محمد احمد تميم يكتب : استفاقة الثوار

 

قطعاً أن ثورة ديسمبر عظيمة والعظمة لله, سيما أنها محطة من محطات حياة الشعب السوداني مكتوب عليه المرور بها ضمن سلسلة محطاته التي آخرها الموت. وما أجملها محطة!! جاءت برداً وسلاماً على الشعب من هجير ثلاثة عقود تجرع فيها نقيع الحنظل. كبت وظلم وحرمان واضطهاد. ولولا لطف الله عليهم وآخرون من بعده – لهم دور الأبطال والشجعان – كانوا شركاء هذا النجاح حيث أنهم لم يأبهوا بالمخاطرة والمردود الاحتمالي!! بانحيازهم إلى الشعب عامة والثوار بصفة خاصة في تحقيق هذا المجد. بعضهم من هو بائن وظاهر للعيان وآخرون أصفهم بالأبطال الوطنيين والشرفاء لأنهم أنجزوا وانجروا نحو الظل وتركوا غيرهم يظاهر بالفعل, وتارة يتبين ذلكم المجد لأنفسهم حصرياً (عشنا وياما حنشوف).

ثلاثون عاماً كانت ضغطاً على نفسيات الشعب ولولا هذه الثورة لتحولوا الى حالة نفسية جماعية، بيد أن بعضهم ضعف أمام هذا الضغط وتحول إلى لحم وعظم ودم مع غياب العقل وأصبح من حصيلة (المجانين) وما أكثرهم. وآخرون لاذوا فراراً بالاغتراب عن أرض الوطن, حيث لم أجد تفسيراً لهذا الاغتراب إلا هروب وفرار من الضغوط وآخرون حدث ولا حرج بما يخدش الأخلاق ووجه الأدب وهلم جرا..

في رواية من نسج خيالي وتصوري: تحضرني قصة ثائر من رحم ديسمبر مغوار على وطنه حقق ثورته العظيمة متفائلاً مع اخوته الثوار على وتر التغيير. حيث انه كان متفائلاً بالأحزاب التي فرضت نفسها وقيادات كثر لامعين وراء ذلك التغيير. اتخذهم مثلاً أعلى وتوجه بتوجيهاتهم واستلهم شعاراتهم البراقة, يوماً بعد يوم وذلك عبر اللقاءات في دورهم مباشرة وعبر الميديا والصحف. تلقى موادا جميلة رائعة ظاهرها عج بالوطنية وتحقيق أهداف الثورة حينها كان سكراناً لم يكترث الى باطنها. حتى رأى أن الأمر قد طال وانقضت سنين على الثورة – الزمان نفسه الزمان والحال كما الحال وأسوأ؟؟!! فكأنك يا أبوزيد ما غزيت ولا شفت الغزو بعينك..!!

بدأ يتلمس ملامح الوصول والشمس آفلة والطريق قاب قوسين أو أدنى أن يرى.. فساقته ضالته الى قارئة الفنجان كانت تجلس إلى قارعة الطريق. فجلس اليها وقال: سيدتي قد حال بيني وبين أهدافي ظلام كثيف, عدت لا استطيع الرؤية ضائعة علينا ملامح الوصول. لا أدرى هل في طريقي الى الوصول أم أنني قد حل الظلام أو سوف أعبر وسوف أنتصر؟!! سيدتي اقرأي الفنجان!! نظرت اليه نظرة ثاقبة وقالت: يا ابني مالك ممكون, ممكون!! غائب عنك عقلك ممسوس بجنون!! وما بك ابني هكذا مخمور؟ نصيحتي إليك استفق مما تعاطيت وعد إلي باكراً ولا تمر على خمارة ذلك البيت المهجور..!!

قولي إلى الثوار رفقاء المجد في ديسمبر العظيم افسيستفيق الثوار؟ فهناك معلم مضل يكرس كل جهده ويستخدم قدراته في استنزاف واستخدام الثوار بإفراغهم من محتوى الثورة الى خامة تستخدم في تحقيق أغراض شخصية لا تمت الى الوطنية بشيء أو صلة!! وإنما ترمي الى خاصته والوطن إلى الجحيم؟؟ وبهذا العقار الذي يقدمه إلى الثوار بعلمية يجعلهم سكارى يدورون حول فلكه بإدمان لتصبح أيها الثائر والثائرة مدمناً بامتياز.. فهذه الأفكار التي يقدمها ظاهرها كالعروس ولكن يبث في داخلها سموما للوطن في أنانية منقطعة النظير ومنهج منظم ومرتب يوصله الى نعيم فكره وأنت إلى ووطنك الى مزبلة التاريخ!! والشكر إليك باعتبارك سلم الوصول..

فهذا المعلم المضل يجيد استخدامك وذكي مترصد الأحداث ليتكون رأي عام حول قضيته وصرفك عن قضيتك الأساسية المتجسدة في التغيير وتحقيق أهداف الثورة ولا يستطيع ذلك إلا عبر موقف قوي يجعله من خلال قدراته موقفاً يخاطب غرائزك ويجعله رأياً عاماً للنشر المتاح!! تهتز وتدمع عيناك وهو يبتسم بأن سخرك لصالحه؟! كاستخدانم الشهداء وسيلة لتحقيق أهدافه لا أهداف الثورة في حين أن موقف الشهداء بالأحرى في مصفوفة الثورة هو محطة من محطات مقاصد وـهداف الثورة كما درجت الثورات في العالم..

كثوار وشعب بصورة عامة وآل شهيد لابد ان نتحسس ما هو أكثر وقعاً وإيلاماً لأنفسنا سقوط شهيد خرج من منزله مقدماً نفسه ضحية في أعظم موقف تاريخي لنجاح الثورة وتعزيزها وتحقيقها أم اختطاف وسرقة الثورة نفسها “الهدف نفسه” فهؤلاء الشهداء هم السابقون الأبطال الأفاضل, ألف ترحم على أرواحهم لقد جسدوا أدب الشجعان وأرسوا دروساً للشعب السوداني تظل راسخة في الأذهان محفورة في الدواخل بإزميل الخلود, حقهم علينا ألا ننتقم لهم انتقاماً بقدر ما نجعل حول قبورهم الورود والأكاليل حباً لصنيعهم “استشهادهم” وإقامة احتفالات الذكرى تخليداً لهم وتحقيق أهدافهم التي استشهدوا من أجلها كرماً لهم فهم من فضلوا الشهادة ليهنأ الشعب السوداني والثوار بأهداف ثورتهم فلابد لنا ان نكترث لما نقوم به من جراء إشاعة ذلك المعلم المضل الذي لم نجد منه لعامين سوى مزيد من الفقد والاستشهاد ولابد لنا ان نفيق من العقاقير والسكر ولعل من قبل أيادي ماهرة تصرفنا من أهداف ثورتنا وقضايانا الوطنية ببالونات لا تجدي نفعاً يوم الحساب.

ودمتم فائقين من سكركم آمين..

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى