عقب التدمير الممنهج.. التعليم.. أين يكمن الخلل؟!! ( 3-3)

خبراء: التباهي بين الأسر أضرَّ بالتعليم كثيراً

تربويون: لا بد من وجود منهج اجتماعي نفسي تربوي

حماية المستهلك: يجب إشراك كل الخبراء في وضع المناهج

 تربوي: المعلمون يتعاملون مع المواد في حدود التلقين والطلاب يرتفع عندهم سقف النسيان

من أخطاء الإنقاذ إغلاق معاهد التعليم التربوي وإحالتها إلى كليات تربية

 اختصاصي: لا بد من توفر الحد الأدنى من الوجدان الاجتماعي

الطريقة الكلية للإنقاذ في التدريس كـ(دس السم في الدسم)

الخرطوم: منال عبدالله

لم تستطع حزمة الكتب والكراسات الكبيرة ولا الحقائب ذات الوزن الثقيل التي يحملها التلاميذ في مراحل التعليم العام, فيما أنها كانت سبباً في وجود سوق معني بصيانة (الشنط) في جميع الأسواق وانتعاشة بسبب الصيانة الدائمة للحقائب لثقلها وتعرضها لتمزق والتي أرهقت العمالة بالسوق قبل (جيوب) أولياء أمور الطلاب, لم تتمكن أن تكون تأشيرة المرور الآمن لاعتماد أن التعليم في السودان بخير وأنه يسير مع رصفائه في بقية دول العالم,وتنبه نتيجة الشهادة السودانية التي ذيعت مؤخراً عن خيبة أمل جديدة مترادفة مع غيرها في هذا المجال باقتراب نسبة الرسوب من الـ50%.

وفرض اللغط الكثيف الذي تناول التعليم بعد سقوط النظام البائد العديد من الاستفهامات المشروعة،هل فقد التعليم هيبته ممثلاً في وزارة التربية والتعليم أم المعلم, أم المنهج, أم الطالب, أم أن هنالك تدميراً ممنهجاً طال التعليم في عهد الإنقاذ …الخ ؟؟؟ والعديد من التساؤلات التي يفرضها واقع التعليم حالياً بالبلاد على أي مهتم بهذه العملية، ويسيطر عليه الشعور بالوطنية ويتوق إلى أن تدور عجلة التنمية في السودان قبل اللغط الذي يعصف بالأسافير وأضابير المكاتب الحكومية. إجابات شافية وجزء غائب من الحقائق تضمنها هذا الملف الذي تنشره (الصيحة)، ليصبح بمثابة خارطة طريق تفرضها ضروريات المرحلة الحالية بالسودان.

تشوهات الطريقة التعليمية

صبَّ خبير تربوي تنقل بين إدارات وزارة التربية والتعليم في العهد البائد جام غضبه على الطريقة الكلية التي اتبعتها الإنقاذ في العملية التعليمية في البلاد، واعتبر أنها أبعدت المجتمع عن اللغة العربية وأضعفتها, وتزويد المقررات الدراسية بآيات كثيرة من القرآن الكريم في المقرر ليس من شأنها إصلاح اللغة التي تعاني في الأساس من الضعف ولا يمكن أن يحدث مردود حقيقي. وقال الخبير التربوي الذي رفض الإعلان عن نفسه وعزا ذلك للمناخ السياسي لكونه لا يسمح بوضع الحديث عن مشاكل التعليم في الميزان الصحيح وتفسيره من ناحية علمية، نسبة للهيمنة السياسية وتدخلها المباشر في المسائل التربوية وبذلك لاتمنح الفرصة للتعديل والتغيير. وأعرب عن تحفظه في الحديث لوسائل الإعلام في هذه المرحلة، قال الطريقة الكلية التي نفذتها الإنقاذ في مجال التعليم دمرته في المستقبل القريب قبل البعيد وهي (كدس السم في الدسم)، وأنه بحسب الطريقة الكلية والجزئية لايمكن أن تستمر بمنهج طيلة هذه السنوات في بلد مركبة لابد من مراعاة طرق تدريس المنهج، للهجات وألسن مختلفة وعدم إيجاد الطرق السليمة في هذا الاتجاه خلفت الفاقد التربوي، مبيناً أن المناهج تبنى في الأساس على سياسة وفلسفة الدولة تجاه مجتمعها، وهي المؤشر الرئيسي لوضع المناهج.

تدمير مرحلي

ونبه إلى أن تدمير المناهج تم مرحلياً وأن هنالك جهة عالمية مهيمنة لم يسمها، عممت مقرر التدريس بالطريقة الكلية على كل دول العالم العربي، مشيراً إلى أنه كان في حالة نزاع مع مختصين في المناهج لسنوات طويلة في التدريس بالطريقة الكلية للغة، وأن الطريقة الكلية عصية على الأسر ذات التعليم المحدود لكي يساعدوا أبناءهم في التعلم، ونبه إلى أن الطلاب الذين هم الآن في المراحل الجامعية لم يغترفوا ذنباً حيال أنفسهم إذ لايستطيعون التفريق بين (الهاء والتاء المربوطة وغيرها من الأخطاء). وأرجع ذلك إلى أنهم لم يتلقوا تدريساً بطرق سليمة، وأضاف في الجامعات إذا مرروا عليك كراسة طالب يمكن أن تتقيأ وأنا مابعيب الطلاب ومنهم من يحاولون تطوير أنفسهم، ووافقه الرأي في شأن المناهج التي تم تجميدها الأمين العام لحماية المستهلك دكتور حسين القوني وقال في إفادته للصحيفة، كان يجب إشراك كل الخبراء في مجال التعليم في وضع وتقويم التعليم القائم، ووضع البدائل المناسبة، وهو ما دفع مجلس الوزراء لتجميد المناهج الجديدة والأسلوب الأمثل كان يجب تكوين فرق فنية لتقديم التحليل المناسب للأوضاع القائمة، واقتراح ما يمكن اقتراحه لتحسين الوضع وهي خسارة كبيرة للتعليم في السودان أن يتم اقتراح مناهج معينة ويتم الصرف عليها بمبالغ طائلة والتي لم تكن كافية لكل المراحل، وقبل اكتمالها يتم تجميد وإلغاء طباعتها. وتساءل من المسؤول عن إهدار الموارد، ومن الذي يحاسب ويعاقب؟؟

مسببات الخلل

أوضح أن تفوق الطلاب من المدارس القرآنية ليس مدعاة للمقارنة العلمية،على من هم في مدارس نموذجية وخاصة (5) نجوم، أنا مابدعو لفرض القرآن على النمط التربوي ولكن الطرق التعليمية في هذه المدارس تؤدي لتحقيق نتائج طيبة, وعاد وقال هنالك مشكلة في المعلم في تدريس القرآن في المدارس المختلفة، المعلم والتدريب والتأهيل المرتبط بتوصيل الرسالة المطلوبة وليس تدريباً متقطعاً، وأعاب على حكومة الإنقاذ تحويل معاهد المعلمين إلى جامعات لأنها كانت مصانع لإعداد المعلم بطرق مثلى، وزاد الخبير التربوي في إفاداته لـ(الصيحة) على أن المشكلة الحالية ليست في تعديل المنهج فحسب, إذا لم يكن هنالك معلم كفء ولديه قدرات التعامل مع محتوى المادة يحدث خلل.

وتشير (الصيحة) إلى أن الطريقة الكلية يقصد بها الاهتمام بالعمل كاملاً دون الانتباه إلى الجزئيات التي تؤلف في مجموعها الكل, بينما الجزئية تعني التركيز على جزء من الماده أو المهارة أو جانب من المادة أو المهارة في المرة الواحدة أي تقسيم المهارة إلى أجزاء يتم تعلمها كل على انفراد ومن ثم يتم الربط بينها، وهما مدرستان مختلفتان تماماً، وأكدت دراسات علمية أن الطريقة الكلية مجدية حينما لاتكون المادة طويلة للغاية وتتصف بتتابع منطقي, وتساعد على تكوين معنى عام أو إطار مرجعي, أما الطريقة الجزئية مجدية حينما تكون المادة طويلة أو صعبة وتساعد على التعمق في التفصيل الجزئي  للموضوع.

أكد د.عبد القادرعبدالله اختصاصي علم الاجتماع التربوي على أن في الأساس تمثل الوجدان الوطني والجمعي مما يعني أن المجتمع راضي عن تلك المناهج لتحقق قيماً وعاداتٍ وتقاليدَ بجانب معاصر للحياة المتقدمة ويشتمل على القيمة العلمية المثلى، كالفيزياء الرياضيات تدرس على يد مختصين تتماشى مع المجتمع العالمي الإنساني, وقطع لـ(الصيحة) بأنه لابد أن تحقق المناهج الجانبين الاجتماعي والعلمي لكونها مخرجات صحية تستلزم إشراك كافة الجهات ذات الصلة في وضع المناهج،ممثلة في وزارة التربية والتعليم والمعلمين بالمدارس والجامعات، مشدداً على ضرورة أن يستوعب المنهج ثقافات متعددة لكي يكون منهجاً نوعياً، وعزا اللغط الذي وقع مؤخراً والاعتراضات بسبب تغييرات في المناهج يعود إلى تغييب الجهات المعنية بالمسألة, وأردف لايمكن وضع منهج لإرضاء جهة أو أيديولوجية معينة في ظل غياب شرائح المجتمع.

ودعا د.عبدالقادر لتشكيل لجنة عليا من الخبراء لتغيير المناهج ومراجعة المنهج كل(10) سنوات للتجديد وتدارك الفروقات ومقارنته بالمستوى الإقليمي والعالمي لأن تجاهل المراجعة هو السبب الرئيسي في تدني المستويات, وقال لابد من وجود الحد الآدنى من الوجدان الاجتماعي والقاسم المشترك من المعرفة كما في أمريكا والهند، إضافة إلى أهمية الضمير الوطني.

نقاط الخلل

قطع أستاذ عبادي الخبير التربوي في تعليقه التفصيلي لـ(الصيحة) على نتيجة الشهادة السودانية الأخيرة والذي أشر من خلاله على نقاط الخلل الرئيسية في العملية التعليمة برمتها، بأنه واضح وجلي أن لغة التعلم (العربية) كفاءتها متدنية مما أدى إلى تدنٍ كبير في محمولاتها ومن غيرها من المواد، وصدق المثل الشعبي في بيت الشعر(العيش ما بصل طاحونة إن كان الجراب مقدود) على حد تعبيره.

وأكد الخبير التربوي على أن تناول المواد في نهجها التدريسي لم يتعد مرحلة المهارات المتدنية وهي مرحلة الحفظ مع إهمال تناول المنهج تطبيقاً وتزكية لمهارة الفهم والتطبيق والتحليل والتقويم ومن ثم الإبداع، لافتاً النظر إلى أن اكتساب المهارات العليا هي الضامن لبقاء المعرفة والمهارة وتسليكها والحافظ عليها من النسيان.

وأضاف قلة برامج تدريب المعلمين وفق الاحتياجات الفعلية مما جعل الكثير من المعلمين يقفون في المحطة التي شكلت قدراتهم الأولية مع مكتسب الخبرة من نفس نوع الكفاية، فهي خبرة شحيحة تتعامل مع المواد في حدود التلقين ولا تتعداه إلا نادراً, وشدد الخبير التربوي على أنه من أكبر أسباب التدني في النتائج الدراسية عموماً ارتفاع سقف عامل النسيان عند الطلاب، والسبب في ذلك طبيعة المنهج وأسلوب التدريس وقلة استخدام الوسائل وعدم تدريب المعلمين أثناء الخدمة، وقلة اكتساب المهارات العليا, منوهاً إلى أن العلاج فهو تحويل هذه السلبيات إلى معكوسها من إيجابيات.

معايير عالمية

بعد فراغ الصحيفة من التقصي حول المشكلات الأساسية التي تعتري التعليم بالسودان أدارات مؤشر قوقل للسياحة حول واقع التعليم في الدول المتقدمة ومايحيط بالبلاد من دول أفريقية وعربية وفي أي محطة تقف الأخيرة, وأكدت الدراسات العلمية والتقارير العالمية على أنه ليس بالامتحانات الكثيرة، والواجبات والفصول المكدسة والتعلم الراقي والطبقات المخملية يرتقي التعليم في البلدان, وهذا ما أثبته تقرير رصدته (الصيحة) عن قدرة كل دولة في العالم على التنافسية في مجال الاقتصاد وتطورالأعمال، ويتم تصنيف البيانات وفقًا لـ 12 محورًا للتنافسية أبرزها التعليم  الذي تفترض المعايير فيه أن جودة الاختبارات الموحدة، ونسبة الوقت الحر الذي يقضيه الطلاب إلى الوقت الأكاديمي، والميزانية المقدرة  للتعليم في البلد، وارتفاع أجورالمعلمين.

وبعد قراءة متأنية لهذه التقارير، نكتشف أن الدول في المراتب الأولى في مستوى التعليم تجمعها عدة عوامل مشتركة ساهمت في جعلها في المقدمة, مرونة الامتحانات المرهونة بأنه ليس بالامتحان وحده يتطور التعليم وهذا ما تمسك به معظم الخبراء التربويين الذين استنطقتهم (الصيحة), حيث أنه في فنلندا، التي تعد من أفضل دول العالم تعليميًا، يخضع الطلبة لاختبار واحد في نهاية فترة الدراسة الثانوية على سبيل المثال, وهذا الاختبار يتضمن مواضيع عميقة، لها صلة بالواقع الحقيقي للطلاب, هذا الوضع المرن يختلف كثيراً عما يدور في العالم النامي والذي يأتي في مراتب متأخرة في التصنيف العالمي، حيث يواجه طلبته كثيراً من الامتحانات تقوم على استذكار ما حفظوه في المناهج الدراسية وهو بالضبط مايتم في السودان.

كما أن أبرز المعايير المتفق عليها تقليص الواجبات الدراسية بالمنزل، فيما يخصص وقت الفراغ للعب والهوايات، فضلاً عن مجانية التعليم لأنه ليست منحة بل استثماراً يعود للدولة بعد وقت ليس بالبعيد، ويتقاضى المعلمون رواتب عالية.

قد يبدو للوهلة الأولى من قلة عدد الامتحانات والواجبات المدرسية طبقاً للنظام العالمي, أننا أمام تعليم غير أكاديمي بالمعنى العلمي، ولكن سر المعادلة يكمن في وضع إطار محدد للتعلم بمعايير محددة، فلا يوجد مشروع يقام أو حصة تعليمية تقدم للطلاب لمجرد القيام بها، ولكنها توجد في إطار محدد بتسلسل واضح لخدمة هدف كبير في ظل عدد محدود من التلاميذ يسهل فيه التواصل مع المعلم فرداً فرداً.

مخرج أخير

أكدت المعلومات الكثيفة التي جمعتها (الصيحة) في شأن التعليم على أن الحكومة الانتقالية مواجهة بإشكاليات جمة والطريق ليس ممهداً أمامها, ومن الشواهد الأخيرة على ذلك الحملة على مدير المناهج (القراي) وبعيداً عن الآيديولوجيات, حيث أن المشهد العام يبين وجود صراع بين من يسعى لإحداث فرضته ثورة ديسمبر في مجال التعليم وبين من يتمسك بالخيوط القديمة ويتشنج باسم الدين، وبين ثالث يعترض من الناحية العلمية والمعرفية ويدعو لوضع مناهج يتواثق عليها الجميع وتلبي أشواقهم ومتطلبات المناهج العالمية، الأمر الذي يتطلب من الحكومة أن تتروى ولا تتعجل في إيجاد أسس ومخارج لإيقاف الدمار الشامل الذي لحق بالتعليم في السودان خلال الـ(30)عاماً التي خلت، وأن تتجه خلال الفترة الانتقالية للتخطيط السليم على أن يكون التنفيذ طويل وقريب ومتوسط المدى, وأن تضع خطة  تكون بمواصفات عالمية ولكنها معقولة وبتكلفة معينة وسهلة الوصول للهدف مرتكزة على العدالة والمساواة في أن التعليم للجميع بالسودان, وأن تتفادى الأخطاء التي ارتكبتها مؤخراً بالعجلة في إرضاء مغردين على الأسافير وآيديولوجيات ضئيلة، ويكشف واقع الحال أنه حتى هذه الأثناء لايوجد مسؤول وضع خطة لحل مشكلة محددة.

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى