الشيخ/أحمد التجاني أحمد البدوي يكتب : حقائق للاذكياء حول طلب الصالحين للدعاء

 

من المعلوم عند علماء التوحيد الأشاعرة والماتريدية أن الله خلق الأسباب والمسببات وربط بينهما ربطاً عادياً ويجوز التخلف بمعنى أنه سبحانه في كثير من قضائه وقدره لم يتعامل مع خلقه مباشرة إنما جعل بينه وبينهم وسائط ووسائل مثلاً في قوله:( وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) فهو الرازق ومع ذلك أمر بالسعي لطلب الرزق في قوله: ( فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ) وقال:(وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ الله) فهو الناصر لكنه أمر بالتسلح وأخذ الحذر وذلك في قوله:( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ الله وَعَدُوَّكُمْ) وفي الشفاء قال: (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) وهو الشافي لكنه أمر بالتدواي وذلك في قول رسوله: (ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء) وفي الأولاد والذرية قال تعالى: ( يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً) وهو الواهب وهذا لم يمنع جبريل عليه السلام أن يقول: (قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا) لكنه لم يقل ليهب الله لكِ إنما نسب الأمر الى نفسه مع علمه أن الفاعل حقيقةً هو الله فالله سبحانه وتعالى جعل هذه الأسباب لكن قدرته صالحة أن يفعل ما يريد دون وسائط ووسائل وذلك في قوله تعالى: ( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ) ويقول أهل التوحيد اذا أراد شيئاً يكون من غير كافٍ أو نون فبإمكانه أن يرزق من غير سعي ويشفي من غير دواء ويروي من غير ماء ويشبع من غير طعام وينصر من غير عدة وعتاد ويقول أهل التوحيد كذلك أن الدواء لا يشفي لذاته وأن الطعام لا يشبع لذاته والنار لا تحرق لذاتها والسكين لا تقطع لذاتها فهذه الصفات ليست ملازمة لموصوفها لكن الله يخلق لها هذه الصفات متى أراد وتعمل بإذنه، فسيدنا عيسى كان يحيي الموتى ويبريء الأكمه والأبرص بإذن الله وكذلك يفعل الأولياء والصالحون بإذن الله فالنار لم تحرق سيدنا ابراهيم والسكين لم تذبح سيدنا إسماعيل و الماء أغرق فرعون ولم يغرق موسى في اليم وأهل الكهف لبثوا ثلاثمائة سنين وإذدادوا تسعاً من غير أكل أو شرب وقد تتناول الدواء ولا يشفيك وأهل بدر إنتصروا مع قلة عددهم وعتادهم وأنهزم أهل حنين مع كثرة عدتهم وعتادهم وعددهم ورزق مريم بنت عمران من غير سعي: (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا) ومن يعتقد أن هذه الأمور تكون بذاتها ولذاتها فهو مشرك وإلا فلا ولذلك لا مانع أن يقول الإنسان إن الدواء نفعني والدكتور شفاني والماء أرواني والنار أحرقتني وفلان ضراني إنما يراد بذلك المجاز والفاعل حقيقةً هو الله وعليه عندما يأتي شخص لشيخ أو لفرد أو لجماعة أحسن الظن بهم لقضاء غرض بالدعاء لم يقل يا شيخ إفعل لي كذا فيخرج الشيخ ذلك الغرض من جيبه أو كيسه فيعطيه له لكنه يقول للشيخ إسأل لي الله الفاتحة أن يعطيني ولد أو أن يقضي حاجتي وهذا من باب المجاز أن الشيخ يقضي الغرض ويعطي الجنى(الولد) وينزل المطر بسؤال الله ظناً منه أن الشيخ  مستجاب الدعوة  وقد لا تستجاب الدعوة وليس أنه صاحب كن فيكون فالدكتور يعالج اللائي لم يلدن والمرضى بالدواء والشيخ يفعل الشيء نفسه بالرقية والدعاء فأين المشكلة والفاعل في الحالتين حقيقةً هو الله و الرجل الصالح حياً وميتاً  يصل نفعه للاحياء و ذلك في قوله تعالى: (و أما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة و كان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحاً فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمرى ذلك تأويل ما لم تستطع عليه صبرا) وإلا فماذا يقول هؤلاء في قول سيدنا سليمان: ( قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) قَالَ عِفْرِيتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) والملاحظ أن كلاهما قال:(أنا آتيك به) ولم يقولا ان شاء الله أو بإذن الله هل هذا ادعاء للألوهية بحضرة سيدنا سليمان عليه السلام أم أن هذا يحتم علينا ان نفهم النصوص وتفسيرها بغير الفهم الذي فهمناه أما كان الأولى لسيدنا سليمان أن يسأل ربه ليأتي له بالعرش ولا يسأل خلقه وهو النبي والرسول الموحد فهل هذا شرك أم ماذا؟ (مالكم كيف تحكمون) وما قولكم في قول سيدنا يعقوب (قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ) فبالله اما علم يعقوب أن الذئب لا يأكل الا باذن الله أما علم بقوله تعالى:( وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلا) أم أن هذا شرك كذلك؟وسيدنا موسى وهو يناجي ربه:(وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ) أما علم أن المميت هو الله ومن خاف من الله خاف منه كل شيء أم أن هذا شرك؟  والرسول صلى الله عليه وسلم عندما هاجر الى المدينة دخل الغار(ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) فهل هذا يعني أن الله داخل الغار معهم وخارجه فلا أم أنه خوف من غير الله أما علم أن الله قادر أن يحميه ولو مشى على ظهرانيهم وأعينهم أم أن الخوف من غير الله شرك؟ لكن أهل التوحيد  يعتبرون هذه الأفعال التي فعلها الرسل والأنبياء انما هي تشريع للأٌمة وتأسياً وإقتداءً ليستعينوا ويستجيروا ويتوسلوا ويحتاطوا ويستغيثوا بغيرهم من المخلوقين لقضاء حوائجهم مع الإعتقاد الجازم أن الفاعل حقيقةً هو الله في كل ذلك.

و أي شرك تخشونه على هذه الأمة و ما أنتم بأحرص عليها من نبيها و قد قال: (ما أخاف عليكم أن تشركوا من بعدي و لكن أخاف عليكم أن تتنافسوا فيها ) رواه مسلم  .

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى