وفي التاريخ مندي ومهيرة ورابحة.. البرهان يفتح العرين للمرأة

الخرطوم ـ الصيحة

حِينما أعلن رئيس مجلس السيادة، القائد العام للقوات المسلحة، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، خلال مُخاطبته ضباط وضباط صف وجنود منطقة أم درمان العسكرية، الأربعاء الماضي، أنّ الانضمام للكلية الحربية سيُراعي مسألة القومية والتمثيل العادل لكل الأقاليم، وأكد أن الفرصة باتت مُتاحة أمام النسوة للالتحاق بالكلية، كان كمن يقلب صفحة عانت فيها المرأة من ظلم كبير، ويفتح صفحة بيضاء تدعم حق المرأة في الحصول على الوظيفة التي ترغب فيها.

ورغم أنّ القوات المسلحة وعلى مدى تاريخها، ظلّت تمنح النساء فرصاً لارتداء البزة العسكرية وتزيين أكتافهن بالرتب التي وصلت حتى رتبة فريق، إلا أن إعلان الفريق أول البرهان كان فتحاً جديداً كون أن تَواجُد المرأة لم يكن كبيراً واقتصر في غالبه على العمل المكتبي بعيداً عن ساحات القتال.

مخزون وافر

وبالتأكيد، فإن قرار البرهان وجد أصداءً كبيرة على الأصعدة السياسية والفئوية، فقد أكد الأمين العام للحركة الشعبية شمال ياسر عرمان في حديث لـ(الصيحة)، ترحيبهم الكبير بقرار القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان بفتح باب التجنيد في الكلية الحربية للنساء السودانيات ليس فقط في الوحدات الفنية، ولكن في المشاة، وقال “هذا من قبل حرم القوات المسلحة من الاستفادة من قوى وطنية هائلة ممثلة في النساء ولم يعط القوات المسلحة الأبعاد الإنسانية الوطنية الكاملة باستبعاد مخزون وطني وافر متمثل في النساء”.

توازن

ولفت عرمان إلى أن حديث البرهان حوى نقطة مهمة أيضاً بحديثه عن مُراعاة التوازن وجذب جميع أقاليم السودان، مشيراً الى ان القوات المسلحة كانت تتكون في الماضي من جميع أقاليم السودان، مبيناً أن 21% من القوات المسلحة كان من جنوب السودان بينما كان 34% من قوام القوات المسلحة من إقليم دارفور و13% من النوبة، مشيراً الى ان إعادة التوازن وإصلاح القطاع الأمني والعسكري يعتبر الطريق والمدخل للدولة المدنية وتحقيق الديمقراطية ووحدة السودان، وقال “القوات المسلحة يجب أن تبنى على أساس المصالحة الكاملة مع الشعب السوداني”، وأضاف “ما أضر بالقوات المسلحة إلا حروب الهامش، ويجب أن تخرج القوات المسلحة من حروب الهامش”.

المصالحة

ولم يَعفِ عرمان، القوى السياسية من مسؤولية ما تم في القوات المسلحة على مدى التاريخ السوداني الحديث، مبيناً أن القوى السياسية كانت مسؤولة أيضاً بدفع القوات المسلحة للقيام بانقلابات، واعتبر أن أمام القوات المسلحة الآن فرصة حقيقية للمصالحة مع الشعب وإعادة إنتاج نفسها وإعادة إنتاج السودان للوصول لمشروع وطني حقيقي نهايته قيام الدولة المدنية والديمقراطية، معتبراً أن ذلك لن يتحقق إلا بحوار حقيقي وتسوية حقيقية بين المدنيين والعسكريين، واكد ان هذه التسوية لم تتم حتى الآن وان لم تتم لن تنجح الفترة الانتقالية، مشيرا الى ان كل ما يحدث من سلام ومن وثيقة دستورية يجب تطويره في إطار تسوية حقيقية تؤدي إلى تحقيق دولة مدنية ديمقراطية، قاطعاً بأن دخول النساء على أعلى المستويات في القوات المسلحة هو خطوة في هذا الطريق.

حق
وفي ذات الاتجاه، اعتبرت القيادية النسوية أمل هباني أن دخول النساء للقوات المسلحة بعدالة سيكون مدخلاً لإصلاح القوات المسلحة، غير أن أمل قطعت ابتداءً في حديث لـ(الصيحة) أمس بأن دخول النساء للمؤسسة العسكرية حق لهن وليس منحة، وقالت “حديث البرهان عن استيعاب النساء هو خطوة في إعادة هذا الحق المفقود، خاصة إذا علمنا أن النساء الآن موجودات ولكن بأعداد قليلة داخل المؤسسة العسكرية”.

استهداف

واعتبرت أمل أن قلة عدد النساء في المؤسسة العسكرية حالياً تم بعد أن مارس نظام الإنقاذ عليهن استهدافاً ممنهجاً وتآمراً كبيراً لإبعاد العنصر النسائي، وقالت “أذكر أن الجيش مارس في وقت سابق تمييزا سلبيا ضد المرأة عندما أعلن عن وظائف أطباء واشترط قبول الرجال لها فقط دون النساء، وكانت حجتهم أن الحاجة التي يطلبها الجيش تتطلب السفر إلى مناطق النزاع، ولكن دفعنا لهم حينها بأن المرأة قادرة على العمل في مناطق النزاع، كما أن ذات مناطق النزاع هذه توجد بها نساء، وبالتالي فإنهن في حاجة للرعاية، لكن تلك كانت العقلية الإقصائية الممنهجة الموجهة ضد المرأة”.

كسب

وترى أمل أن قيادة الجيش العليا باتخاذها قرار إعادة حق النساء في دخول الكلية الحربية تريد أن تكسب بوجود العنصر النسائي داخل المؤسسة، مشيرة إلى أن تصوير الأمر على أنه جديد ليس حقيقياً، لأن هناك من النساء في المؤسسة العسكرية من وصلن إلى رتبة فريق في الجيش ولا تزال هناك رتب عليا موجودة، مبينة أن وجود المرأة داخل الكلية الحربية انقطع بمجئ الإنقاذ لأسباب أيديولوجية للعهد البائد كانت تحارب وجود المرأة في كل الميادين.

خطوة في درب الإصلاح

واعتبرت أمل هباني، أن عودة الحق المسلوب من المرأة خطوة جيدة ستُصب إيجاباً في مصلحة القوات المسلحة، لجهة أن الجيش به مشاكل كبيرة، أهمها البون الشاسع بينه والمُواطنين الذين يرون فيه الجهة التي حاربتهم في مناطق عديدة، فضلاً عن كونه ضالعاً في فض اعتصام القيادة، ولذا فإن وجود المرأة داخل المؤسسة العسكرية من شأنه العمل على إصلاحها من واقع أن النساء عادةً ما يكون لديهن التزام كبير تجاه المهنة، فضلاً عن أن الجيش كمؤسسة لديه من القواعد المهنية والاحترافية ما أن طُبِّقت سيكون نصيراً للشعب وقريباً منه، باعتبار أن الجيوش منوط بها حماية الشعوب.

صدى عالمي

وربما لم يقتصر الترحيب بقرار الفريق أول البرهان على الداخل فقط، فقد اعتبرت وكالة أنباء المرأة العالمية “جينها” القرار بمثابة النصر، مبينةً أنه أصبح بإمكان النساء في السودان ولأول مرة منذ الاستقلال عام 1956 الالتحاق بالكلية الحربية، إذا ما طُبِّق قرار التحاقهنَّ بالكلية التي لطالما اعتبرت مكاناً لا يجوز للنساء الاقتراب منه. ولفتت الوكالة إلى أنه وبعد الثورة التي أطاحت بنظام البشير، انفتحت البلاد على العديد من المجالات، وأصبح بإمكان النساء الانخراط في العمل السياسي، والاجتماعي والعسكري أيضاً.

رائدات

ولم يكن وجود المرأة في ضروب العمل العسكري جديداً، فقد خلد التاريخ من قبل الميلاد هزيمة الكنداكة أماني ريناس لجيش روما العظمى، ومنعه من احتلال “كوش” السودان القديم. كما اشتهرت في غزو الاستعمار التركي مهيرة بت عبود التي شاركت في معركة كورتي ضد الحملة التركية، فضلاً كما تعتبر الأميرة “مندي” إحدى رائدات البطولة والنضال في الربع الأول من القرن العشرين ضد المستعمر البريطاني، حيث تصدت ببسالة للقوات التي هاجمت منطقتها ومنعت عنهم مصادر الماء، وخلد لها على أثر ذلك أجمل وأقوى مارش عسكري ما زال يردد حتى اليوم كما تمضي سيرة رابحة الكنانية ناصعة، إذ تعتبر أول شهيدة في الثورة المهدية وهي التي تسلّلت خِلسةً من منزلها في جنح الظلام وجرت تسابق الريح من جبل فنقر حتى قدير ووصلت لمعسكر الإمام المهدي قبيل صلاة الفجر، لتحذره من تحرك قوات راشد بك وفاضت روحها إلى بارئها كأول اِمرأة استشهدت في الثورة المهدية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى