الانتقالية.. معيقات وتحديات التحوّل الديمقراطي

تقرير- عوضية سليمان

دعا حزب الأمة القومي إلى إعادة النظر في الشراكة بين مكونات الحكم بصورة تجعلها شراكة حقيقية في كل القضايا بدلًا من الشراكة الصورية، وطالب الحزب بضرورة تكملة مؤسسات الانتقال لتسهل عملية التحول الديمقراطي كما طالب الحزب في بيان صحفي بإعادة بناء مجلس السيادة وتكوين المجلس التشريعي باعتباره الجهاز المنوط به مراقبة أداء الجهاز التنفيذي.. المتابع لمسيرة ميلاد هذه الحكومة يجد أنها تضم فصائل حزبية مختلفة في صورة للحكم بالمحاصصة الحزبية وبرئاسة عبدالله حمدوك، ومن المقرر أن تشرف على ترتيبات السلطة التي جرى التوافق عليها بين المؤسسة العسكرية والحركة المؤيدة طرأت عدة أسئلة، ماذا فعلت الفصائل داخل المؤسسة العسكرية أو المعارضة الإسلامية أو مجموعة المتمردين المتنوعة المتباينة لتعمل في نهاية المطاف على منع الانتقال إلى الديمقراطية في إطار الانتخابات المقررة في عام 2022 ومنذ تشكيل الحكومة الجديدة كان المزاج في العاصمة الخرطوم جائشاً متحمساً فيكشف الوزراء عن مقترحات سياسية جديدة وبدأت المحادثات مع المتمردين أما الأحزاب الإسلامية التي شكلت ركيزة أساسية للنظام السابق فقد جرى حظرها ودفعت إلى العمل السري. بينما تدور المنافسة بين منظمات المجتمع المدني والجنرالات للفوز بالدعم الشعبي.

وضوح الرؤية

خطوة حققتها الحكومة المدنية بقيادة رئيس مجلس الوزراء عبد الله حمدوك بإزالة اسم السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب وتشكل هذه الخطوة مثالاً على تحقيق الإنجازات في القطاع العام لا يتحقق بدون إرادة سياسية صلبة تستند إلى معايير موضوعية أهمها وضوح الرؤية تحديد الأهداف حشد الموارد التنفيذية والتقسيم المستمر هذه الخطوط العامة وغيرها ساهمت في الوصول إلى هذا الإنجاز المستحق والذي يشكل نقطة فارقة في مشروع الانتقال الديمقراطي على أهمية هذا الإنجاز كونه يساهم في جدولة ديون السودان لدى المؤسسات المالية العالمية وبالتالي على قروض تنموية واستثمارات أجنبية لكن التحول الديمقراطي لن يتحقق بهذا الإنجاز فحسب بل هنالك مطلوبات داخلية لحصد ثمار الانفتاح على العالم الخارجي أهمها على الإطلاق إصلاح القطاع العام وهو مصطلح مختصر لعمل تعويض وشيك يتضمن تشريح مؤسسات الدولة بما فيها المؤسسات العسكرية والأمنية ومراجعة مهامها واتساقها مع المشروع السياسي للانتقال الديمقراطي أيضا يشمل إصلاح القطاع العام مساقاً مهماً وهو التغيير النظمي ويهدف إلى تغيير سلوك وثقافة العمل عبر مراجعة مهام مؤسسات الدولة وربطها بالأنشطة اليومية ولم يشمل قوى الحرية والتغيير معيار أدى إلى التغيير التنظيمي في ترشيحاتها للمناصب القيادية بل استندت فقط إلى المحاصصة السياسية بالنظر لواقع الإصلاح المؤسسي في السودان يمكن اعتبار لجنة إزالة تمكين نظام الإنقاذ واسترداد الأموال التي انشئت بناء على قانون تفكيك نظام الإنقاذ 2019 نموذجاً لاستحداث مؤسسي مواكب لرؤية سياسية تصب في صميم التحول الديمقراطي فقد نص الاتفاق السياسي على تفكيك أوصال النظام السابق بما يسمح ببناء لبنة الانتقال الديمقراطي وأن محاولات السلطة التنفيذية فرض ولايتها على الشركات الاستثمارية التابعة للقطاع الأمني تنضوي تحت هذا النهج على الرغم من معاندة القيادة العسكرية في عضوية المجلس السيادي لولاية وزارة المالية على الشركات العسكرية إلا أن التشريع الأمريكي المسمى قانون التحول الديمقراطي والشفافية المالية في السودان لسنة 2020 والذي يشترط سيطرة المدنيين على أموال وأصول الأجهزة الأمنية والعسكرية وإدخال الإنفاق العسكري ضمن ميزانية عامة يشكل مساهمة حقيقية نحو إصلاح مؤسسي جذري في السودان، فما زال حجم الإنفاق العسكري من أسرار الدولة التي ينبغي للمواطنين والمراقبين معرفتها وتتبع مساراتها بالنظر إلى التحول الرقمي وهو مساق تنتهجه أغلب الدول التي تسعى لتطوير اقتصادها عبر تجويد أداء الإدارة العامة، فقد خصصت السلطة الانتقالية هيئة معنية بهذا الأمر وهي الهيئة القومية للمعلومات وذلك لدعم الحكومة الانتقالية تقنياً نظراً لأن السودان يقبع في ذيل قائمة النزاهة العالمية تحديداً في القطاع العام فإن قضية مكافحة الفساد لم تجد بعد الاهتمام اللائق من القيادة السياسية خلافًا لما سبق، ولا تبدو في الأفق أي مبادرة للإصلاح المؤسسي وإدارة التغيير فأغلب مؤسسات الدولة تفتقر إلى مواقع إسفيرية تعكس أنشطتها دعك عن تقديم خدمات إلكترونية أيضًا مؤسسات مهمة كديوان المراجع العام، هيئة الحسبة والمظالم ديوان الضرائب، وغيرها من المؤسسات مازالت تعمل بنفس النسق القديم على سبيل المثال التحصيل الضريبي.

النخبة الانتقالية

ومن خلال مقاربة تحليلية أجرتها قناة الجزيرة، تشير إلى تلمُّس تحديات وآفاق التحول الديمقراطي في السودان في أعقاب نجاح ثورة ديسمبر 2019. نجد أن الحكومة الانتقالية الحالية قادرة على الانتقال من مرحلة الثورة إلى مرحلة وضع السياسات الهادفة إلى إحداث قطيعة مع إرث الأنظمة الاستبدادية السابقة وتمكين ثقافة الانتقال الديمقراطي؟ أم أن النخبة الانتقالية الحاكمة ستعيد إنتاج أخطاء التجارب الانتقالية السابقة دون تجاوزها؟ وإذا كانت الإجابة سالبة، فما العوائق التي تعترض سبيل تنفيذ برنامج الثورة الذي تمَّ صَوْغُ خطوطه العامة في الاتفاق السياسي والوثيقة الدستورية المجازة في 17 أغسطس 2019؟ ويرى الباحثان الدكتور أحمد إبراهيم أبوشوك والدكتور صلاح الدين الزين محمد أن عددًا من العوائق التي تقف في طريق الفترة الانتقالية (2019-2022)، وتتجسَّد في ضعف بنية الدولة السودانية نفسها، وغياب الرؤية الوطنية الجامعة التي يمكن أن تُشعر كل الفاعلين السياسيين بأنهم شركاء في إنجاح الفترة الانتقالية، والتركيبة البنيوية غير المتجانسة لقوى الحرية والتغيير التي تمثِّل القيادة الثورية للفترة الانتقالية، فضلًا عن المهددات الإقليمية التي تواجه عملية الانتقال الديمقراطي.

إصلاح المؤسسات

وتُعَدُّ عملية إصلاح الدولة من أهم أولويات الفترة الانتقالية والتحديات التي تواجهها؛ لأن فاعلية الدولة مرتبطة ارتباطًا عضويًّا بتحقيق متطلبات الانتقال الديمقراطي. ولذلك يلاحظ أن الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية لسنة 2019 قد نصَّت على ضرورة إصلاح مؤسسات الدولة في أكثر من مرفق حيوي. لكن الأسئلة المحورية التي تظل هاجسًا في أذهان صاغة القرار السياسي والإداري في الحكومة الانتقالية تتمثَّل في الآتي: من أين تبدأ عملية الإصلاح؟ وكيف تبدأ؟ وما القطاعات المستهدفة بالإصلاح؟ وهل يبدأ الإصلاح باستبعاد الكوادر البشرية التي وظَّفها النظام المباد في عهده التمكيني، أم بإصلاح السياسات العامة التي يمكن أن تستوعب الكفاءات البشرية بغضِّ النظر عن انتماءاتها السياسية؟ والتحدي الآخر يتمثَّل في كيفية إصلاح المنظومة الأمنية والعسكرية وإخضاعها لسيطرة الحكم المدني؟ لذلك كله يلاحظ تأخير إكمال مؤسسات الحكومة الانتقالية التي نتجت عن هذه الأسباب مجتمعة وربما إذا وجدت الكثير من الاهتمام والفهم المشترك بين مكونات الانتقالية لاستطاعة هذه الحكومة تجاوز هذه الصعاب وهذه المعيقات التي ظلت تعترض طريق هذا الإكمال.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى