الطاهر ساتي يكتب : طرق الموت السريع..!!

 

:: لهم الرحمة والمغفرة بإذن الله، وتقبلهم الله قبولاً حسناً، وأكرم أسرهم وأهلهم وأحبابهم بالصبر الجميل.. غادرنا إلى الرفيق الأعلى حَفَظَة القرآن الكريم، الشيوخ الأجلاء، نورين محمد صديق، علي يعقوب، عبد الله عوض الكريم ومهند الكناني، وفُجع شعبنا بالرحيل المؤلم يوم الجمعة إثر حادث سير، على بُعد 18 كلم من أم درمان، وهم في طريق العودة من وادي حلفا.. اللهم اجعل ما يحفظونه قريناً، وفي قبورهم مؤنساً، ويوم القيامة شفيعاً، وعلى الصراط نوراً، وإلى الجنة رفيقاً، ومن النار ستراً وحجاباً.

:: هي أقدار الله، وبها نؤمن، ومع ذلك يبقى بؤس الطرق من أهم أسباب الحوادث.. وقومياً، ليس فقط طريق شريان الشمال الذي شهد هذا الحادث المُحزن، بل كل الطرق القومية بحاجة إلى مسارات مزدوجة، لتستوعب حجم الحركة، وكذلك بحاجة إلى إعادة تأهيل.. نعم، ليس فقط شريان الشمال، بل حتى الطريق إلى كسلا محفوف بمخاطر (الحُفر)، وكذلك الطريق إلى عطبرة وشندي وبورتسودان والأبيض و.. و.. كل الطرق، بحاجة إلى تأهيل ومسارات مزدوجة..!!

:: ومن المشاهد المحزنة بطريق شريان الشمال، ونشرتها قبل عام تقريباً، كان رمال الزحف الصحراوي تغطي الطريق – في أماكن متفرقة – بين الحين والآخر، فهي أيضاً – كما الحُفر – من مخاطر الطريق، وهذا المشهد مُحزن.. ولكن المُشرق – في المشهد – هو أن شرطة المرور السريع هي التي تتولى مهمة إزالة هذه الرمال عن الطريق (تطوعاً).. حماية الطريق من الرمال والسيول والحفريات ليست من مهام الشرطة، بل هي من صميم مهام وزارة اتحادية لم تعد تتقن غير نصب خيام الرسوم على الطرقات..!!

:: وترتيب السودان الثالث عشر عالمياً في حوادث المرور.. ويبدو أن موقعنا في القائمة لن يبارح هذا الترتيب المزعج.. فالرقم مزعج لشعب تعداده السكاني لم يتجاوز الأربعين مليوناً.. فمع القيادة بتهور، فإن رداءة الطرق من الأسباب الأساسية لكل هذا الموت.. وتلك رداءة صنعتها مرحلة ما قبل التنفيذ، أي مرحلة التخطيط (العشوائي)، ثم مرحلة التنفيذ غير الخالية من الفساد.. وكثيرة هي الطرق التي تآكلت أطرافها، أو تتوسطها (الحُفر)، لغياب الضمائر وأجهزة الرقابة في مراحل التنفيذ..!!

:: ثم الشاهد أن اللجان التي كان يتم تشكيلها لتخطيط وتنفيذ الطريق لم تكن تشمل كل الجهات ذات الصلة بالطريق، وكتبت عن هذا الخلل كثيراً.. وعلى سبيل المثال، إدارة المرور إحدى الجهات التي لم تدخل لجان التخطيط والتنفيذ إلا قبل ثلاث سنوات فقط.. غُيبت طوال السنوات السابقة جهلاً أو تجاهلاً.. وهناك جهات لا تزال مغيبة، ولذا يتفاجأ المواطن بين الحين والآخر بآليات تحفر الطرق القومية وشوارع المدن وتقطعها بالعرض لتوصيل خدماتها للمواطنين، كالمياه والكهرباء أو لتمرير مجاري السيول وغيرها..!!

:: مع المهندسين، فإن خبراء من شرطة المرور كان يجب أن يكونوا أعضاء في اللجان المشرفة على تخطيط وتنفيذ الطرق والشوارع، وهذا ما لم يحدث.. وفي بلاد الدنيا كلها، مع الفرق الهندسية، تشارك شرطة المرور في تحديد عرض الشارع، والمواصفات الفنية التي تسهل انسياب المرور.. ولكن في بلادنا، يتم تخطيط الطريق والشارع، ثم تنفيذهما حسب أهواء الشركة المنفذة، ويكون شرطي المرور آخر من يعلم، ولهذا – كما نهدر الأموال في شوارع المدن – نهدر الأرواح في طرق الموت السريع..!!

 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى