هاشم كمشاك يكتب : القوات المسلحة منّا ولنا وليست علينا

هنالك حالة من الارتباك في المشهد السياسي وخلافات بين مكونات السلطة ومن الأجسام المشاركة فيها وتبادل للاتهامات بالفشل والتخوين والقفز من المركب الذي بدأ بالغرق نتيجة عاصفة الغلاء والتضخم والفشل الإداري وغياب الرؤية وأزمات الوقود، الغذاء والدواء، ولكن ما يواجه كل هؤلاء هو بعد المسافة بين القارب والشاطئ أغلب من فيه لا يجيدون السباحة في بحر السياسة ونسوا نتيجة الاستعجال ارتداء سترات النجاة،  لذا فالكل في ورطة والكل يرسل نداء استغاثة لكن من خلال مجموعته، لكنها لا تصل للدفاع المدني، أقصد المجتمع المدني الذي ينظر إليهم بشماتة ويطالبهم بالصبر على البلاء  وانتظار الدعم القادم من الأصدقاء وخاصة وأن المركب نفسه صناعة أوروبية ومصمم للعبور والصمود أمام العواصف ولديه قبطان مؤهل لكنه تفاجأ بالعدد الزائد من الركاب وغابت عنه خارطة الطريق والخلافات بين الركاب.

مع  كل الاحترام للرأي، المشكلة ليست في شخص حمدوك المشكلة في غياب الرؤية والبرامج والاتحاد والولاء والوطنية والانتصار للأيدولوجيات المنتهية الصلاحية اليساري منها واليميني، وتسويق لآمال غير قابلة للتحقّق والمشكلة تكمن في المواطن السوداني نفسه غير المنتج والكثير التنظير ومحتواه من الأنانية في تنامٍ وفي حقد وحسد وجهوية وعنصرية متبادلة وأحلام اليقظة تتقدم خطاه دون بذل أو مجهود يذكر، يسعى لكي يثري وميكافلي الفكر والسلوك وترك الأخلاق جانباً، وكل هذا نتيجة غياب القدوة من القيادات السياسية الذين يكذبون بصدق وغابت عنهم الشفافية والصدق معاً وهم من أسقطوا القيم والقانون وهيبة الدولة.

إذاً نحن الآن في ورطة حقيقية، وفي غياب تام عن الوعي والإحساس بحجم الخطر القادم، وخروج القرار وتسربه من بين أيدينا عبر محترفي العمالة والموالين للغير وهم لم ولن ينكروا ذلك، وتحت عناوين وشعارات الحرية والديمقراطية وكل عاقل يعلم أن الحرية والديمقراطية والجهل لا يلتقيان كما لا يلتقي الجوع والإيمان. وكلنا نعلم أن الآلية الآن هي ما يسمى منظمات المجتمع المدني المنتج البديل للأحزاب والكيانات والأجسام السياسية وهو يراهن ويستغلها ويستثمرها الغرب الآن والآلية التي بها يحقق أهدافه .

لكي يتحقق الاستقرار، لا بد أن ندعم مؤسساتنا الأمنية والعسكرية وأن نتوقف عن التسويق الذي يسعى لشيطنتها، وأن تكف الأحزاب كلها عن السعي لاستقطابها واختراقها وأن تترك للقيام بواجبها وهي من تمثل شرف الدفاع عنا أرضاً وعرضاً وكرامة، ثم يسعى البعض الآن لتجريمها واتهامها بعدم المهنية والسعي لإعادة هيكلتها وكلنا نعلم معنى ومعاني إعادة الهيكلة وهو مسمى فضفاض محتواه الكثير من الأجندة الخبيثة التي لا تخدم إلا مصالح من يريدون إضعافنا ويسهل عليهم أجندة التقسيم ويحقق لهم أطماعهم في أراضينا ومواردنا، وكلنا نعرف من هم، وهم لم ينكروا ذلك، ويأتي البعض منا ويدعم بأن يوجه سهام نقده وغدره  للقوات المسلحة حتى ينكشف ظهر الوطن ويستباح إنسانه وأرضه وقيمه وتاريخه وإرثه ويتهدد بقاؤه، وكل هذا إرضاء لفكر أو أيديولوجية أو انتقاماً أو ثارًا لمقتل أو استشهاد ضباط تم إعدامهم على أيدي ضباط من القوات المسلحة نفسها، إذاً هنا من الجاني ومن الضحية.. الضحية هنا القوات المسلحة والجاني هنا الأحزاب التي قامت باختراق البعض من ضباط القوات المسلحة والبداية كانت على يد حزب الأمة والحزب الشيوعي ثورة مايو وما لبث أن انقلب عليهم جعفر نميري ثم أتت محاولة الشهيد هاشم العطا وبابكر النور وفاروق عثمان حمد الله وكل هؤلاء ضباط في القوات المسلحة للانقلاب مجدداً على النميري وفشلت المحاولة وكانت حياة هؤلاء هي الثمن نتيجة لاختراق الأحزاب للقوات المسلحة وتكرر المشهد مرة أخرى وكانت الضحية أيضًا القوات المسلحة حين دفعت ببعض من استقطبتهم من الضباط للقيام بانقلاب الثلاثين من يونيو ونجحت في ذلك وأقصت من شاركوهم في العملية وغدرت بهم، ألم تكن القوات المسلحة ضحية استغلال الأحزاب أيضاً؟ ثم يتكرر المشهد مرة أخرى ويدفع ضباط شباب حياتهم ثمناً وهم الثماني وعشرون ضابطاً الذين تم إعدامهم ودفن بعضهم أحياء ألم يكونوا ضباطاً في قواتنا المسلحة والتي يسعى البعض لتفكيكها الآن، ألم يكن هؤلاء ضحايا العمل السياسي والاختراق الفكري والأيديولجي؟ أليس من الغريب أن نسمي حكم هؤلاء بحكم العسكر، ولكن حقيقة من يحكم هم الأحزاب ويحملون وزر فشلهم وفسادهم للعسكر، لماذا يسمي كل حزب من استشهد أو أعدم وهو يحمل فكره أو عقيدته بأنه شهيد، أما البقية فلا ناسين أو متناسين أنهم كلهم ضباط في القوات المسلحة وكلهم أعزاء لنا وإخوة لنا ومنا وفينا وكلهم يمثلون قمة العطاء وبلا حدود حزينون جميعاً لفقدهم جميعاً لأنهم ضحايا الفعل السياسي.

نحن بحاجة لكي نحصن القوات المسلحة وننأى بها عن السياسيين وخبث السياسة ونحتاجها القوة الحامية للحق والبقاء، نحتاجها الدرع والحصن الذي يقينا لا لدعاة إعادة الهيكلة ولكن مع دعاة دعمها والارتقاء بعقيدتها القتالية وأن تنال حظها من التقدير والاحترام وأن نقول لا للتشخيص الخاطئ الذي يحملها وزر كما قلت أوزار مدعي السياسة وممارسي الانتهازية أصحاب أجندة التدمير الممنهج للثوابت، وهذا الأمر يشمل كل الأجهزة الأمنية التي تشكل جهاز المناعة للوطن وإنسانه وموارده بالعلم والمعلومات والتشخيص العلمي ويشكل امتدادًا للرؤية لصانع القرار.. علينا أن نمارس الإنصاف وأعطاءهم ما يستحقون من دعم وثقة، لأن بهم تتشكل الوقاية والحماية والعلاج المؤسس على حقائق وهم أهلًا للتشخيص المهني حماية للوطن لا لتنظيم وحفظاً لقيم ومقومات وطن، علينا أن نعيد تعزيز الثقة فيهم، ونقول: لا لسعاة تخوينهم، هم قادرون على العطاء بتجرد ولا ينتظرون شكراً أو حمداً من أحد، وطبيعة عطائهم سمته الصمت، لكنه يزعج ويعكر صفو وأفكار أصحاب أجندة التآمر والعمالة وذلك لأن الأداء الصادق والمهني للأجهزة الأمنية يكشف ويعري ويفضح، وهذا ما لا يريده قادة تيار الوهن والسقوط والتقسيم للوطن .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى