د. عبد الوهاب الطيب الخبير في شؤون القرن الأفريقي لـ(الصيحة):  “قامبيلا وبني شنقول” تمثلان بؤرة انفجار بسبب “سد النهضة”

الإصرار الإثيوبي على الملء الثاني سيقود الدول إلى حرب إقليمية

“سد النهضة” من أكبر الأزمات بمـنطقة دول القـرن الأفريقي 

جميع دول المـنطقة مُـهدّدة بالتفكُّك والتقسيم لهذا السبب (..)

السودان سيكون الأول في العـلاقات الأمريكـية بشـرق أفريقيا

حوار: الخواض عبد الفضيل

تعيش دول القرن الأفريقي أزمات من عدم الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي، رغم الثروات التي تمتلكها جراء التنافس الدولي الكبير، هذا بجانب أن أزمة (سد النهضة) أصبحت بلا شك القضية الأهم في القرن الأفريقي جراء الإصرار الأثيوبي على الملء الثاني رغم عدم اتفاقه مع دولتي السودان ومصر ما يجعل الباب مفتوحاً على كافة الخيارات بين دول الإقليم، هذا غير أن الأزمة الحدودية بين السودان وأثيوبيا ربما تتسع حال مطالبة الخرطوم بإقليم بني شنقول ومطالبة دولة جنوب السودان مستقبلاً باقليم قامبيلا، ما يجعل الإقليمين بؤرة انفجار بسبب سد النهضة.

هذه القضايا وغيرها من التحول الديمقراطي بدول القرن الأفريقي طرحناها على دكتور عبد الوهاب الطيب بشير الباحث والمختص بشؤون القرن الأفريقي في مركز البحوث والدرسات بجامعة أفريقيا العالمية، في الحوار الآتي:

*هنالك أزمة حكم وتحول ديمقراطي في دول القرن الأفريقي وشمال أفريقيا كيف تنظر إلى مستقبل هذه الدول؟

منطقة القرن الأفريقي تاريخياً مأزومة في أنظمتها السياسية وطبيعة الحكم، عقب الاستعمار دخلت الدول في بداية حكم وطني ديمقراطي سرعان ما تحول إلى حكومات شمولية عسكرية أو نظام حكم الفرد عدا أثيوبيا التي استمرت كإمبراطورية إلى عهد قريب، انتهي بعده الإرث الإمبراطوري بمجيء منقستو، لكن استمر الحكم الشمولي العسكري حتى عام 1991م، ودخلت إثيوبيا مرحلة التحول الديمقراطي بتولي ملس زيناوي الحكم وأعقبه هالي مريم ديسالين، والآن آبي أحمد، لكن في هذا الوقت أثيوبيا تمر بإشكالية في إجراء انتخابات وتوقعات باستمرار آبي أحمد قبل إجراء الانتخابات  في مايو المقبل كذلك الصومال بعد إلانهيار دخلت بأعجوبة سياسية  إلى حكم انتقالي في عهد شيخ شريف أحمد، استبشر  الصوماليون بعهد جديد ديمقراطي الآن في الصومال، وتوقعات باستمرار عبد الله فور ماجو رغم الضغوطات من المعارضة لعقد انتخابات، لكن على ما يبدو أن فرماجو يريد أن يجدد لمدة سنتين، أما إريتريا فهناك أسياسي أفورقي انفرد بالحكم مدة ثلاثة عقود ومازال يريد أن ينفرد بالحكم، وهو مثال لنظام حكم الفرد الواحد في القرن الأفريقي، أما في مصر حسب آراء البعض والتحليلات السياسية ينظر إلى أن الرئيس عبد الفتاح السيسي انقلب على مرسي بدليل أنه تم تجميد مصر في الاتحاد الأفريقي مدة سنة إلى أن تم عقد انتخابات فاز بها السيسي وأصبح رئيساً لمصر، ودولة جنوب السودان مرت أيضاً بحرب أهلية واشتباكات بين الحكومة والمعارضة ومازالت حتى الآن مستمرة، تمر بمحكات قد تنهي الحكومة الانتقالية.

كذلك السودان يمر بمخاض عسير في استمرار الوضع الانتقالي الذي تتجاذبه أطراف مدنية وعسكرية وحركات مسلحة وضغوط المجتمع الدولي والإقليمي، وضعت السودان في منطقة مأزومة جداً حتى يعبر بفترة الانتقال إلى المرحلة الديمقراطية المُراهَن عليها، كذلك يوغندا موسفيني ما زال منفرداً بالحكم. بهذا الوصف لكل منطقة القرن الأفريقي الكبير وبحسب مطامع الرؤساء الحاكمين وعملية شد الأطراف من المعارضة التي تعارض النظم إضافة إلى التجاذبات الإقليمية والدولية في داخل كل دولة من دول القرن الأفريقي يجعل المنطقة مفتوحة لظاهرة شمولية جديدة في القرن الأفريقي بدليل أن كل الرؤساء بالمنطقة يريدون التشبث بكرسي الحكم، كل التبريرات والتسويقات التي يحكونها من أجل البقاء في الحكم  ما هي إلا إعلان سياسة حكم شمولي جديد في المنطقة، مما يعني أن عملية التحول الديمقراطي في خطر وتمر بمرحلة انهيار في كل هذه الدول .

* كيف تنظر للمستقبل الأمني وهناك التوترات الحدودية بين السودان وأثيوبيا إضافة إلى المشاكل الداخلية في إثيوبيا وأزمة سد النهضة وبعض المشاكل المتجذرة بالمنطقة؟

انفجار الأوضاع الأمنية في دول القرن  الأفريقي من أزمة حدود بين الصومال وكينيا، والسودان وإثيوبيا،  وأزمة حلايب وأزمة بين الصومال وصومالي لاند التي تريد الانفصال، وأزمة أبيي ومنطقة قامبيلا بين جنوب السودان وإثيوبيا جميعها تجعل أمن القرن الأفريقي محفوفاً بمشاكل ومخاطر كبيرة، جراء ذلك يتوقع انفجار الأوضاع السياسية باشتباكات ومهددات داخل كل دولة من هذه الدول يمكن أن تحدث حالة عدم استقرار خاصة باستفادة كل دولة من مخاطر دولة أخرى لتحقيق أهداف تقلب مصالحها، هذا بجانب ما يجري في اليمن وتأثيره على المنطقة إضافة إلى التسابق على البحر الأحمر، هذا ما يجعل أمن القرن الأفريقي مفتوحاً أمام مهددات كبرى يمكن أن تؤثر على مستقبل الدول في القرن الأفريقي، ومسألة التنمية لشعوب المنطقة بالمزيد من التفكك والتقسيم لدول هذه المنطقة .

*إقليم “بني شنقول قمز” هل يمكن أن يكون كرتاً في مفاوضات سد النهضة بين السودان وإثيوبيا، كذلك منطقة قامبيلا بين دولة جنوب السودان وإثيوبيا، كيف تنظر إليها كأزمة حدود بين البلدين؟

منطقتا قامبيلا وبني شنقول تمثل بؤرة انفجار بين دولة جنوب السودان، والسودان وإثيوبيا، بسبب سدالنهضة التي نتجت عن الاتفاق القديم الموقع بين الإمبراطور الأثيوبي منليك والإدراة البريطانية في ذلك الوقت عام 1902م، الذي قضى بمنح إثيوبيا منطقة قامبيلا وبني شنقول قمز مقابل التنقيب عن الذهب شريطة (ألا) تقيم إثيوبيا سدوداً على النيل الأزرق، تم التوقيع على الاتفاق واعتماده والآن موجود في دار الوثائق البريطانية، ويعتبر هذا الاتفاق ملزماً وسارياً حتى الآن، ولا ينتهي بالتقادم الزمني، ولا أستبعد أن تطالب دولة جنوب السودان مستقبلاً بمنطقة قامبيلا، كذلك السودان يمكن أن يطالب ببني شنقول على خلفية الصراع حول سد النهضة، هذا السد لأنه مشيد في منطقة بني شنقول، يمكن للسودان أن يستخدمه كرت مساومة في قضية سد النهضة وأزمة المياه بين السودان وأثيوبيا ومصر، ويمكن أن يقلب الطاولة في المفاوضات الجارية، ويمكن أن يكون كرت مساومة أكبر للسودان في منطقة حلايب وشلاتين .

*كيف تقرأ السياسات الأمريكية على منطقة القرن الأفريقي بعد فوز بايدن بالرئاسة الأمريكية؟

سيكون هنالك تحول في سياسات الولايات المتحدة نحو القرن الأفريقي مما كانت عليه في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، ذلك باختلاف طبيعة الحزبين في أمريكا، لأن كل حزب له منطلقات ومحددات وأنماط في التفاعل مع القرن الأفريقي وفق المصالح الأمريكية، حسب توقعاتي فإن بايدن سوف يتبع سياسات متشددة تجاه دول القرن الأفريقي الممتنعة من استكمال الانتقال الديمقراطي والتكيّف الهيكلي خاصة مع عبد الله فورماجو في الصومال، وآبي أحمد في إثيوبيا، كذلك سوف ينظر إلى إريتريا باعتبار استمرار أفورقي (30) عاماً في الحكم مخالفاً لترسيخ الحكم الديمقراطي، ومن الممكن أيضًا اتخاذ إجراءات متشددة تجاه جنوب السودان في إنفاذ الاتفاق بين الحكومة والمعارضة، كذلك سوف تمارس الضغوط على شركاء الحكم في السودان الذي يمكن للسودان أن يكون الرابح الأكبر في العلاقات الأمريكية القرن إفريقية، باعتبار أن السودان جاهز لإعادة العلاقات مع أمريكا بشكل مختلف بدليل تجاوز العقوبات الاقتصادية ورفع اسم السودان من قائمة الإرهاب إضافة إلى العلاقات الجيدة الآنية بين البلدين، مما يعني أن هنالك تقارباً أمريكياً ــ سودانياً عكس باقي دول القرن الأفريقي الأخرى التي تشهد تباعداً في علاقات أمريكا خاصة الصومال وآبي أحمد بسبب عدم  إقامة الانتخابات وملفات حقوق الإنسان داخل إثيوبيا، إضافة إلى أن أمريكا ضد أنواع الحكم الشمولي، هذا يعني أنه سوف تكون هنالك خارطة أمريكية جديدة لحلفائها في المنطقة وخارطة جديدة للعلاقات الأمريكية القرن إفريقية سوف يتبوأ فيها السودان مكاناً متقدماً ربما يكون الأول في العلاقات الأمريكية.

*القرن الأفريقي يحتضن أكثر من (28) قاعدة حربية أجنبية وقبل شهر من الآن شهدنا قدوم سفينتين أمريكيتين وأخرى روسية إلى بورتسودان كيف تنظر إلى هذا السباق الروسي الأمريكي على السودان؟

بعد ثورة ديسمبر أخذ السودان شكلاً جديداً ومرحلة سياسية جديدة، من المؤكد أن طبيعة علاقات السودان الدولية لها شكل مغاير لما مضى لترتيب وضع خارجي جديد بحكم الامتيازات التي يتميز بها السودان عن دول القرن الأفريقي وحوض البحر الأحمر خاصة الموقع الاستراتيجي الجيوبوليتيكي المميز والموارد الزاخرة وممر البحر الأحمر، يعتبر هامًا لكل الدول ذات المصالح الكبرى بالمنطقة، هذا الوضع جعل السودان منطقة تنافس عالمي على الموانئ السودانية خليجية ودول أخرى مثل تركيا وإيران بجانب التسابق الدولي الكبير من أمريكا وروسيا على السودان الذي يمتلك موانئ ذات ميزات مختلفة اقتصادية وأمنية حربية عسكرية، هذا التنافس الروسي الأمريكي للتواجد في البحر الأحمر له مبررات ومسوغات، فروسيا تبحث عن مكان  لمصالحها الذي يأتي بتبادل الأدوار مع الصين في المنطقة للتواجد في القرن الأفريقي والبحر الأحمر، وأمريكا تعتبر نفسها صاحبة المصالح الأمنية والعسكرية الكبيرة في منطقة القرن الأفريقي، فلابد لها أن تعزز وجودها في منطقة الخليج وعدن والبحر الأحمر، لأنها تمتلك أكبر قواعد في الشرق الأوسط بعد العلاقة الجيدة مع السودان.

هذا مؤشر أن أمريكا تريد تعاوناً أمنياً عسكرياً بشكل إستراتيجي يمكن أن يتوسع، لكن هذا التسابق الأمريكي الروسي يجعل السودان في توازن حرج في ظل الأوضاع القائمة في السودان، والوضع الانتقالي، لذا تصعب المناورة ويصعب الجمع بين الضدين في وقت واحد.

*الإصرار الأثيوبي على ملء السد من جانب أحادي كيف تقرأه؟

يعتبر سد النهضة من أكبر الأزمات في منطقة القرن الأفريقي، وهي أزمة تؤثر على كل دول المنطقة، لأن السلوك الأثيوبي والانفراد بتنفيذ ملء البحيرة من جانب واحد وتجاوز دولتي السودان ومصر، هذا يجعل المنطقة على حافة حرب إقليمية وقد تنتقل إلى حرب تهدد كل الشرق الأوسط لأنها ستكون ضربة لأحد أكبر السدود في أفريقيا، وستكون حرباً بين أكبر الدول المحورية في المنطقة تؤثر على خارطة النزاعات وسيناريوهاتها على كل الأوضاع المتفجرة في كل المنطقة، هذا الملء يضع الدول الثلاث في نفق مظلم وطريق مسدود يجعل خيار الحرب المرجح مالم يحصل تنازل إثيوبي يفتح مسارات جديدة للتفاوض لتحقيق تسويات بشكل جديد يحقق المصالح الوطنية للدول الثلاث في مسألة أمن المياه،  كما أن هنالك توقعات بسوء العلاقات بين الدول الثلاث إما التعاون  أو  نمط التعاون الحرج الموجود الآن أو التدحرج إلى نمط تفاعل الصراع المسلح، وهذا هو المتوقع  بين الدول الذي ينذر بحرب قد تستمر إلى أمد طويل.

*كيف تفسر رفض أثيوبيا الوساطة الرباعية وتمسكها بالوساطة الأفريقية؟

يُنظر إلى رفض أثيوبيا الوساطة الرباعية في إطار منهج وعقيدة إثيوبيا في المناورة ونقض الاتفاقات بداية بنقض اتفاق إعلان المبادئ، كما رفضت الاتفاق الأمريكي الذي تم في واشنطن ورفضت كل الوساطات المقدمة من بعض الدول في المنطقة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى