محمد ميرغني.. فنان كزجاجة عطر باريسي أنيق!!

كتب: سراج الدين مصطفى

(1)

(أنا ومحمد ميرغني)، و(أنا والأشواق)، هكذا أحب هذا التوازي في علاقة كان إطارها الأول هو (الإعجاب) ثم ثم انفتح ذلك الإطار لتصبح علاقة (محبة شديدة) تتمتع بكل صفاتها وجمالها الذي تستمده من محمد ميرغني الإنسان.. صاحب المعشر الودود والحلو.. ومن يقترب منه ربما يتناسى فكرة أنه (فنان عظيم) لأنه في الأصل (إنسان عظيم) بكل ما تحمل الكلمة من معانٍ ومضامين ..

(2)

عظمة محمد ميرغني  الفنية كان منبعها أصالة الإنسان والتكوين البسيط الذي يؤشر على قيم التواضع رغم وجود ما يجعله غير متواضع.. لذلك حباه الله بكل هذا الحب الجارف من أمثالي.. وهم كثر.. تجدهم يتحلقون في بيته المفتوح مثل قلبه تماماً..

وبالتأمل  العميق في أغنية بقامة (أنا والأشواق) يكفي أنها أغنية تؤشر علي عبقرية صانيعها.. فهي احتشدت بكل ما هو مختلف وجديد..

(4)

ولعلها واحدة من الأغاني التي مثلت بعثاً في الأغنية السودانية من حيث تركيبتها اللحنية ومفردتها الشعرية.. فهي أغنية تمثلت فيها كل عناصر الأغنية الخالدة.. وهذا يؤكد تماماً على العبقرية الشعرية للشاعر الفذ (السر دوليب )، الشاعر صاحب المفردة العميقة والمتجاوزة.. ولعل الموسيقار الراحل حسن بابكر وضع لحناً موزاياً للنص.. مما أكسب الأغنية بعداً جمالياً وطعماً وروحاً عالية كان مرورها النهائي عبر حنجرة الفنان محمد ميرغني.

(5)

 قصدتُ تحديداً أن أتوقف عند أغنية (أنا والأشواق) كنموذج.. ولكن هناك نماذج غنائية لا تحصى أو تعد للملحن العبقري الراحل حسن بابكر.. وإذا تأملنا جميع الألحان التي قدمها (محمد ميرغني ـــ حسن بابكر) نجدها تجتمع تحت عنوان واحد هو التحرر، فأصبحت القاعدة أنه لا توجد قاعدة، فقد تحرر حسن بابكر في قطعه الموسيقية من القوالب القديمة للموسيقى البحتة والتي كانت تضم التراث الشعبي والحقيبة والطنبارة وكل الأشكال الكلاسيكية القديمة.. وظلت تلك الأشكال  سائدة حتى تفنن محمد ميرغني وحسن بابكر  في تكسيرها واحدة وراء الأخرى، وهنا لن ندخل  فى تفاصيل أكاديمية (لا تتوافر لنا)، لكن يمكن إيجاز القول في أنهما  نجحا في فك أسر الموسيقى من قوالبها التي جمدت مع الزمن، ومع تحول الفن من التطريب إلى التعبير بمقدم الفنان والموسيقار محمد الأمين  في مطلع الستينيات أصبح للتعبير الأولوية المطلقة عند الموسيقيين والجمهور على السواء.

(6)

من المهم التوقف في تجارب خالدة مثل تجربة الفنان محمد ميرغني.. فهو قدم تجربة ضد النسيان.. تشابكت فيها التفاصيل مع المبدع الراحل حسن بابكر.. فكان الناتج غناء محترماً يحتشد بالعذوبة والرقة والشجن.. ولعل محمد ميرغني هو بتقديري الخاص هو من أسس لمدرسة الشجن في الغناء السوداني.. وأغنيات مثل أنا والأشواق وتباريح الهوي  وحلو العيون  وغيرها تعبر عنه تماماً كفنان غنائي مختلف عن حال المطروح من النسق الغنائي حتى الآن.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى