الفوضى تضرب أطنابها في حفل عقد الجلاد!!

 

كتب: محمد إبراهيم

الفوضى تضرب:

ربما يكون عنوان هذا المقال أبلغ توصيف لما كان عليه حال حفل مجموعة عقد الجلاد عشية الثلاثاء بالمسرح القومي بأم درمان. والشمس في مركزها بدأت جموع (العقادة) في التدافع نحو بوابات المسرح القومي العتيق للظفر بكرسي بالغ الرثاثة والكآبة في بطن المسرح.. وبما أن البدايات دائماً ما تؤشر لما ستؤول إليه النهايات، فقبيل بداية الحفل كان لافتاً أن الفوضى ستضرب أطنابها النهايات… شاب سبق الجميع في الدخول للمسرح.. وحجز نحو عشرين كرسياً من الكراسي الأمامية لآخرين يبدو أنهم لم يفكروا حتى في الخروج من منازلهم بعد، ومنع أي شخص من الاقتراب منها… . آخر وضع كل أغراضه (شنطة.. مناديل.. قارورة مياه.. فردتي حذائه) لحجز نحو ١٥ مقعداً… ثالث لم يجد ما يحجز به سوى تمديد جسده على كراسي مرصوصة ليحجز لأصدقائه الغائبين ويترك للواصلين المقاعد الخلفية.. يحدث كل ذلك دون أن تتدخل أي جهة لردع هؤلاء الشباب.. ربما كانت تلك المؤشرات الأولية إرهاصات لكيفية ما ستكون عليه النهايات….

الكثرة التي غلبت الشجاعة:

إدارة عقد الجلاد بذلت جهدًا مضاعفاً للمحافظة على الحفل خاصة فهمي ونصر الدين.. إلا أن صخب وفوضى الجمهور كان بمثابة (الكثرة التي غلبت الشجاعة). قبيل بداية الحفل بساعة امتلأت كراسي المسرح الرثة عن آخرها.. لم يعد ثمة مكان لآخرين.. فاضطر المتأخرون نسبياً إلى تسور الجدران والوقوف في الممرات… بدأ الحفل بخمسة مغنين فقط.. مع غياب لافت لشمت محمد نور الذي أثر كثيراً في أداء المجموعة في الوصلة الغنائية الأولى.. وضع المغني سيف نفسه في مقارنة رفضها الجمهور مع شمت عندما اضطلع بأداء الصولات التي اشتهر بها شمت.. كانت شجاعة أدائية منه رغم صافرات الاستهجان التي قوبل بها..

ثبات شريف شرحبيل:

مضى الفاصل الأول من الحفل معتمداً بشكل مباشر على ثبات المغني شريف شرحبيل الذي سعى ليكون قائداً للمجموعة في المسرح بغياب شمت.. خاصة عندما صعد شابان إلى المسرح يحملان صورة شمت ويطوفان بها جيئة وذهابا في أرجاء الخشبة.. ربما كانت لفتة عفوية وقتها.. إلا أن تعمد وقوفهما وتغطيتهما للمغنيين وطول مكوثهما في المسرح بدا كمزايدة ممعنة في بعث رسائل أنه لا عقد بلا شمت.. ذاك ما جعل شريف يخاطب الناس أن هناك اختلافاً في الرأي مع شمت وتمنى أن يزال سوء الفهم ويعود شمت في حفلة يوم الأربعاء.. وهتف مع الجمهور (شمت لازم يعود).. وظن الكثيرون أن ينتهي هذا الأمر… إلا أن إصرار الشابين عدم تعمد الصعود مرة أخرى بصورة شمت جعل شريف يخرج من طوره لأول مرة ويحتد معهما..

تركيبة جمهور عقد الجلاد:

الانضابط.. محافظة العقد وجمهوره العتيق على السلوكيات العامة والمظهر الذي كان يميز المجموعة طوال العقود السابقة لم يكن له أي أثر في الحفلة أمس.. فقد بدا أن تركيبة جمهور عقد الجلاد قد تبدلت تمامًا.. هذا الأمر  دعا صديقي ورفيقي المهندس عمار إلى إبلاغي ممتعضاً (دي آخر حفلة أحضرها لعقد الجلاد)، وصديقي هذا يحفظ كل أغنيات العقد ومداوم على حفلاته منذ أكثر من عشرين عاماً.. كان الأمر برمته باعثاً على الغثيان والصجر.. كان أغلب الجمهور من فئات عمرية صغيرة.. يتميز أغلبهم بالحماسة الزائدة والصخب غير المبرر… والإمعان في الغناء مع المجموعة بطريقة مرتجلة صاخبة، وهو ما ضيع خطوط الألحان الأساسية وتوّه أصوات المغنين.. لم يتوقف الأمر هنا… فقد بدت تفلتات لم تكن مألوفة في حفلات الفرقة وتصاعدت أبخرة السجائر من بين الأبدان المتلاصقة.. وروائح المشروبات الروحية تفوح دونما اكتراث لهيبة المسرح والجمهور والمجموعة…

هاك كلم الزهرة:

في النصف الثاني.. صعد إلى المسرح هاني عابدين وزوجته المغنية رانيا.. وعمر زولو وزوجته المغنية هند عبد السلام وجميعهم أعضاء سابقين في عقد الجلاد ورددوا مع المجموعة اغنيات (هاك كلم الزهرة) لعاطف خيري.. وست البيت لمحجوب شريف وحاجة آمنة لهلاوي.. رغم الزخم الجماهيري الذي أضفاه ظهور هؤلاء المغنين.. إلا أن الجمهور والحضور لم يعرفوا أسبابه المنطقية… فهل هو محاولة لتعويض غياب شمت؟ أم تدريج لعودته؟ أم بعث رسائل أن شمت كان وراء غياب تلك الأصوات الجماهيرية والمؤثرة أم إن الأمر لا يتعدى سوى كونه محاولة للدفع بأصوات افتقدها الجمهور كثيرًا؟

ضعف بعض الأصوات:

أكبر الأخطاء هو تنظيم حفل العودة في المسرح القومي ذي المقاعد المتهالكة والمساحة الضيقة بسعته المحدودة التي لا تتسع لأكثر من ألف شخص فقط.. وكان نادي الضباط هو الخيار الأمثل.. الصوت كان رديئاً للغاية.. لم يتبين أغلب الجالسين في الخلف الكلمات ولا الألحان ولا أصوات المغنين.. أقوى عناصر الفرقة كانت الفرقة الموسيقية التي نفذت الأغاني بحرفية كبيرة غطت على ضعف بعض الأصوات الجديدة التي لم تقدم أي إضافة للمجموعة…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى