قد تخرُج عن السيطرة لحرب شاملة..  سد النهضة.. خيارات مصر ضد إثيوبيا!

الخرطوم: صلاح مختار

لأول مرة يوجّه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تهديداً واضحاً لإثيوبيا، فُهم منه أنه يلوح بتنفيذ عمل عسكري أو استخباراتي ضد أديس أبابا، بسبب أزمة مياه النيل، بالتالي السؤال الذي يطرح نفسه: هل ينفذ السيسي تهديداته؟ وما هي خيارات مصر في أزمة سد النهضة بعد فشل المفاوضات؟ ورغم أن السيسي لم يتحدث عن عمل عسكري بشكل مباشر، إلا إنه قال إن استقرار المنطقة بأسرها سيتأثر برد فعل مصر في حالة المساس بإمداداتها من المياه بسبب سد النهضة الإثيوبي. وهو ما يفهم منه أنه تهديد بعمل عسكري أو عمل استخباراتي أمني يؤدي إلى زعزعة استقرار إثيوبيا والمنطقة كلها.

خيارات مفتوحة

وطبقا لموقع عربي بوست ان أزمة “سد النهضة” تفاقمت بين السودان ومصر وإثيوبيا، مع تعثر المفاوضات الفنية بينها، التي بدأت منذ نحو 10 سنوات، وبعد سكوت مصر والسودان عن الملء الأول لسد النهضة، العام الماضي، تصر أديس أبابا على الملء الثاني للسد في يوليو المقبل، حتى لو لم تتوصل إلى اتفاق بشأنه وسط مخاوف من أن يسبب هذا الملء أزمة مياه للخرطوم والقاهرة.

بالتالي، ما هي خيارات مصر في أزمة سد النهضة بعد فشل أسلوب الحل السياسي، وإعلان السودان إخفاق وساطة الاتحاد الإفريقي.

مجرد أرقام

المقارنة الرقمية البسيطة بين الجيشين المصري والإثيوبي تظهر تفوقاً واضحاً للجيش المصري نوعاً وكماً، حسب موقع “غلوبال فير بور” الأمريكي. ولكن الحروب ليست مجرد أرقام وعدد أسلحة، ولكنها جغرافيا وظروف مناخية وطبيعة. فإثيوبيا هي واحدة من أكثر البلدان الجبلية على وجه الأرض، وكانت الهضبة الإثيوبية قلعة عصية دوماً على الغزاة، وقد حاربت مصر إثيوبيا مرتين في عهد الخديوي إسماعيل في القرن التاسع عشر، وهُزمت في كلتيهما، حاولت إيطاليا غزو إثيوبيا وفشلت، في القرن التاسع عشر، وهزمت في معركة عدوة الشهيرة رغم أن روما كانت تحتل آنذاك الصومال وإريتريا المجاورتين، ثم نجحت إيطاليا بتكلفة كبيرة في تحقيق ذلك في ثلاثينيات القرن العشرين قبل الحرب العالمية الثانية. وكان الفارق هائلاً بين جيش إثيوبيا البدائي وبين الجيش الإيطالي الحديث. إضافة إلى وعورة الجغرافيا الإثيوبية، فإن المشكلة الكبرى أمام الجيش المصري في هذه الحرب هي أنه لا حدود مباشرة تنطلق منها عملياته، كما أن إثيوبيا ليست لديها سواحل، بحيث يمكن قصفها من البحر.

تعاون سوداني

لا يمتلك الجيش المصري إمكانيات للقيام بعملية إنزال جوي لمحاربة إثيوبيا، وفي الغالب لا يمتلك أي جيش في العالم قدرة على غزو بلد بحجم ووعورة وعدد سكان إثيوبيا عبر إنزال جوي. وهذا يعني أن أي حرب تستلزم تعاوناً سودانياً، لتكون السودان محطة للتحرك ضد إثيوبيا، وبالتالي فإن تعاون الخرطوم هو ضرورة لتنفيذ تهديد السيسي. وتجدر الملاحظة أن العلاقات المصرية السودانية تحسنت بشكل كبير في الفترة الأخيرة. ولكن طبقاً للموقع هل يصل الأمر إلى قبول السودان للتعاون مع مصر في هجوم عسكري على إثيوبيا؟ هذا يبدو احتمالاً صعباً. كما أن إرسال قوات مصرية لمحاربة إثيوبيا، ليس بالأمر السهل لوجستياً إذ أن الجنود المصريين سيعانون من البيئة المختلفة خاصة طقس المنطقة الحار وطبيعتها الجبلية.

أصعب الخيارات

ويقول الموقع: رغم الفارق الهائل لصالح مصر، فإن استخدام القوة الجوية يعد من أصعب خيارات مصر في أزمة سد النهضة، لأن عملية قصف السد ستواجه بعوائق عدة. فأقرب قاعدة مصرية لإثيوبيا تبعد عن سد النهضة نحو 1500 كم، ولا تمتلك القاهرة سوى عدد قليل من الطائرات القادرة على الوصول لإثيوبيا، منها طائرات رافال الفرنسية التي يبلغ نصف قطرها القتالي 1800 كم إضافة إلى نحو 12 مقاتلة من طراز إف 16 بلوك 52، ولا تمتلك مصر طائرات تزود بالوقود.

عداء الشعب

ورغم تراجع الصعوبات الفنية، فما زال خيار قصف السد صعباً من الناحية العسكرية والأصعب محاولة توقع تداعياته السياسية. فبالإضافة إلى الردود الدولية والإفريقية المتوقعة خاصة أن إثيوبيا لها مكانة في القارة الإفريقية وحتى بين الأفارقة الأمريكيين، فإن تدمير السد قد يثير عداء الشعب الإثيوبي، ويوحده خلف آبي أحمد، وقد يطلق ردود فعل غير متوقعة، وسيظل النيل يأتي من إثيوبيا حتى لو تم تدمير السد. كما أن من شأن هذه العملية وقف أي احتمال لتفاوض مستقبلي بين البلدين، وقد تثأر أديس أبابا بتلويث أو محاولة منع مياه النيل التي تأتي لمصر لو أعادت ترميم السد.

الحرب بالوكالة

أحد خيارات مصر في أزمة سد النهضة هي دفع دولة أخرى لخوض نزاع مع إثيوبيا. ولقد كانت أريتريا مرشحاً دائماً، لمثل هذا الدور ولكنها أصبحت حليفاً للنظام الحالي، والصومال الذي تعتبر أن أديس أبابا تحتل جزءاً من أراضيها أضعف من أن تمثل تهديداً لإثيوبيا.

في المقابل، فإن الخرطوم لديها أسباب عدة للغضب من إثيوبيا، علماً بأن الخرطوم لوحت باستعدادها لكل الاحتمالات مؤخراً بعد تصاعد التوترات على الحدود بين إثيوبيا والسودان، وقلق الخرطوم البالغ من تأثيرات سد النهضة. وذكر الكاتب والمحلل المتخصص في الشؤون الإفريقية، شفاء العفاري، لموقع Al-Monitor الأمريكي أن هناك تصعيداً عسكرياً عند الحدود السودانية الإثيوبية، مع وجود تعاون عسكري مصري سوداني غير مسبوق يحمل تحذيرات بتدخل عسكري في أزمة سد النهضة، على حد قوله.

دعم السودان

ويمكن لمصر دعم السودان، في حرب واسعة أو منخفضة الكثافة مع إثيوبيا باعتبار أن الجيش السوداني حتى لو كان أقل في العدد والتسليح بكثير من الجيش المصري (وحتى الإثيوبي) فإن جنوده لديهم خبرة في القتال في مناطق الحدود الإثيوبية السودانية، وقد تمكن الفوضى الناجمة من هذا السيناريو القوات الجوية المصرية من قصف سد النهضة. وقد يصل الأمر إلى دخول قوات مصرية لمساعدة القوات السودانية، خاصة أن هناك اتفاقية للدفاع العربي المشترك يمكن التحجج بها .بيد أن الأمر تظل هناك عوائق أمام مثل هذا الخيار كما أنه رغم تحسن العلاقات بين النظامين الحاليين في مصر والسودان، فهي علاقة مصلحية بحتة، يصعب أن تصل إلى ثقة تسمح للتحالف معاً في حرب.

عملية استخباراتية

أحد خيارات مصر طبقاً لـطعربي بوست” في أزمة سد النهضة هو عملية تفجير أمنية استخباراتية للسد قد تستطيع القاهرة أن تتبرأ منها، عكس غارات الطيران. فقد كشفت برقية للسفارة الأمريكية تعود إلى عام 2010، نشرها موقع “ويكيليكس” لاحقاً، أنَّ المصريين فجَّروا معدات كانت في طريقها إلى إثيوبيا في منتصف السبعينيات غير أن أحد أكثر خيارات مصر في أزمة سد النهضة واقعية وأقلها تكلفة، هو إثارة النزاعات الداخلية في إثيوبيا وتشجيع الحركات الانفصالية بالتعاون مع السودان.

تطور نوعي

أياً كان خيارات مصر في أزمة سد النهضة، فإن تهديد الرئيس المصري الأخير، قد يكون تطوراً نوعياً يدفع إثيوبيا لمراجعة موقفها، ولكن إذا لم يُطبّق هذا التهديد ولو جزئياً على الأرض، فإن هذا من شأنه إضعاف موقف مصر أكثر وسيزداد آبي أحمد تجرّؤاً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى