأت تتشكل في دواخلي ملامح هذا الفن الجميل”.

تكريم الحاجة ستنا بدري:

كرم الاتحاد الفدرالي العالمي للاقتصاد المنزلي ومدرسة العلوم الصحية بجامعة الأحفاد للبنات الأستاذة ستنا بابكر بدري والأستاذ حمزة مدثر الحجار أستاذ مادة الرياضيات بجامعة الأحفاد لدورهما الفعال. حيث نظم الاتحاد ندوة حول المسنين تحت شعار (أبداً لا يفوت الأوان لرفاهية المسنين: رؤية الاقتصاد المنزلي)، وقد قام بالتكريم الراحلة بروفسير صديقة عبد الرحيم وشي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى