القانون الأمريكي لرقابة الجيش.. دعمٌ للانتقالية أم مخلب قط؟!

الخرطوم- صلاح مختار

ثَار جدل واسعٌ بشأن اعتماد مجلس النواب الأمريكي، تشريعاً يدعم الانتقال الديمقراطي في السودان، من شأنه إنهاء سيطرة الجيش على الشركات الاقتصادية العسكرية وإجباره على تسليمها للحكومة، حيث تباينت ردود الفعل وسط الرأي العام الداخلي، فيما تساءل البعض عن مدى قُدرة هذا التشريع في الحد من سيطرة المؤسسات العسكرية والأمنية، أو قدرة الحكومة المدنية في فرض الرقابة على المؤسسات الاقتصادية العسكرية والأمنية، وما الهدف منها؟، وينتظر أن يتم التصويت على القانون في مجلس الشيوخ، ليُوقِّع عليه الرئيس الأمريكي.

واللافت في التشريع أنه ألحق قانون التّحوُّل الديمقراطي في السودان والمُساءلة والشفافية المالية لعام 2020م بقانون ميزانية الدفاع الوطني (NDAA) للسنة المالية 2021م الخاص بميزانية الجيش والمؤسسات العسكرية الأمريكية.

حق الفيتو

وفي 8 ديسمبر الحالي، أجاز مجلس النواب، قانون الدفاع الوطني بأغلبية ساحقة لمنع الرئيس دونالد ترمب من استخدام حق النقض (الفيتو)، حيث انه سبق له التهديد بعدم التوقيع على القانون إلا بعد سحب قانون آخر مُلحق بالميزانية العسكرية أيضاً خَاصٌ بالوسائط الاجتماعية يحمي (تويتر) و(فيسبوك) من المُساءلة القانونية ضد ما يُنشر عليها من الجمهور، وبالتالي سيُحال المشروع بحسب (سودان تربيون) إلى قانون لمجلس الشيوخ للتصويت، على الرغم من عدم وضوح أعضاء مجلس الشيوخ من الجمهوريين تجاه القانون. كما لا يعرف ماذا سيكون موقف الرئيس ترمب المنتهية ولايته من هذا القانون، الذي لم يجرؤ رئيسٌ على رفض التوقيع عليه احتراماً للجيش الأمريكي.

وأُعدّ مشروع القانون الخاص بدعم السودان في مارس 2020م، ويخول للرئيس الأمريكي تقديم المساعدة للحكومة السودانية من أجل تعزيز سيطرة الحكومة المدنية على أجهزة الأمن والمخابرات السودانية والتأكُّد من أن هذه الأجهزة لا تسهم في استمرار الصراع بالسودان أو الحد من الحُريات المدنية لجميع الناس.

إفاداتٌ مُسبقة

نصّ مشروع القانون على أنّ جُهود الولايات المتحدة لإعادة هيكلة وإلغاء دُيُون السودان (بعد رفع اسمه من قائمة الإرهاب) لا بد أن تسبقها إفادة من الرئيس الأمريكي تتضمّن قيام السودان بالخطوات المطلوبة تجاه الشفافية المالية للمؤسسات الاقتصادية العسكرية، وتشمل هذه الشفافية وجود الرقابة المدنية على أموال وأصول الأجهزة العسكرية والأمنية، وميزانية هذه القوات، والكشف عن أسهم المُؤسّسات العسكرية في جميع الشركات العامة والخاصة وتحويلها إلى وزارة المالية أو أي جهاز مستقل يُخضع لسيطرة الحكومة المدنية، كما نص مشروع القانون على إنهاء أيِّ تَدخُّل للأجهزة الأمنية والأمنية قطاع التنقيب والموارد المعدنية، بما في ذلك البترول والذهب.

آلية شفّافة

واعتبر كبير مستشاري السياسات في مؤسسة (كفاية) سليمان بلدو بحسب (سودان تربيون)، أنّ أهمية هذا التشريع تنبع من سعيه لإنشاء آلية شفّافة لمُراقبة إدارة هذه الشركات العسكرية ومنع الفساد. وقال “في غضون ستة أشهر، سيقدم الرئيس الأمريكي تقريراً إلى الكونغرس يحدد الأفراد والكيانات التي ترتكب انتهاكات في السودان مخالفة لهذا القانون وتعيق الانتقال الديمقراطي في السودان”.

مخلب قط

ووصف الخبير القانوني عثمان محمد الحسن خيري، التشريع بأنّه فخٌ أو مخلب قط لتوقيع عقوبات على عسكريين سواء كانوا في الحكومة الحالية أو الحكومة السابقة، وقال لـ(الصيحة)، إنّ التشريع بداية لتأسيس وتوقيع عقوبات على شخوص عسكريين وليس المنصوص عليه، الغرض منه الضغط على شركات عسكرية أو أمنية كي تلتزم مع المالية، وأكد أن الكونغرس الأمريكي درج على إنشاء قوانين، انطلاقاً من النظرية التي تدعو إلى إلغاء سيادة الدول، ولذلك أصبح يتخذ قوانين تُطبّق في دول أخرى، وأن تطبيقها لا يعتمد على أشخاص، وإنما التشريع تمهيد لإعلان عقوبات على شخوص يمكن أن يكونوا حاكمين حالياً, واعتبر ذلك جزءاً من لعبة دولية يتم تنفيذها الآن!!

تعويضٌ ماليٌّ

وقال خيري “من الطبيعي جداً أن الجيوش لديها موارد خارج الموازنة، وحتى الجيش الأمريكي لديه استثمارات ضخمة، كذلك الجيش المصري الذي لديه استثمارات أضعاف ما لدى الجيش السوداني. وأكثر من مائة ضعف الاستثمارات في مصر تابعة للجيش”، وأضاف “حتى البسكويت تنتجه الشركات التابعة للجيش المصري”، وأكد أن الصناعات الدفاعية لا يُمكن أن تكون تجارية، وإنما تعمل تحت القوات المسلحة والجهات الأمنية، ومن الاستحالة بمكان أن تكون شركات تجارية، غير أنّه رأى أنّ هنالك تمدداً في الاستثمارات للجيش، وبإمكانه أن يتنازل عنها دُون إشكالٍ، وبالمُقابل أن يتم تعويض الجيش عنها كي تحصل المُعادلة، وقال إذا تم ذلك تصبح ورطة للحكومة، لجهة أنها إذا استلمت منظومة الصناعات الدفاعية لا بد من تعويض الجيش تعويضاً مالياً، تضمن داخل الموازنة كتعويض مالي، وبالتالي لا تستطيع الحكومة تحمُّل ذلك.

ساقية جحا

ويرى خيري أنّ للقوات المسلحة استحقاقات، وهنالك ظروف استثنائية وأن الدولة مُجابهة بتعقيدات أمنية وحروب وانتشار الجريمة وحماية الثورة، وطالما أن الجيش انحاز لجانب الثورة، فإنه مُطالبٌ بحمايتها بالتالي لا بد من تمويل الجيش، وأي حديث غير ذلك يعني أنه يعتمد على موارده الذاتية، ولذلك الحل أن يُعلن الجيش جاهزيته الكاملة لتسليم المُؤسّسات الاقتصادية للحكومة المدنية، وعلى الحكومة المدنية تشكيل لجنة مُتخصِّصة للصناعات الدفاعية التي لا يُمكن أن تظل في يد القوات المسلحة، وإنما تسلم للدولة ويتم تسليم تعويض عنها للجيش حتى تستطيع القوات المسلحة أن تسيِّر أمورها، ورأى خيري أن ما يُثار عبارة عن زوبعة في فنجان، لجهة أن موارد الجيش موارد وهمية هي عبارة عن إعفاءات جمركية وضرائبية لا تحقق أرباحاً كما يطمع إليه البعض، وإنما هي شركات عادية لديها امتيازات جمركية وضريبية تحقق أرباحاً، ولكن إذا سحبت منها الحكومة تلك الامتيازات لا يُمكن أن تحقق ذلك، وبالتالي (القضية تحصيل حاصل ومن البحر وإليه مثل ساقية جحا).

مَطالب تعجيزية

البُعد الخاص لهذا التشريع، قد يراه البعض تدخلاً صريحاً في الشؤون الداخلية للدول، ربما لأنّ القضية عندما تمس الجيش تتبادر إلى الذهن أشياء كثيرة لا يمكن السكوت عنها.

ويرى الخبير العسكري الاستراتيجي اللواء (م) عبد الرحمن أرباب، أن التشريع نوعٌ من أنواع التدخل في الشؤون الداخلية السودانية أو لأيّة دولة، وهو نوعٌ من التعجيز لقُدرات الدولة في توحيد إرادتها الوطنية، وبالتالي قد لا تريد الولايات المتحدة الأمريكية رفع السودان من قائمة الإرهاب، ولذلك تدفع في كل مرة بمطالب تعجيزية حتى يكون السودان دائراً في فلكه!!

وأوضح في حديثه لـ(الصيحة)، أنّ قضية المؤسسات العسكرية والأمنية متفق عليها داخل القيادة السودانية والعمل جارٍ فيها، وهنالك توافقٌ بشأنها، بالإضافة لوجود لجنة إزالة التمكين والتي تعمل في هذا الخُصُوص، بجانب أنّ الانتخابات ستأتي حتماً، ولذلك ليس هنالك سببٌ لهذا، ورأى أنّ التشريع لا يقصد في مُحتواه أشخاصاً بعينهم لأنه يتم تجاوز ذلك بعد الانتخابات، وبالتالي ليس لدى الكونغرس صلاحية في إنشاء تشريع يحد من سيادة الدول، وأية دولة لها سيادتها الكاملة على أراضيها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى