تحرير الوقود.. جَدَل التسعيرة وغياب الحقائق

 

الخرطوم- الصيحة

مُجَدّدَاً، عاد وكيل قطاع الكهرباء، وزير الطاقة والتعدين المُكلّف، المهندس خيري عبد الرحمن أمس، لتأكيد مُضِي حكومة الفترة الانتقالية في تنفيذ قرار تحرير أسعار الوقود، وهي القضية التي تشغل السَّاحة السُّودانية منذ فترةٍ طويلةٍ، وأثارت الكثير من الجدل وردود الفعل المُتباينة، وخلّفت مخاوف كبيرة من آثار كارثية يُمكن أن تترتّب على هذا الإجراء الذي لم يَعد تنفيذه على أرض الواقع سوى مَسألة وقت.

في الأثناء، تَمظهرت تلك المَخَاوف في الشارع العام وفي الوضع الاقتصادي الذي يَسبق الخطوة المُنتظرة، بالرغم من تَحذيرات الخُبراء الاقتصاديين وعدم رضاء الحاضنة الاقتصادية في قوى الحرية والتغيير بالخطوة، الأمر الذي أثار الحيرة وفتح المجال للتكهُّنات والتأثيرات السَّالبة في غياب الحقائق والمعلومات الكاملة حول هذه القضية، التي تُواجه اعتراضات حتى من داخل الحاضنة السِّياسيَّة للحكومة.

توقُّعات الأسعار

وفور إعلان وزارة الطاقة والتعدين أمس الأول، أنّها بدأت في خطوات تنفيذ تحرير الجازولين والبنزين، تواترت الأنباء المنسوبة إلى مصادر مطلعة، وتوقُّعات بشأن الرقم الذي سَتستقر عنده أسعار الوقود عقب بدء تنفيذ سياسة التّحرير، وتراوحت الأسعار المُتداولة ما بين أكثر من (290) و(360) و(495) جنيهاً لجالون البنزين، وما بين (230) و(364) و(455) جنيهاً لجالون الجازولين، الأمر الذي أثار هلعاً ومخاوف كبيرة.

وحتى يوم أمس، تردّد كثيرٌ من الأسعار المُتوقّع تطبيقها عقب تطبيق التحرير، هذا غير غاز الطبخ وبقية المُشتقات الأخرى، غير أنّ وزير الطاقة المُكلّف أصدر أمس تصريحاً نفى فيه تحديد أيِّ سعر حتى الآن.

آثار مُسبقة

الهَلع والأثر الذي خلّفه الحديث عن تحرير أسعار الوقود، انعكس تلقائياً على حالة الأسواق والسِّلع والمُواصلات العامّة التي تُعاني أصلاً من أزمة في توفير الوقود وارتفاع في أسعار قطع الغيار وغيرها من تكاليف التّشغيل، وبالفعل رفع أصحاب المركبات العامة تعرفة المواصلات إلى الضعف وبلغت قيمة التذكرة من الكلاكلة إلى المحطة الوسطى بحري (300) جنيه مُقارنةً بـ(100) أمس الأول و(30) جنيهاً قبل جائحة (كورونا)، وضاعفت خُطوط مواصلات من قيمة التذكرة، هذا غير الزيادات الكبيرة للعَربات الخاصّة (الأجرة).

وشَكَا مُواطنون من ارتفاعٍ مُبالغٍ فيه في أسعار السلع والخدمات واتّجاه بعض التُّجّار ومُقدِّمي الخدمات إلى الإحجام عن عمليات البيع توقُّعاً لزيادات مُحتملة في الأسعار جرّاء ارتفاع أسعار النقل تبعاً لتحرير أسعار الوقود التي ستنعكس بلا شَكٍّ على كل كل السِّلع والخدمات!!

حقيقة التسعير

وإزاء الأنباء التي انتشرت حول الأسعار الجديدة للوقود، رَدّ وزير الطاقة والتعدين المُكلّف المهندس خيري عبد الرحمن في تصريح أمس على الأرقام المُتداولة، حيث قال إنّ وزارته تمثل الجهة الفنية التي تُنفِّذ السِّياسة التي قرّرتها الدولة بتحرير أسعار الجازولين والبنزين، وأوضح أنّ القرار صدر منذ وقتٍ مُبكِّرٍ وأعلنه رئيس الوزراء في عددٍ من اللقاءات، وأشار إلى أنّه ليس من صلاحيات وزارته إصدار أو إعلان مثل هذا القرار، وأنّ حديثه لوسائل الإعلام جاء رَدّاً على استفساراتهم عن تسريبات لأسعارٍ مُختلفةٍ ومُتضاربةٍ، وأكّد شروعهم في هذه الخطوات منذ أغسطس الماضي بكل شفافيةٍ، بما في ذلك العطاء المحلي الذي وصلت بواخره، وكذلك العطاء الدولي والذي سينتهي التقديم له وفرزه بنهاية أكتوبر الحالي، وأوضح خيري أنّ السعر يعتمد على قيمة الوقود عالمياً والقيمة بالمُعادل السوداني محسوباً بالسعر المُوازي، إضَافَةً إلى التكاليف اللوجستية المُتعلِّقة بالتفريغ والنقل والتوزيع، وأشار إلى أنّ وزارة المالية كانت قد أعفت حساب الضرائب من السعر الجديد، وقال: “حتى هذه اللحظة كل الأرقام التي يتم تداولها وكأنّها أسعار، هي مُجرّد تخمينات وهي غير رسمية، ووزارة الطاقة لم تُحَدِّد أيِّ سعر وسيتم ذلك بناءً على قرار رسمي من وزارة المالية أو مجلس الوزراء”، وذَكرَ خيري أنّ الوزارة فتحت المجال للقطاع الخاص لشراء وتوزيع البواخر التي وصلت بعد أن تعثّرت المالية والبنك المركزي ولفترة تجاوزت الأسابيع الثلاثة في توفير المال اللازم لاستكمال شراء البواخر التي وصلت، ونوّه إلى أنّ هنالك 20 ألف دولار تُفرض كغرامة يومياً لكل باخرة.

حَالة رَفض

يُذكر أنّ اللجنة الاقتصادية بقِوى الحرية والتغيير، أعلنت فور الحديث حول الأمر، عن رفضها لقرار زيادة أسعار المحروقات تحت مُسمّى رفع الدعم بصورة غير مُحتملة، وأكّدت أنّه لم تتم مُشاورتها، وأوضحت أن البرنامج الذي طرحته اللجنة الاقتصادية لقوى الحرية والتغيير منذ ديسمبر 2019م لو تمّ وضعه موضع التنفيذ لما كانت هُنالك اليوم أيِّ صُفُوف للخُبز ولا الوقود ولا الغاز ولا حديث عن رفع الدعم، واعتبرت أنّ الطاقم الاقتصادي الذي قاد الاقتصاد الوطني خلال عام أثبت فشله ووصل بالاقتصاد الوطني إلى الهاوية، وهو يَصر على السَّير في ذات الطريق الذي يعني استمرار الأزمة الاقتصادية الطاحنة.

ودعا عضو اللجنة الاقتصادية بقِوى الحرية والتغيير، التجاني حسين أمس الأول، لجان المقاومة “حُماة الفترة الانتقالية” لإسقاط السياسات الاقتصادية الخاطئة في احتفال البلاد بذكرى 21 أكتوبر، قبل أن يقول إنّ الحال لا يحتمل الانتظار، مع الحديث عن توقُّعات تطبيق أسعار الوقود الجديدة، ودعا لتصحيح المَسَار السِّياسي والاقتصادي بإلغاء هذه السِّياسات الفاشلة وإزاحة الطاقم الاقتصادي المُهيمن على سياسات وزارة المالية، الذي وصل بالبلاد إلى الانهيار الاقتصادي الشامل!!

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى