ابتزاز الحكومة الانتقالية.. عرقلة مسار الانتقال

 

تقرير: صلاح مختار

وصف أمين التنظيم بالحزب الاتحادي الأصل علي السيد الحكومة الانتقالية بأنها هشة ومعرضة للابتزاز الداخلي والخارجي، ولعل الحديث ليس بمستغرب وطبيعي بالنظر إلى الأحداث والازمات التي تمر بها البلاد. ويبدو من الواضح من خلال ملف العلاقات السودانية الأمريكية أن الخرطوم تعرضت إلى ضغوط كبيرة لإجبارها على تقديم تنازلات والموافقة على أحكام لم تكن طرفاً فيها، ولعل ابتزاز الحكومة وهشاشتها تكمن في الموافقة على الشروط الأمريكية الخاصة بدفع تلك التعويضات الأولى بشأن المدمرة كول والثانية دفع تعويضات تفجير سفارتي دار السلام ونيروبي، ورغم أن الحكومة الانتقالية سارعت بجمع الأموال وتسديد الفواتير للمحكمة، إلا أن الإدارة الأمريكية لوّحت مرة أخرى بملف تعويضات تفجير الحادي من سبتمبر، بالتالي فإن البعض يرى أن تعاقب المطالبات الأمريكية على السودان رغم علمها بظروفه الاقتصادية والسياسية ما هي إلا ابتزاز واضح واستغلال ضعف الحكومة لتمرير أجندتها.

الأمر الآخر، البعض يرى أن هشاشة الحكومة في استجابتها للكثير من الضغوط الخارجية سواء أكان بشأن التطبيع أو القبول بما لم يتفق عليه بالداخل، ويضيف البعض التفكك السياسي والتجاذبات بين القوى السياسية التي ولدّت حالة الاستقطاب الحاد عرّضت الحكومة إلى تدخلات داخلية وخارجية مما يمهد إلى إسقاطها، ونوّه البعض إلى تصريحات السفير البريطاني الذي طالب البعض بطرده من البلاد.

فيما وصف رئيس مفوضية السلام سليمان الدبيلو في حوار، تصريحات السفير بأنه يتحدث كناشط وليس دبلوماسياً، وهو أمر يرده البعض إلى استغلال ضعف وهشاشة الحكومة،   بالتالي السؤال الذي يطرح نفسه: هل ترمي تلك التدخلات إلى عرقلة المسار الديمقراطي أم تحقيق مبدأ المصالح المشتركة؟

عرقلة المسار

يشير مصدر إلى تصريح  رئيس الوزراء حمدوك الذي كان فيه واضحاً في نقده للمقاربة الأميركية، إذ قال إن من غير العادل مواصلة واشنطن معاقبة السودان بعد 20 عاماً على استضافة بن لادن، وأضاف أن واشنطن تُعرقل مسار الانتقال إلى الديموقراطية، إذ تقف عقوباتها حائلاً دون خروج السودان من عزلته الدولية.

وقال المصدر لـ(الصيحة)، إنه في ظل انهيار متواصل للعملة المحلية، وضعف مداخيل الدولة، فإن العملية الانتقالية ما زالت هشّة وقابلة للاهتزاز  ولفت إلى أن ضعف الحكومة وهشاشتها تبينت في الفشل الذي أصاب أداء الحكومة خلال عامها الأول، وعجزت أن تقدم ما يشفع لها عند المواطن، مشيرًا إلى انهيار شبه كامل للدولة في كل جوانبها الاقتصادية والأمنية والاجتماعية.

مصالح مشتركة

لكن رئيس المجلس السيادي الأنتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان يقول في مقابلة مع التلفزيون (لم نتعرض لأي ابتزاز في قضية التطبيع، نحن لدينا مصالح في ذلك، رفع اسمنا من قائمة الدول الراعية (للإرهاب) سيجعلنا نعود إلى العالم ونستفيد اقتصادياً ونحصل على التكنولوجيا. وأشار إلى أن السودان تضرّر كثيراً جراء العقوبات التي كانت مفروضة عليه لأعوام طويلة.

إلا أن الراحل رئيس حزب الأمة القومي الإمام الصادق المهدي، كان قد حذر من وقوع الحكومة الانتقالية بين براثن الابتزاز الخارجي، وطالب في ندوة عن مخاطر التطبيع مع إسرائيل، حذر الحكومة بالكف عما سماها الاتصالات والرحلات غير المنضبطة في اتجاه التطبيع، متهماً الولايات المتحدة بعرض صفقة ابتزازية للسودان، وهي التطبيع مع إسرائيل، مقابل شطبه من القائمة الأميركية للدول الراعية للإرهاب.

تشوّهات الحكومة

ولأن العلاقات الدولية تقوم على مبدأ المصالح المشتركة، فإن تحقيق تلك المصالح يمكن أن يستخدم فيه كل شيء، ولا عذر للدول الضعيفة أو الهشة.

إلا أن الكاتب والمحلل السياسي أبو بكر آدم يرى في حديثه لـ(الصيحة)، أن أسباب ضعف الحكومة المحاصصة الحزبية، التي جعلت أحزاباً سياسية تنال مناصب متعددة داخل الحكومة الانتقالية، في الوقت الذي لا تتمتع فيه هذه الأحزاب بأي رصيد جماهيري حقيقي، شعور هذه الأحزاب بأن الفترة الانتقالية هي فرصتها الوحيدة لتنال مناصب سياسية مؤثرة جعلتها تتكالب على السلطة، مما أدى إلى تشوهات في جسد الحكومة الانتقالية، إضافة إلى ذلك توظيف جيش جرار في مناصب متعددة وحساسة بدون معايير تذكر، أغلب على هذا التعيين قائم على المزاج الشخصي، وهي طريقة أسفرت عن تركيبة هجين للحكم بلا قواسم مشتركة حقيقية، ما يجعل الاستفادة من هؤلاء محكومة بالتجريب ولا يقوم على أسس منهجية واضحة، وهي أزمة حقيقية، لأن الفترة الانتقالية لم تعد لتكون سنة واحدة، بحيث تكون غير مؤثرة بغض النظر عمن شارك في طاقم إدارتها، ولكنها أعدت لتكون فترة انتقالية طويلة، تشبه في مدتها فترة انتخابية رئيسية مكتملة، وهنا لا يصلح التجريب العشوائي ولا المزاج الشخصي.

مسرحية جديدة

ونصح في السياق ذاته الكاتب والأكاديمي اللبناني جلبير الأشقر في مقال منشور إنه لو رضخ الحكم في السودان للابتزاز الأمريكي وشارك في مسرحية جديدة دعماً لحملة ترامب الانتخابية، سيكلّفه ذلك الكثير إذا فاز الديمقراطيون في انتخابات الرئاسة والكونغرس، عوض القبول بالابتزاز، وقال ينبغي على الحكومة السودانية أن تستعطف الرأي العام الأمريكي والأوروبي ومؤيدي الديمقراطية والتضامن مع الشعوب المنكوبة في الكونغرس الأمريكي والاتحاد الأوروبي، كي تُرفع كافة القيود الدولية عن السودان ويكافأ شعبه من أجل سيره على درب الديمقراطية والسلام بتوفير كافة أشكال الدعم له. وقال: فلا عجب من أن يكون اهتمام إدارة دونالد ترامب المفاجئ بالسودان، الذي عبّرت عنه زيارة وزير الخارجية مايك بومبيو إلى الخرطوم قادماً من دولة إسرائيل في الشهر الماضي، لا عجب من أن يكون اهتماماً لا يمتّ بصلة إلى الحرص على التغيير الديمقراطي في السودان وعلى مساعدة شعبه على اجتياز المحنة الاقتصادية، بل هو محصور بمهمة بومبيو الرئيسية الحالية، ألا وهي خدمة حملة ترامب الانتخابية بتحقيق (إنجازات) في السياسة الخارجية يتغنّى بها ترامب على عادته بأنها (الأعظم في التاريخ).

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى