صلاح شعيب يكتب.. صلاح قوش: بماذا تقايض حكومة حمدوك المصريين لتسليمه؟!

لم يمر في تاريخ الخدمة النظامية متعطش للدماء، ومسؤول متوحش عن قطاع أمني مثل صلاح قوش. تاريخه الدموي سيظل محفوراً في ذاكرة الناس حتى يُواجه العدالة سواء عاجلاً أم آجلاً. فترته في جهاز الأمن تُعد الأسوأ بما لا يُقارن، والتي قُتل خلالها مواطنون أبرياء في بيوت الأشباح، وقُذفوا بهم في العراء، وعُذب معتقلون بحرارة الشمس، واختفى مُعارضون سياسيون عن الوجود مرةً واحدةً، وتعرّضت فتيات معتقلات للاغتصاب، والتحرش الجنسي في أماكن سرية.

ومع ذلك سمح المجلس العسكري آنذاك بهروب قوش خارج البلاد بعد أن اعترض إجراءات النيابة التي سعت إلى القبض عليه.

لن تنمحي عن ذاكرتنا جرائم قوش الأخرى أثناء قيادته الجهاز الدموي، والذي من على سدته هدّد الشعب السوداني يوماً بتقطيع أوصال أبنائه، وبناته، لو طالب أحدٌ بتسليم البشير للمحكمة الجنائية الدولية. وهو ذات جهاز صلاح قوش القمعي الذي أسّسه الإخوان المسلمون بتسمياتهم المتعددة لإقامة دولة الإسلام في البلاد.

وقد استخدم الإسلاميون كل معارفهم عن أنواع التعذيب الذي تدرّبوا عليها في إيران لإرهاب بني جلدتهم من المعارضين السودانيين، واختراق ملماتهم في الداخل والخارج لخلق الفتنة السياسية، والاجتماعية، والعرقية. ورغم المحاولات التي بذلها الثوار لإعادة لحمة التعاضد السوداني لا يزال صلاح قوش، وجماعته يعملون ليل ونهار الآن على تعميق هذه الفتن حتى لا يستقر الوضع السياسي، والأمني، والاقتصادي.

ومع كل ذلك يُواصل الإسلاميون التذاكي العبيط الآن زلفى وملقاً بأنهم يتعرضون لانتهاك حرياتهم، وإبعادهم عن الخدمة المدنية، والقطاع الخاص. ذلك رغم أنهم يدركون تماماً أن غالب كوادر الخدمة المدنية، والقوات النظامية، هي من عضويتهم التي فضّل المسؤولون عن التغيير الاحتفاظ بها.

ولولا قيام لجنة لإزالة التمكين لمارس حمدوك، ووزراؤه، التطبيع السياسي والاجتماعي مع من أقالتهم اللجنة، بل إن البرهان وحمدوك ووزراءه، ومن عيّنهم في الوحدات الحكومية خذلوا الثوريين، والآن يدركون تماماً حجم الكفاءات الضعيفة من الفلول المنتمين للمؤتمر الوطني ويتسنّمون المواقع القيادية في أجهزة الدولة كافة.

يا لخيبة الذين ورثوا التغيير من المسؤولين الذين أتت بهم قوى الحرية والتغيير. فلو كانت لديهم مروءة تجاه تحقيق أهداف الثورة التي نصبتهم بدماء شهدائها، ومجهود جرحاها، ومفقوديها، لفرضوا عدم التعامُل مع مصر لو أنها لم تسلم صلاح قوش، وقيادات أخرى لعدالة البلاد، خصوصاً أن لدى الحكومة كروتاً كثيرة يمكن استخدامها في التعامل بالمثل مع مصر.

ومع ذلك يجد قوش، وقيادات من المؤتمر الوطني، في مصر مكاناً آمناً، ومرتعاً خصباً، لحياكة المُؤامرات ضد التغيير بينما كان يُخدِّرنا النائب العام السابق بين الفينة والأخرى أن الدولة قدّمت طلباً للانتربول بتسليم قوش للسودان.

لقد وجّه مسؤولون نظاميون في الدولة، اتهامات لقوش بضلوعه في عدد من المحاولات لتقويض الدستور، من بينها تخطيطه لتمرد هيئة العمليات السابق، وجاءت قضية الناشط أحمد الضي بشارة لتقدم الإدارة العامة للأدلة الجنائية مستندات تؤكد ضلوع قوش في العمل ضد الحكومة.

ليس هناك أيِّ حجة منطقية بألا تُمارس الحكومة، والمجلس السيادي في شَقّه المدني، أي ضغوط على الحكومة المصرية لتسليم صلاح قوش للعدالة لمُواجهة الاتّهامات بالجرائم الكثيرة التي ارتكبها أثناء فترتي تقلُّده مسؤولية أمن الإخوان المسلمين، والتي كان آخرها مسؤوليته عن إزهاق أرواح المتظاهرين في ثورة ديسمبر، أولئك الذين حصدتهم رصاصات أفراد الجهاز الأمني.

وللأسف لم يستطع النائب العام السابق الاهتمام بتعجيل القصاص في ما خص الشهداء، وقضى عامان من دون إكمال التحريات في هذا الملف.

الحكومة المصرية تستخدم الآن صلاح قوش عُنصراً للضغط على الخرطوم، وتَسمح له بمُمارسة اتّصالاته، ونشاطه الأمني، كما دلّت قضية أحمد الضي بشارة تورُّطه في العمل لإجهاض التغيير. وللأسف لم يصدر مَوقفٌ مُندِّدٌ على المُستوى الرسمي لهذه النشاطات المُضرِّة بأمن البلاد، واستقراره، في وقتٍ شهدنا تَقَارُباً بين الحكومة السودانية والمصرية في الفترة الأخيرة يستهدف التأثير على إثيوبيا في ما يتعلّق بقيام سد النهضة.

تاريخياً، لا ننسى وقفة الحكومة المصرية بجانب نضالات الشعب السوداني في الثلاثين عاماً الماضية. فقد وفّرت غطاءً سياسياً، وأمنياً، للمعارضة السودانية لكون أنّ كل كياناتها تؤمن بعلاقة وطيدة بين السودان ومصر: أساسها الاحترام المتبادل، وتعميق مصلحة الشعبين، وعدم التدخُّل في الشوؤن الداخلية لكل طرف.

احتفاظ بمصر بالإخواني العابر إجرامه للدول، والقارات، صلاح قوش، والذي شارك من قبل في مُحاولة اغتيال الرئيس المصري لا يخدم القاهرة كورقة ضغط على السودان بأيِّ تصور استراتيجي رأته.

على النقيض من ذلك، فإنّ مصر تدرك جيداً أممية فكرة الإخوان المسلمين التي تستهدف تحويل المنطقة على المدى الاستراتيجي إلى خلافة إسلامية خاصة بالإخوان المسلمين في كل قطر، وإذلال، واضطهاد، وتعذيب، بقية المواطنين على النحو الذي شهدناه في تجربة الإسلاميين الذين وظفوا الجهاز الأمني الإخواني في السودان لتدميره، ودعم الإرهاب الإخواني المصري، وفي مناطق أخرى. ولكل هذا يبقى في صالح الاستراتيجي المصري بألا تجعل القاهرة أرضها مَرتعاً للإخوان السودانيين، بمظنة أنّ ذلك يكسبها نقاطاً متقدمة في العلاقة الأزلية مع جارتها.

السؤال هو: متى يكون المكون المدني في السلطة السيادية والتنفيذية جَادّاً في الضغط على مصر لتسليم قوش ليُحاسب على جرائم جهازه الأمني البشعة التي ثكلت الأمهات لمدى ثلاثة عقود.؟

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى