الترتيبات الأمنية.. ثغرات تُهدِّد اتفاقية السلام

 

تقرير: صلاح مختار

حذرت (5) من الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق السلام في جوبا في أكتوبر الماضي من أن عدم تنفيذ بند الترتيبات الأمنية يهدد بنسف العملية السلمية ويعيد البلاد إلى مربع الحرب من جديد. في حين انتقد خبراء عسكريون في وقت سابق اتفاق الترتيبات الأمنية، باعتبار أنه لم يرسم خارطة طريق واضحة بشأن آليات الدمج والتسريح وعدم تحديد مواقع بعينها لتمركز القوات الجديدة، مما يفتح الباب على مصراعيه لوجود قوات تلك الحركات في قلب الخرطوم والمدن الأخرى، مما يضاعف هشاشة الوضع الأمني الذي تشهده البلاد, غير أن الحركات المسلحة في بيانها الممهور بتوقيع حركتي “تحرير السودان” و”العدل والمساواة” و”التحالف السوداني” و”تجمع قوى تحرير السودان” وحركة “تحرير السودان المجلس الانتقالي”، حمل المكون العسكري في الحكومة الانتقالية مسؤولية عدم إنفاذ بنود الترتيبات الأمنية رغم مرور 7 أشهر على توقيع اتفاق السلام. مما بعطي إشارات سالبة لعملية التفاوض التي تجري الآن في جوبا مع حركة عبد العزيز الحلو والاتصالات مع حركة عبد الواحد نور.

إذا عدنا لتنفيذ بند الترتيبات الأمنية، تعتبر ثغرة في اتفاق السلام التي بها تكتمل عملية السلام.

خطوة واحدة

البيان الصادر من الحركات أشار إلى أن الحكومة ممثلة في المكون العسكري لم تخطُ خطوة واحدة لتنفيذ بند الترتيبات الأمنية، متخذة سياسة كسب الوقت منهجاً، وصناعة حركات أخرى ديدناً بغرض تعقيد المشهد العسكري وتخريب السلام، وممارسة ذات ممارسات النظام السابق في هذا الملف الخطير بهدف إعادة البلاد إلى مربع الحرب لتستمر المعاناة والموت والدمار. وأضاف: “من خلال هذه الممارسات تأكد لنا أن الحكومة ممثلة في المكون العسكري غير جادة وغير راغبة في تنفيذ بند الترتيبات الأمنية”. واتهم البيان الحكومة كذلك بالتماطل في عدم تشكيل الآليات، و”المراوغة” في تشكيل القوة المشتركة لحفظ الأمن والدعم اللوجستي، وعدم اتخاذ خطوات جادة لإصلاح الأجهزة الأمنية في كل المستويات لتعكس تنوع الشعب السوداني. وأشار البيان إلى أن تنفيذ اتفاق الترتيبات الأمنية يحتاج إلى قرارات من رئيس مجلس السيادة وذلك بإشراك قادة الحركات المسلحة في إدارة الأجهزة الأمنية في البلاد على المستوى السياسي والتنفيذي في أعلى المستويات، وذلك بتعيين وزراء دولة في وزارتي الدفاع والداخلية وتمثيل “عادل” في هيئة قيادة الأركان المشتركة وقيادة هيئة الشرطة وقيادة الأمن والمخابرات و”الدعم والسريع”.

عقلية التخوين

رد مستشار رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، العميد الطاهر أبو هاجة على حركات الكفاح المسلح مسار دارفور، بشأن تحميلها المكون العسكري في الحكومة مسؤولية تأخر تنفيذ بند الترتيبات الأمنية في اتفاق جوبا للسلام. نافياً وجود علاقة مباشرة للمكون العسكري والقوات المسلحة كمؤسسة ببند الترتيبات الأمنية في اتفاق جوبا للسلام. وقال في منشور على الصفحة الرسمية للقوات المسلحة، إنه لا توجد علاقة للمكون العسكري والقوات المسلحة كمؤسسة ببند الترتيبات الأمنية. وطالب بوضع عقلية التخوين وطرق التفكير السالبة أرضاً، وأكد أن لا أحد يريد أن يهضم أو يسلب حقوق الآخرين. وقال: الترتيبات الأمنية عملية فنية احترافية، وهي أساس اتفاق جوبا وهي مهمة موكلة لجهات مختصة محترفة من طرفي التفاوض ولديها لجان مختلفة تؤدي دورها في صمت ومسؤولية, ليس مفيداً أن تناقش مسألة الترتيبات الأمنية عبر الصحف والوسائط الإعلامية المختلفة لأنها مسألة حساسة مرتبطة بأفراد وقوات بطرفي التفاوض سواء الحكومية أو قوات الحركات الموقعة. ورأى إن بناء القوات وخطوات وإجراءات الترتيبات لا تحتمل التشويش والعمل  الإعلامي الضار في هذه المرحلة التاريخية الحرجة التي تمر بها بلادنا.

التفكير السالب

وقال أبوهاجة إن طرق التفكير السالبة من الأفضل أن نضعها أرضاً فلا أحد يريد أن يهضم أو يسلب حقوق الآخرين واتفاق جوبا اتفاق تاريخي لم يحدث أن التف السودانيون منذ الاستقلال حول السلام وأشواق دولة المواطنة كما حدث بعد ديسمبر، وما حدث بعد اتفاق جوبا، مبيناً:  هذا الإنجاز يجب أن نحافظ عليه بالعقل والحكمة، وتداول المسائل الأمنية داخل مؤسساتها المختصة وفي غرفها وليس على الهواء الطلق, مبيناً: هنالك لجان مكونة لتنفيذ بند الترتيبات الأمنية بعضوية الحركات الموقعة تحت إشراف السيد وزير الدفاع كما أن هنالك لجنة عليا لمتابعة تنفيذ الاتفاق أيضاً بعضوية السادة قادة الحركات الموقعة وقادة الأجهزة الأمنية سبق أن وضعت مصفوفة تنفيذها وقامت بمناقشة أمر تأخير إجراءات الترتيبات الأمنية وتوصلت إلى حقيقة أن سبب التأخير هو الوضع الاقتصادي وصعوبة توفير الدعم المالي المطلوب.

ثغرات واضحة

انتقاد بطء إنفاذ الترتيبات الأمنية لم يكن وليد اليوم، فقد حذر منها كثير من المراقبين باعتبار أن الاتفاق في نفسه توجد به ثغرات واضحة أدت إلى ظهور حالات من الانفلات الأمني وغيرها من الظواهر السالبة لوجود القوات المصاحبة للحركات بالعاصمة, وسبق أن أبدت حركة تحرير السودان قيادة مني أركو مناوي، تململًا حيال تأخر استكمال مؤسسات الحكم الانتقالي بعد ستة أشهر من توقيع اتفاق السلام الشامل، كما انتقدت بطء تنفيذ بند الترتيبات الأمنية، وقالت إن كل ذلك يعيق تنفيذ اتفاق السلام. وقال المتحدث باسم الحركة، الصادق علي النور، في بيان: مرت ستة أشهر بالتمام على اتفاق جوبا ولم يتم استكمال هياكل الحكم الانتقالي. أما بند الترتيبات الأمنية فيحيطه جمود شديد مع رصدنا لمظاهر إعادة تنشيط مليشيات النظام البائد كما أن تأخر انعقاد مؤتمر نظام الحكم الفدرالي وتعيين حكّام الأقاليم والولاة وغير ذلك لا يساعد في العمل الجاد لتنفيذ اتفاق جوبا”. وأضاف: “هذا وغيره يوحي بنوايا التمسك بالحكم الفردي على حساب المؤسسات، وهذا بدوره يقود لفقدان الثقة التي توفرت بعد عسر”.

تحشيد القوات

أشار مراقبون إلى وجود ثغرات كبيرة في اتفاق الترتيبات الأمنية وحملوا الحركات المسلحة مسؤولية عدم تنفيذ بنود الاتفاق. ويرى المختص في الشئون العسكرية د. أبو بكر آدم أن الحركات تتحمل جزءاً من عملية البطء، ورأى ان محاولة “تضخيم قواتها” من خلال التحشيد والتجنيد وبيع الرتب وإرباك المشهد الأمني من خلال إدخال وحدات مسلحة تابعة لها في مناطق مدنية حساسة في قلب العاصمة الخرطوم خصمت جزءاً من رصيدها، وقال لـ(الصيحة)، إن اتفاق الترتيبات الأمنية يشكل معضلة حقيقية في إنفاذ الترتيبات الأمنية، وقال إن المعضلات أدت إلى تاخير إنفاذها، ونوه إلى أن معضلة التمويل التي حذرت منها الحركات كانت سبباً في ذلك بجانب أن الحركات نفسها لم تهيئ نفسها في وقت محدد لتجميع قواتها بل ظلت تقوم بعمليات تجنيد بين المدنيين في المدن حتى تكبر كومها من القوات. واعتبر تلك عملية معيبة، وجزم بأن عدم وجود مواقيت محددة للترتيبات الأمنية بالإضافة إلى توزيع المعسكرات وعدم توفر التمويل كان سبباً في ذلك.

ولكن آدم لفت إلى أن عدم الوصول إلى اتفاق مع حركتي الحلو وعبد الواحد قد يكون السبب في عدم تنفيذ الترتيبات الأمنية، ولاحظ أن بعض الحركات متسرعة في إنفاذ الترتيبات الأمنية ومتخوفة مما يجري في جوبا.

تفاصيل واضحة   

وحدد بند الترتيبات الأمنية المضمن في اتفاق السلام 39 شهراً لعملية الدمج والتسريح المتعلقة بمقاتلي الحركات المسلحة مع تشكيل قوات مشتركة من الجيش السوداني والشرطة والدعم السريع لحفظ الأمن في ولاية دارفور والمنطقتين تمثل فيها قوات الحركات المسلحة بنسب تصل إلى 30 في المئة، لكنه لم يتضمن تفاصيل واضحة عن أماكن التجميع ولم يحصر أعداد القوات التابعة لكل حركة قبل عملية التوقيع.

ويعزو مبارك بخيت مسؤول ملف الترتيبات الأمنية في مسار دارفور سبب تأخر تنفيذ بند الترتيبات الأمنية إلى عدم استعداد الطرف العسكري في الحكومة السودانية إداريًا ومالياً لمشاركة الأطراف الموقعة على اتفاق السلام في الوزارات والهيئات ذات الطابع الأمني مثل وزارتي الدفاع والداخلية وجهاز المخابرات العامة. ويقول بخيت لموقع سكاي نيوز عربية “رغم أن اتفاق السلام نص على توفير الدعم اللوجستي للحركات المسلحة بعد 72 ساعة من توقيع الاتفاق إلا أنه ليست هناك أي ميزانية للترتيبات الأمنية حتى الآن”.

ونفى بخيت أي مسؤولية للحركات المسلحة في تأخير تنفيذ الترتيبات الأمنية، وأوضح “لدينا قوات جاهزة ومتواجدة في مناطق الارتكاز المتفق عليها وهناك لجان خاصة بتنفيذ الاتفاق موجودة في الخرطوم”. وأشار إلى أن تأخير تنفيذ الترتيبات الأمنية سيؤثر على مجمل الاتفاق حيث أن تعدد الجيوش أصبح جزءاً من الأزمة الحالية التي يعيشها السودان. وشدد على ضرورة العمل الجاد من أجل تنفيذ بند الترتيبات الأمنية حسب الجدول الزمني المحدد في الاتفاق وتكوين جيش وطني موحد بعقيدة عسكرية واحدة وقوات شرطة تعكس التنوع السوداني وقادرة على إنفاذ القانون.

بيع الرتب

واعترفت عدة جهات موقعة على الاتفاق بتلك الثغرات، حيث أثار الهادي إدريس عضو مجلس السيادة ورئيس الجبهة الثورية في وقت سابق مخاوف حول مستقبل الترتيبات الأمنية. وقال صراحة وفقاً لما نقلته عنه وسائل إعلام رسمية، إن بعض الحركات المسلحة تعمل على بيع الرتب العسكرية بغية تضخيم عدد قواتها وبالتالي رفع ثقلها في المشاركة في عمليات الدمج داخل القوات المسلحة.  

لكن المحلل الإستراتيجي الأمني أمين مجذوب يرى أن اتفاق الترتيبات الأمنية تشوبه بعض النقائص، الأمر الذي ظهر من خلال وصول تلك القوات إلى الخرطوم قبل تحديد أماكن التجميع، مما يعتبر خطأ إستراتيجياً وأمنياً كبيرًا لأن مثل هذه القوات أتت من مناطق الصراع، وهي غير مدربة على البقاء في المدن، وبالتالي فمن الممكن أن تحدث بعض الانفلاتات”. وقال مجذوب لموقع (سكاي نيوز عربية)، إن هنالك نواقص إدارية كبيرة كان من الضروري الانتباه إليها قبل وصول تلك القوات، حيث “لا يوجد عدد كافٍ من المعسكرات المجهزة بشكل مهني” على سبيل المثال. ونبه مجذوب إلى حساسية المرحلة الانتقالية والضبابية التي تشوب مواقف قادة بعض الحركات المسلحة، وبالتالي “كان من الضروري وضع ترتيبات واضحة ومبنية على أسس مهنية من خلال تجميع تلك القوات في مناطق خلوية، وتجريدها من الأسلحة قبل البدء في إجراءات الدمج والتسريح، وفقاً للشروط والقواعد العسكرية المتعارف عليها”. ويشير مجذوب إلى ضرورة إجراء معالجات شاملة لكافة القوات المسلحة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى