خلافات قوى الثورة.. أزمة الانتقال السلس

تقرير- صلاح مختار

قال رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، إن التناحر بين قوى الثورة يجب أن يتوقف، وأكد تمسك المكون العسكري في الحكومة الانتقالية بالشراكة مع قوى الحرية التغيير وأطراف السلام، فيما دعت قوى إعلان الحرية والتغيير لحوار عميق يخرج باستراتيجية لمواجهة الصعوبات. وأكد البرهان لدى مخاطبته إفطاراً رمضانياً نظمه التجمع الاتحادي وحضرته مكونات الحكومة الانتقالية، أن المكون العسكري يعض بالنواجذ على الشراكة مع قوى التغيير ومصمم على إنجاز مهام الفترة الانتقالية. وشدد على ضرورة وحدة قوى الثورة، ممثلة في القوات المسلحة وقوى الحرية والتغيير والجبهة الثورية, إلى جانب إكمال هياكل السلطة الانتقالية وعلى رأسها البرلمان. وتابع (التناحر بين قوى الثورة يجب أن يتوقف لأن الفترة الانتقالية لا تحتمل. يجب أن تتوحد قوى الثورة، (الشينة والزينة)، لأن تشظيها يؤثر في السودان والثورة). وقال إن الحكومة الانتقالية ليست رهينة لأي تبعية أو حلف ولا توجد جهة في العالم تملي عليها للميل شمالاً أو يميناً، لكنها تفعل ما تمليه عليها واجباتها الدستورية.

وحدة أعلى

وحذر في ذات السياق، عضو مجلس السيادة ورئيس الجبهة الثورية الهادي إدريس من أن الخلافات بين أطراف الحكومة ستنهي الفترة الانتقالية بلا إنجاز يذكر. ونصح بأن تبدأ الوحدة من أعلى لأنه إذا لم يتوحد الحكام فلن يتوحد السودانيون. فيما شدد عضو الهيئة القيادية للتجمع الاتحادي جعفر حسن وممثل قوى التغيير على أهمية تماسك وانسجام قوى الثورة والابتعاد عن التخوين من أجل العبور السلس للفترة الانتقالية. ونبه إلى أنه (حال تشتت هذه القوى فلا يجب أن نلوم إلا أنفسنا). وأكد ممثل قوى التغيير كمال بولاد أن الفترة المقبلة تحتاج إلى حوار عميق بين قوى الحرية والتغيير والجبهة الثورية حول معالجة استراتيجية لمعاش الناس واستكمال مهام الفترة الانتقالية، مهما كانت الصعوبات والتحديات.

الانتقال السلس

هنالك شبه إجماع وقناعة بأن الخلافات بين القوى السياسية المشكلة للحاضنة السياسية أو قوى الثورة هي التي تضعف الفترة الانتقالية وتبطئ من وتيرة الانتقال السياسي السلس وبالتالي بدأت تلك القوى البحث عن مخرج للأزمة خاصة بعد أن بدأ الأمر يؤثر على الرأي العام الداعم للثورة، ففي الوقت الذي يدعو فيه البعض إلى إنتاج ثورة جديدة لتصحيح مسار الحكومة بات في حكم البعض بأن الوضع الحالي لا يمكن أن يستمر بهذا الشكل وتخوف من سيناريوهات أسوأ بما فيها الانقلاب العسكري، إذا لم تتحسن الأوضاع الاقتصادية أو السياسية كذلك هنالك استياء عام بسبب تدهور الوضع الأمني وازدياد حالات النهب المسلح والاضطراب القبلي مما يستدعي وجود قوانين تحسم تلك الفوضى وعلى ذلك النحو الحديث يتجه إلى إكمال مؤسسات الدولة والبدء في عملية الترتيبات الأمنية التي ظلت مكانها سر بالتالي إلى أي مدى يشكل غياب الرؤية السياسية لقوى الحرية والتغيير في تدهور الأوضاع الداخلية وهل تشكل الخلافات بين مكونات قوى التغيير عائقاً في التحول الديمقراطي؟.

غياب الرؤية

حزب الأمة القومي أول من استشعر بأن الطريقة التي تدار بها الحاضنة السياسية لا يمكن أن تقود البلاد للمستقبل القريب, وبالتالي توقعاته أن تضرب الخلاف بين مكوناته ويرى أن الانقسام أصابت تلك القوى كان بفعل غياب الرؤية الموحدة لتلك الحاضنة. وأكد حزب الأمة على لسان رئيس المكتب السياسي للحزب محمد المهدي لموقع (بالبلدي) أن الحاضنة السياسية للحكومة أصابها الانقسام وأصبحت بحاجة للم الشمل والإصلاح، مشيراً إلى أن حزبه اقترح مشروعاً أطلق عليه “العقد الاجتماعي الجديد”، كمبادرة تهدف إلى “جمع وحدة صف قوى الحرية والتغيير وتوسيعها من خلال آليات وميثاق جديد يتم الاتفاق عليه في مؤتمر تأسيسي يجري الإعداد له، بحيث تشمل هذه الحاضنة القوى السياسية والمدنية التي وقعت على ميثاق الحرية والتغيير ولم تشارك في الحكم الانتقالي، وكذلك القوى التي لم تشارك في النظام السابق، لكنها لم توقع على هذا الميثاق، فضلاً عن قوى الكفاح المسلح التي جمدت عضويتها في قوى الحرية والتغيير منذ فترة”.

إعادة هيكلة

ورسم حزب الأمة للخروج من تلك الأزمة مشروع العقد الاجتماعي، وقال المهدي “فكرة هذا المشروع تقوم على إعادة هيكلة الحاضنة السياسية لتضطلع بدورها الأساسي سواء في الإسهام في إيجاد حلول للأزمة الاقتصادية المركبة، أو تكملة أجهزة ومؤسسات الحكم المعطلة وهي المجلس التشريعي، وإعادة النظر في مجلس السيادة، وولاة الأقاليم بعد توقيع اتفاقية السلام مع الحركات المسلحة في العاصمة جوبا مطلع أكتوبر الماضي”. وقال “بالتأكيد هناك خلافات داخل قوى الحرية والتغيير، لكنها ليست مبنية على الموضوعية بقدر المصلحة، كونها وجدت وضعية تمكنها في فترة الانتقال، لأن عملية المشاركة في أجهزة ومؤسسات الحكم لم تكن مرتبطة بمعايير الأوزان الحقيقية للمكونات السياسية والمدنية، حيث لم تفكر بعض هذه المكونات في الأضرار التي تحل بالبلد نتيجة هذا الخلل، وقد اتضح لها في نهاية الأمر أن القرار مختطف لجهة بعينها”. وأرجع رئيس المكتب السياسي في حزب الأمة ما حدث إلى التقديرات الخطأ لقوى الحرية والتغيير بأن موضوع السلام يجب أن يستكمل في ستة أشهر، وتشكيل المجلس التشريعي بعد 90 يوماً من توقيع الوثيقة الدستورية في 17 أغسطس2019.

أزمة ثقة

ولكن المحلل السياسي د. أبو بكر آدم يرى في حديث لـ(الصيحة) أن ما تعانيه الحاضنة السياسية تكمن في أزمة ثقة بينها وبين القوى المشكلة لها وبين المكون العسكري والمدني من جهة أخرى, إذا أضفنا لها وجود حركات الكفاح المسلح كمكون جديد يضاف إلى المسرح السياسي, وفي كلا الحالتين فإن خروج معظم القوى المشكلة للحاضنة السياسية دليل قاطع على وجود معضلة حقيقية وسرطان في جسم الحاضنة أدى للوصول إلى هذا المستوى من التردي. وقال: لعل تمثيل الحزب الشيوعي بأنه خارج اللعبة وإنه لا يشارك في الحكومة التنفيذية فيه نوع من السذاجة السياسية التي لا يتصورها العقل, فيما هو يلعب دور الحاكم والحكومة والمعارضة في نفس الوقت, ويريد من خلال وجوده في عملية إضعاف الحكومة ومحاولة تغييرها بأخرى تنفذ أجندته وبالتالي لا يستبعد أن الحزب وراء كثير من التأثيرات السلبية سواء كانت سياسية أو أمنية بالبلاد. وأضاف أن الخلافات بين تلك القوى بالتأكيد ستؤثر على الفترة الانتقالية, وجزم بأن الحاضنة الآن عبارة عن أسماء لقوى سياسية دون فعل يذكر، وبالتالي خلافاتها أضرت كثيرًا بالمواطن السوداني الذي قاد الثورة وتحمل من أجلها الكثير وأضر بأداء الدولة ولذلك لا بد من رؤية جديدة تستوعب كل المكونات ولا بد من حاضنة جديدة تشارك فيها الحركات المسلحة لاستكمال الفترة الانتقالية ويرى أن جهود إعادة هيكلة قوى الحرية والتغيير ربما تكون مفيدة، لكن حالة الضعف الداخلي كبيرة.

تأثير كبير

من جهته، قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة أفريقيا العالمية في الخرطوم محمد خليفة صديق: ما تعاني منه الحاضنة السياسية له تأثير كبير على أوضاع البلد، من ناحية أن للحاضنة دوراً في رفد الحكومة بالأفكار والبرامج، ومعلوم أن قوى الحرية والتغيير تكونت من أجل الإطاحة بالنظام السابق، ولم يكن في بالها تسلم السلطة بهذه السرعة، بالتالي لم تكن مهيأة للعب هذا الدور. وقال لنفس الموقع السابق نذكر جيداً قول رئيس الوزراء عبد الله حمدوك في بداية توليه منصبه بأن الحاضنة السياسية لم تسلمه أي برنامج لحكومته، لذلك كان برنامجها قائماً على ارتجال أو اجتهادات من الوزراء أو رئيس الوزراء).

وأشار صديق إلى أن تشرذم هذه الحاضنة جعلها غير قادرة على مواكبة هذه المرحلة بشكل جيد، لذلك من المهم جداً التفكير في معالجة أوضاعها، لأن “المعالجات التي تمت كانت ترميمية وليست جذرية للإشكال الكبير الذي تعاني منه الحاضنة. فالأمر ربما يقتضي جلوس المكونات السياسية والمدنية مع بعضها في محاولة لملمة الإشكاليات المختلفة، لكن من المهم اصطحاب كثير من الجهات التي كانت قريبة من النضال السياسي، والتي ربما أثرها أكبر من هذه الحاضنة مثل شباب الثورة ورجالاتها”.

ضعف داخلي

ويرى صديق أن العلاقات بين مكوناتها فيها إشكاليات مختلفة، فمثلاً هناك اختلاف حول مسألة العلاقات مع إسرائيل والتعامل مع الملف الاقتصادي، وكذلك ملف العلاقات الخارجية، وكثير من القضايا الداخلية كإزالة التمكين. ولفت إلى أن إعادة الروح والحياة لقوى الحرية والتغيير تحتاج إلى جهد استثنائي ونشاط سياسي وحوار، وقد يكون من المناسب عقد مؤتمر موسع تقدم فيه أوراق علمية جادة تضع حلولاً للإشكاليات المطروحة، وخريطة طريق للعبور من هذه المرحلة التي طال أمدها، فكلما وقع فصيل على اتفاق السلام زاد من عمر المرحلة الانتقالية، وهو ما أخر تسلم المكون المدني رئاسة مجلس السيادة حتى الآن.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى