سراج الدين مصطفى يكتب : نقر الأصابع

 

عبد الكريم الكابلي:

خاطب الكابلي في غنائه العديد من جوانب الحياة التي تتصل في خصوصيتها بالسودان وفي عموميتها بالمبادئ الإنسانية الخيرة. غنى لأهمية نهضة المرأة وللأطفال الذين يقتلون في مناطق عديدة من هذا العالم وغنى لمناوأة الحروب وأسلحة الدمار ولمواجهة نفاق السياسة وسماسرتها كما غنى لأهمية الحفاظ على البيئة، وكان وما زال الغالب على غنائه الغناء للحب والجمال. ولم يقف النشاط الإبداعي للكابلي عند الشعر والغناء إذ شارك بالعديد من الأطروحات المكتوبة في المؤتمرات والندوات الفنية الثقافية باللغتين العربية والإنكليزية إلى جانب المقالات ذات المواضيع المتنوعة والتي يتم نشرها في الصحف من وقت لآخر.

دكتوراه فخرية:

ويرى الكابلي أنّ الفنون الخيرة على اختلاف ألوانها هي الروافد الفاعلة المؤثرة التي تثري وجدان الثقافة. أما الثقافة التي يعترف بها الكابلي فهي الناتج الأخلاقي للمعرفة وبالضرورة، وما عدا ذلك علم ومعرفة ودراية وفهم ودراسة تقصر جميعها عن المدلول الانطباعي للثقافة وهو التشذيب والتهذيب. وفي شهر مايو من العام (2002) منحت جامعة نيالا بإقليم دارفور الفنان عبد الكريم الكابلي درجة الدكتوراه الفخرية في الآداب.

ناجي القدسي:

حينما نسمع أغنية بقامة الساقية أو حمام الوادي أو سلم بعيونك أو خليتني ليه عشت الشقا، لا بد أنها تستوقفنا وتدهشنا وتصل بنا إلى آخر حدود الطرب، تلك الأغنيات وغيرها تؤشر على عبقرية الموسيقار ناجي القدسي، هذا الرجل النحيل الذي ضخمته أغنياته التي قام بتلحينها، ناجي القدسي ملحن من طراز الجمال والمغايرة، جملته الموسيقية غير مكرورة، ألحانه لا تشبه بعضها مطلقاً، فهو يختلف عن الملحنين بأنه يضع لحناً لا يشبه الآخر في شيء غير الروعة والتطريب العالي.

وجدان مبعثر:

بدقيق العبارة يمكننا أن نصف ناجي القدسي بأنه صاحب وجدان مبعثر ما بين السودان واليمن رغم (الموتيفة) السودانية ذات اللون الأسمر التي تسكن ما بين كل مازورة وأخرى في أغنياته وألحانه.. القدسي نفسه يقول (أنا حياتي قامت على فكرة (البعثرة).. ولعله ذلك التميز في الجنسية منح الرجل اسمين.. فهو في السودان يطلق عليه (ناجي القدسي محمد أحمد علي إسماعيل) وفي اليمن السعيد (ناجي محمد عبد الله علي الهيثمي).

ارتبط ناجي القدسي بمدينة كسلا لأنها موطن والدته، ولكنه تنقل في عدة مدن في هذا السودان ما بين عطبرة وسنار وكسلا، وهذا التنقل كان له تأثيراته التي ظهرت من بعد على ألحانه وأغنياته، وهو يقول (أنا لو قالوا لي اختار أجمل مدينة في العالم فلن أتردد وأقول سنار، لأنها مدينة جميلة في كل تفاصيلها ويكفي أنها علمتني بداية اللحن والعلاقة مع الموسيقى.)

تأثر بعميد الفن:

تأثر ناجي القدسي جداً بالأستاذ الراحل أحمد المصطفى.. ويحكي القدسي عن سبب تعلقه بأحمد المصطفى ويقول (تعلقت بألحانه لأنه كان أجمل من يقدم موسيقى سودانية في تركيبتها الأساسية وهو من أفضل الذين عزفوا على العود واستخرج منه ألحاناً في غاية الروعة والإدهاش، وأحمد المصطفى فنان لا مثيل له وهو لوحده فنان نخبة.. وأنا يا عزيزي كنت أعشق هذا الفنان لدرجة الوله فهو لم يكن فناناً مغنياً فقط، ولكنه كان فناناً في كل شيء، في طريقة أناقته وملبسه وطريقة كلامه وطريقة إدارته، لقد كان رجلاً متكاملاً والكمال لله وحده.

مع أول الفنانين:

أول الفنانين الذين التقى بهم ناجي القدسي كان هو الفنان الفنان أبوعركي البخيت الذي لمس فيه مقدرات هائلة وكبيرة وكان تغنى وقتها للملحن أحمد زاهر “بوعدك يا ذاتي” وغنى لمحمد الأمين طريق الماضي ولكن أبوعركي هذه الأغنيية لم يتحسسها جيداً رغم روعة وجمال لحنها الذي جسد فيه محمد الأمين كل مقدراته اللحنية المهولة.. أبوعركي غنى له أغنية “جسمي انتحل” وبعدها اختار أن يتعلم منه كيفية التلحين. فقدم له نصائح عديدة وأصبح بعدها ملحناً له خصوصية وشخصية.

أغنيات كبيرة:

بعد أبوعركي البخيت وأغنية “جسمي انتحل” جاءت فترة تعاونه مع الفنان حمد الريح وكانت أغنية “الحقيقة” هي من أول الأعمال ولكن حمد الريح لا يغنيها وفي تلك الفترة أخذ قصيدة “الساقية” من عمر الطيب الدوش وكان ذلك في العام 1969 وهذه الأغنية لحنها ناجي القدسي لمحمد رودي ولكن لبعض الظروف السياسية وقتها لم يغنيها وردي.. ولكن الدوش في ذلك الحوار الإذاعي الشهير قال بأنه كتب الأغنية ليغنيها وردي ولكنه لا يعلم الظروف والأسباب التي جعلت ناجي القدسي يعطي الأغنية لحمد الريح.. بالمناسبة العلاقة بين الدوش وحمد الريح  لم تكن على ما يرام..

حالة ندم:

في مرة سألت الراحل ناجي القدسي وقلت له هل أنت نادم على هجرتك من السودان؟ فقال لي الرجل والدمع كاد أن يطفر من عينيه (أنا في حالة ندم تام وحزن كبير على كل الوقت الذي أهدرته في اليمن لأنني فقدت الغذاء الروحي ولم أستطع أن أقدم أعمالاً غنائية جديدة للبلد الذي غنيت له:

تقول لي من بكرة.. مهاجر لوطن تاني

دا أنت القلت ما بتفوت.. وطن بالعزة رباني..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى