عبد الله مسار يكتب :التغيير

قامت ثورة في السودان تنشد التغيير وقادة هذه الثورة شباب أغلبهم لا انتماء لهم لأحزاب بل أغلبهم يعتقد أن الأحزاب في السودان يمين ويسار كلها مواعين لا تحمل الديمقراطية وليس لها دور في الحياة العامة بل هي جزء من آليات التخلف في البلاد وكلها تقوم على أسس ليست ديمقراطية بل تجسد سلطة الفرد أو الأسرة أو فكر وتنظيم الفرد، بل بعضهم يعتقد أنها نفعية تسعى إلى السلطة بطرق غير ديمقراطية وكل الأمر تمثيل في تمثيل.
كانوا لا يبحثون عن تغيير نظام حاكم بقدر ما يبحثون عن تغيير في مفاهيم الدولة السودانية التي قامت في السودان منذ الاستقلال على الحروب والتفرقة وحكم النخب وحكم أحزاب الأسر بل حتى التقدميين كانوا يقومون على عصبية جهوية أو تنظيمية أو فكرية، لا في ذلك ديمقراطية ولا حكم راشد.
وكان هؤلاء الشباب ينشدون تغييرًا كبيرًا وشاملًا
ينشدون:
١/ دولة المواطنة المتساوية لا تمييز فيها بلون أو عرق أو جهة أو دين.
وهي مواطنة بها الحقوق والواجبات منصوص عليها في الدستور والقانون وممارسته عملياً.
٢/العدالة في كل شيء في الوظيفة وفي الخدمة وفي الخدمات وفي العمل والتنقل والتملك حتى في التعليم وتوزيع الخدمات.
٣/توفير وتوزيع وتوفير الخدمات العامة على كل الوطن بل حتى في العدالة الاجتماعية وضمان الصحة لكل بما في ذلك الضمان الاجتماعي والصحي، بل حتى الإعانات للفقراء.
٤/التنمية الشاملة في كل الوطن.
٥/التشغيل والتوظيف وتوزيع الوظيفة العامة بعدل وفق الكفاءة دون المحاباة والواسطة واحتكار الوظيفة لذوي الحظوة والنفوذ حتى العمل في وظائف القطاع الخاص مع التأهيل والتدريب لهم والاهتمام بالمبرزين.
٦/كانوا ينشدون وطناً يحبه الجميع ويضحي من أجله الجميع لأنه وطن الجميع.
ولكن هذا لم يتم، حيث أن الأحزاب وبعض التجمعات سرقت مجهود هولاء الشباب وحولت التغيير إلى السودان القديم بل بدلت أحزاب اليمين بأحزاب اليسار ورجعنا إلى دولة النخب التي ثار شباب السودان ضدها وجاء نفس التمكين وتحول من اليمين إلى اليسار.
وصارت الثورة شعارات دون وجود على الأرض
وضاع الشباب الثوار وضاعت معهم ثورة الثوار لأنهم:
١/لم يبرزوا قائداً ملهماً وكان الأمل في د. الأصم أو غيره وفي تجمع المهنيين، لأنه هو الذي صنع الثورة وقادها، ولكن قوى الحرية والتغيير احتوت تجمع المهنيين وأفرغته من دوره وهي قيادة الحراك وإحداث التغيير ليس للنظام السابق ولكن التغيير الشامل للنظام السياسي القديم منذ الاستقلال حتى قيام ثورة التغيير في السودان.
ثانياً لم يستطع تجمع المهنيين أن يكون وعاء سياسياً جديداً ضد القديم يمين ويسار وقائداً وملهماً للثورة بل حزبها وتنظيمها.
ولذلك لم تبرز الثورة الوعاء السياسي القائد الذي ينتظم فيه الشباب ويكون بديلًا للنظام السوداني القديم منذ الاستقلال، كما حدث في بعض الدول ديمقراطية كانت أم شمولية.
لكل هكذا ضاعت ثورة التغيير الشامل، ورفع شعار حكم الفترة الانتقالية على نظام المحاصصة والحكم على نمط الدولة السودانية القديمة، وكل الذي تم تغيير حكام بحكام وتمكين يميني بتمكين يساري.
ولذلك حلت بالبلاد الأزمات وخرج الثوار من الثورة وذهبت الثورة إلى بعض الأحزاب والتجمعات واختفى نهائيًا الشباب الذين صنعوا الثورة.
عليه للرجوع إلى ثورة تغيير حقيقية تختفي فيها الدولة السودانية يحتاج الثوار إلى تصحيح مسار الثورة وذلك على النحو الآتي:
١/ تحديد الهدف من التغيير هل هو تغيير نظام أم تغيير شامل للدولة السودانية القديمة بنظامها السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
٢/أن يخلق الثوار كياناً سياسياً جديداً خارج المنظومة الحزبية القديمة القائمة على الأبوية والأسرية والغطاء الديني أو الفكري المزروع في السودان والمنقول من جهات أخرى بذوراً لم تنتج حبوباً ولا ثماراً.
٣/إبراز قائد أو قيادات شبابية جديدة تقود حملة تغيير كاملة عبر الشارع وسائل التواصل ومنصات العمل الإعلامي وذلك بالخروج الكامل من دولة ما بعد الاستقلال إلى دولة ما بعد الثورة، وذلك بقيام نظام سياسي جديد.
بل لا بد من طرح سياسي جديد خارج صندوق الدولة السودانية القديمة، يخاطب قضايا السودان الجديد المتطلع إلى وطن ديمقراطي نامٍ ومتجدد ومتطور ومعاصر يقوده شباب متحرر من كل التبعيات في ذهنه التخلص من كل أخطاء الدولة السودانية القديمة وتطلع إلى دولة سودانية خالية من الحروب والظلم والتمييز، دولة شعارها العلم والمعرفة والعدل والمواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات.
أعتقد أن ذلك ممكن ومتاح عبر مؤسسات سياسية جديدة بعيدة جدًا وخارج النظام السياسي القديم.
نسأل الله أن يهب الله بلادنا هذا النظام السياسي الجديد الذي يوفر دولة العدل والمساواة والمواطنة وحكم السودان.
قيام أحزاب سياسية تمثل الشعب لا وصاية فيها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى