لعنة “الخيانة”!!

بينما تستحكم الأزمة ببلادنا، يجيد البعض ممّن ولاهم الله أمر البلاد والعباد فن الهروب إلى الأمام؛ وذلك عبر صك تبريرات واهنة، لا يملون من تردادها عساها أن ترسخ في أذهان مُستمعيها، وعساها أن تستولد العذر لضعف قدرتهم وعجزهم عن مواجهة هذه الأزمات!

الإنجاز بالسلب هرباً من الإنجاز بالإيجاب هو وقود قِوى الحرية والتغيير الآن.. يشغلون طاقتهم، وطاقة مناصريهم السياسيين في التصفيق والصفير لمجازر الخدمة المدنية، فصلاً وتشريداً، في خطى “تمكين مُضاد”، ولفصيل سياسي بعينه، ثم حملة الاعتقالات والحبس غير القانوني، والفرجة إن لم تكن المُساهمة في تشويه صور مُخالفيهم عبر الوسائط، ومُحاولة إرهابهم بالشتم والإساءات، مع الدعوة لحل المؤتمر الوطني التي أظن أنّها باتت أولى أولوياتهم الآن!

يقيني أنّ كل هذا هدر لطاقة البلد.. وتضييع لفرصتها… وهروب للأمام من مشاكل حقيقية، بالإضافة إلى أنه خيانة حقيقية لشعار الثائرين الشهير (حرية.. سلام وعدالة).

فلا فصل المئات، ولا حل المؤتمر الوطني سوى “فش غبينة” وانتصار لثأرات نخب النادي السياسي ومعاركه “الصدئة”!

لا أظن أن الشعب السوداني اليوم ينتظر مُرافعة من وزراء “قحت” حول سوء الماضي ليهدروا أوقاتهم فيه.

يا سادة، واجهوا هذا السوء بالأفعال لا بالأقوال.. أخرجوا لنا يا كفاءات، حلولكم، وقدموا لنا رؤيتكم.. فالحكمة الأزلية تقول: أوقد شمعة بدلاً من أن تلعن الظلام!

سيقولون: إنها مشاكل ثلاثين عاماً، فهل تريدوننا أن نحلها في شهور؟!

والجواب لمزيد من الراحة والاطمئنان لمن يقول بهذا المنطق: “بل إنها مشاكل ٦٢ عاماً من الاستقلال وحتى اليوم، وكل يتحمل فيها بمقدار فترته وكسبه”.. المهم ليس كم لبثنا!.. إنما المهم في تقديري هو أن نطمئن أنكم تملكون القدرة لمخاطبة الأزمة في جذورها حلاً، لا المساهمة في إضافة سنوات لرصيد الأزمات والمتاهات!

وإذا كانت الحرية والتغيير مشغولة بحكومتها في تجريم الماضي وفي إدانة الفاعلين فيه، لا في صناعة المستقبل، ولا في وضع أقدام بلادنا في الطريق السليم فحتماً إن الفشل سيكون هو حصاد رحلتها!

ما زالت قِوى الحرية والتغيير تملك الفرصة؛ وذلك بعد أن توقف مجازرها واعتقالاتها العشوائية، وتسهم في خفض حدة خطاب الكراهية والثأر والانتقام والفرز الأيديولوجي، وتشغل نفسها بالمستقبل، وتحرص على أن تسوق إليه جميع السودانيين إلا من أبى، وأقول متيقناً إنه وبغير هذا الطريق فلا منجاة لبلادنا.. وهذا ليس من باب الرجم بالغيب، ولا من باب التنجيم، لكنها عبرة قراءة تاريخنا السياسي بكل ما فيه من إخفاقات وإشراقات.

ونصيحتي كذلك لهم بضرورة توسعة كيانهم السياسي أو حله وتأسيسه من جديد، على رؤى مُستوعبة للجميع، ومتجاوزة للخلاف.. محكمة للقانون لا الثأرات.. للعدالة لا الانتقام.. مشدودة نحو القيم التي رفعوها وعليها وافقهم كثيرٌ من الناس واستبشروا بهم.. فإن لم يفعلوا فقد خانوا مبادئهم، وويل لمن يخون شعاراته ومبادئه من لعنة التاريخ والحاضر والمُستقبل!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى