التطبيع.. فن استثمار الفرص

 

ترجمة ــ إنصاف العوض

قطع المدير التنفيذي لمؤسسة السلام العالمي بواشنطن، الخبير السياسي المختص في قضايا السودان وجنوب السودان ألكيس دي وال، برفع واشنطن السودان من قائمة الإرهاب حال تطبيعه مع إسرائيل.

وقال دي وال “مع وجود السودان في ضائقة يائسة إثر انهيار الاقتصاد والتضخم المفرط الذي يلوح بأزمة مجاعة طاحنة على مستوى البلاد، وجدت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والحكومة الإسرائيلية فرصة تعلق الآمال في الديمقراطية بخيط رفيع بعد 18 شهراً من الاحتجاجات السلمية التي أطاحت بالبشير، وجدتا فرصة للمطالبة بالتطبيع مع إسرائيل”.

وأضاف: “لكن إذا اعترف السودان بإسرائيل فإن واشنطن ستشطبه من قائمة الإرهاب مما يفتح الباب أمام تدابير الاستقرار الاقتصادي والسياسي”.

قصة الأمس

ويضيف دي وال بأنها (أي قائمة الإرهاب) قصة معقدة تعود إلى 30 عامًا أي إلى الأيام الأولى للحكومة الإسلامية السودانية.

بعد الاستيلاء على السلطة في انقلاب عسكري عام 1989، حوّل الرئيس البشير الخرطوم إلى مركز عالمي للجهاديين المتشددين.

واستخدمت القاعدة وجماعات متطرفة أخرى السودان كقاعدة لتنفيذ هجمات إرهابية في الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر وإثيوبيا وأوغندا وكينيا وأماكن أخرى.

وبعد الهجوم الإرهابي الأول على مركز التجارة العالمي في نيويورك عام 1993، صنفت الولايات المتحدة السودان كدولة راعية للإرهاب.

ودفعت العقوبات المالية الدولية والضغط العسكري من الدول المجاورة التي دعمت المتمردين السودانيين، السودان لطرد أسامة بن لادن وجهاديين آخرين بعد ثلاث سنوات.

وبعد وقت قصير من هجمات 11 سبتمبر  2001م، أصبحت أجهزة الأمن السودانية شريكًا مهمًا لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية .

على هذا الأساس كان  يجب على واشنطن إزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.

هواجس وشواغل

وعلى الرغم من الاحتفالات التي تلت انتقال السودان إلى الديمقراطية العام الماضي، لم يتم رفع العقوبات الأمريكية، كون أعضاء الكونجرس كانوا معادين للخرطوم لعدد من الأسباب الأخرى، بما في ذلك الحرب في دارفور وانتهاكات حقوق الإنسان، وظلت القائمة سارية.

وكانت حكومة البشير تواصل العمل في الظل، فقد أبقت علاقاتها مفتوحة مع إيران وحماس، وفي مناسبتين على الأقل هاجمت طائرات مقاتلة إسرائيلية قوافل كانت تسافر عبر ساحل البحر الأحمر في السودان، بزعم حمل السلاح إلى حماس.

في عام 2016م وبضغط من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، قطعت حكومة البشير علاقاتها مع إيران.

لكن بعد الثورة الديمقراطية العام الماضي، كانت واشنطن العاصمة بطيئة في التحول. إذ إراد مسؤولو وزارة الخارجية الأمريكية الحفاظ على نفوذ إحدى أقوى أدواتهم. وكانوا قلقين من أن النظام الديمقراطي الجديد قد لا يستمر طويلاً.

 

متاريس اقتصادية

وكانت المشكلة أن إبقاء العقوبات على السودان يمكن أن يصبح بسهولة نبوءة تتحقق من تلقاء نفسها، وتحكم على البلاد بفشل الدولة.

طالما ظل السودان مدرجًا على القائمة السوداء، فإن العقوبات المالية المعوقة تظل سارية. الشركات السودانية المشروعة معاقة، والاستثمار الأجنبي المباشر مقيد، ولا يستطيع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي اعتماد حزمة لتخفيف ديونه الضخمة ــ (72) مليار دولار (55.6) مليار جنيه إسترليني.

كما تضرر أكثر من (860) ألف شخص من فيضانات غير مسبوقة في السودان هذا العام

وحجم الجوع اليوم مرعب، إذ تصنف الأمم المتحدة (9.6) مليون شخص على أنهم يعانون بشدة من انعدام الأمن الغذائي. ويزداد الأمر سوءًا بسبب جائحة كورونا والفيضانات مما يجعلها أزمة لا يمكن التغلب عليها إلا بالمساعدات الغذائية، كما أن البلاد بحاجة إلى ضخ ضخم من المساعدة الاقتصادية.

وخلال الأشهر الأخيرة، كانت صفقة إزالة قائمة الإرهاب تشق طريقها ببطء عبر الكونغرس، بسبب مطالب من أقارب ضحايا هجمات القاعدة في شرق إفريقيا واليمن بدفع تعويضات.

وافق السودان على حزمة بقيمة (335) مليون دولار. لكن في سبتمبر  الماضي، قام اثنان من أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين وهما تشاك شومر وبوب مينينديز بمنع هذا الإجراء، ويرجع ذلك جزئيًا إلى رغبتهما في إبقاء آفاق أقارب ضحايا أحداث 11 سبتمبر مفتوحة أمام مقاضاة السودان.

صفقة رئاسية

وقدم الرئيس الامريكي دونالد ترامب مخرجاً للبلاد حيث ذهب وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إلى الخرطوم في أغسطس لعرض صفقة على رئيس الوزراء السوداني حمدوك.

في زيارة للخرطوم في نهاية أغسطس، اقترح مايك بومبيو اتفاقًا على رئيس الوزراء المدني السوداني عبد الله حمدوك مفاده إذا اعترف السودان بإسرائيل، فإن الرئيس ترامب سيتحايل على انسداد الكونغرس.

وبعد قرار الإمارات الشهر الماضي، سيكون السودان، العضو في جامعة الدول العربية، خامس دولة عربية تقوم بذلك. وسيكون هذا دفعة كبيرة لحملة الإدارة لتطبيع العلاقات العربية مع إسرائيل في الأسابيع التي تسبق الانتخابات. وسيكون الاعتراف بإسرائيل خطوة بالغة الأهمية بالنسبة للسودان- وهذا بالفعل هو بيت القصيد.

ولما كانت صفقة جيدة للجنرالات، فإن أكثر المعارضين لهذه الخطوة هم الإسلاميون الذين خرجوا من السلطة الآن. لكنها مثيرة للجدل عبر الطيف السياسي، ويضم التحالف المدني كثيرين يصرون على السلام مع الفلسطينيين أولاً.

ويعرف حمدوك أن إئتلافه من أنصاره المدنيين من المحتمل أن ينقسم إذا اتخذ القرار.

وقال لبومبيو إن القرار بشأن هذه القضية يجب أن ينتظر حكومة منتخبة ديمقراطياً، في غضون ثلاث سنوات.

ويرى الكثيرون بأن الصفقة تجد تأييد المجلس السيادي إذ التقى رئيس المجلس السيادي الجنرال عبد الفتاح البرهان برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في فبراير دون إبلاغ حمدوك، ومن المقرر أن يجتمع الاثنان مرة أخرى قريباً، وبالنسبة للجنرال البرهان والجنرال حميدتي، فإن الصفقة الأمريكية- الإسرائيلية تعدهم بالاعتراف الدولي.

فحص ديمقراطي

ولهذا يطالب الديمقراطيون السودانيون بفحصها بعناية. عندما أجبرت الاحتجاجات الشعبية البشير على التنحي في أبريل من العام الماضي، تولى الجنرال برهان والجنرال حميدتي السلطة وبعد ذلك في صفقة توسطت فيها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وافقوا على تقاسم السلطة مع حكومة مدنية.

وخلاصة القول إن موقف حمدوك هو الموقف المنطقي والقائم على أن الرفع عن القائمة والتطبيع مع إسرائيل هما قضيتان منفصلتان، ويتوجب رفع السودان عن القائمة في الحال، لأنه أزاح الإرهابيين من أراضيه، ولان الديمقراطية تستحق الإنقاذ، وإذا تم الاعتراف بإسرائيل من قبل السودان حقاً فستكون هذه جائزة تستحق إدارة ترامب الفوز بها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى