(الصيحة) تنقل واقع ما بعد أحداث الحميض بجنوب كردفان

 

الأحداث خلّفت (50) قتيلاً وجريحاً من قبيلتي كنانة ودار علي

قرارات الوالي أجبرت الطرفين على وقف العدائيات وفصل الطرفين بالجيش

تكوين ثلاث لجان للصلح بين الأطراف

عمدة كنانة يُطالب بترحيل المعتدين وضبط الجناة الذين سببوا المشكلة

أبو جبيهة ـــ الحميض: آدم القديل

شهدت منطقة الحميض بجنوب كرفان أحداثاً مؤسفة في شهري يوليو وأواخر أغسطس الماضيين ما بين قبيلتي كنانة ودار علي إحدى بطون الحوازمة خلفت حوالي (30) قتيلاً و(20) جريحاً من الجانبين في أحداث غريبة تقع لأول مرة في جنوب كردفان خاصة المنطقة الشرقية وفي تاريخ القبيلتين.

(الصيحة) حاولت الوقوف على التفاصيل وطريقة البحث عن حلول من داخل مناطق الأحداث وذلك لاستجلاء الأمر وعرضه للجهات المسؤولة لإيجاد حلول ناجعة.

صعوبة الحركة

نسبة لظروف الخريف ووعورة الطرق في جنوب كردفان، كان لابد من الحذر واختيار مرافق وسلك أقرب الطرق الآمنة، فكان السفر برفقة الشيخ جعفر إبراهيم بطران صاحب المعرفة بالمنطقة، وكانت نقطة البداية من أبو كرشولا عن طريق الرهد أبو دكنة، ثم إدارية أمبركة التي تحركنا منها ظهراً في طريق وعر تتخلله الخيران والجبال، وبعد صعود المقرح (طريق جبلي في المدينة) وصلنا مدينة رشاد مساء رغم أن المسافة لا تتجاور الـ(70) كلم، ويجب ألا تتجاوز الساعة ونصف في الظروف الطبيعية.

وفي نفس المساء توجهنا إلى أبو جبيهة ووصلناها حوالي السابعة, وقررنا المبيت لنتوجه صباحاً إلى منطقة الحميض.

التوتر سيد الموقف

في الصباح تحركنا مع مرافقي نحو موقف كلوقي- الليري والذي يمر بمنطقة الحميض، فكان التوتر سيد الموقف خاصة من خلال الأخبار التي يتداولها الجميع حول الأحداث، وبعد نحو ساعة ونصف الساعة لم نجد مواصلات تقلنا فنصحنا مضيفنا بابكر مامون الذي يعمل بالموقف بأن نذهب إلى منطقة جبل العمدة بعد خور البطحاء حيث تأتي العربات، وبعد مضي ساعتين وجدنا عربة لاندكروز “تاتشر” وهي الأكثر انتشاراً في المنطقة والوسيلة الوحيدة للسفر خاصة في الخريف، وبعد ثلاث ساعات في طريق وعر يشق الجبال والوديان والرمال وصلنا “الحميض”.

عند وصولنا أصبنا بحالة توتر وقلق، لأن المنطقة كانت خالية تماماً من المواطنين خاصة في منطقة السوق، حيث وجدنا ثلاثة رجال من (كنانة) يحملون أسلحتهم، يحرسون السوق ويتأكدون من هوية المارة فسألنا أحدهم: من أنتم؟ ومن أين جئتم؟ وإلى أين تذهبون؟ وبعد أن أجبنا على الأسئلة قال لنا: “تفضلوا”.

وبعد قليل وصل مضيفنا مختار أحمد من كنانة العريفاب ومعه ابن أخيه ضي النور بدراجتين بخاريتين (مواتر) وأخذنا خارج الحميض إلى منطقة الرحل (الفرقان).

الحميض والصراع

الحميض التي يدور حولها الصراع هي قرية صغيرة تقع جنوب خور (ود المليسة) في الحدود بين محليتي أبو جبيهة وقدير، وتتبع إدارياً لمحلية قدير وعاصمتها كالوقي، وتسكن القرية قبيلة كنانة العريفاب وعدد قليل من قبيلة السلامات وبها مدرسة أساس غير مكتملة، ولا يوجد بها مرفق حكومي آخر ولا شفخانة ولا مركز صحي ولا أي خدمات، وعندما سألت المواطنين أين تتعالجون، قالوا نذهب إلى قرية حجر الدوم وأبو جبيهة.

ورغم أنها قرية صغيرة لكنها تتميز بموقع استراتيجي، حيث تقع في ملتقى الطرق بين كالوقي وأبو جبيهة وطريق مرنج- كالوقي- الليري ومرنج- التبسة- الليري وطريق الحميض- أم دهيليب حتى جبال تيرا وكادوا، بجانب ربطها لقرى الرصيرصة وحجير الدوم وقدير وأمكدوا، بجانب سوق القرية يوم السبت ويعتبر أكبر سوق للمواشي بالمنطقة وتتجمع فيه كل تلك القرى بجانب حضور تجار الماشية من كوستي والأبيض وأم روابة لشراء المواشي وغيرها.

والأهم من ذلك يوجد في القرية منجمان للذهب؛ منجم أم عدارة موقع المشكلة الأخيرة، ومنجم القردود الطويل والذي يجمع عدداً من الشركات للتنقيب عن الذهب وآلاف من العاملين في التعدين من أرجاء السودان.

أصل الحكاية

وفي السياق، أكد حاج عيسى علي عيسى من أعيان قرية الرصيرصة لـ(الصيحة)، أنهم في العام 2011م نزح إليهم الحوازمة (دار علي) في منطقتهم بعد أن ضربت منطقتهم الأصلية (بت الكلب بقارة) التي تقع في الجزء الجنوبي الشرقي لكلوقي من قبل التمرد الأخير، وأضاف بأنه تمت استضافتهم في منطقة حجر التابعة لمنجم أم عدارة والترحيب بهم كأهل، وظل الجميع يعمل في السوق من نساء ورجال وتم منحهم أراضي زراعية وبعضهم اشترى، وتم إشراكهم في لجنة المنجم، وتابع: “وبعد ما تمكنوا في الزراعة رفعوا دعوى ضد عبد اللطيف حسن الذي قتل مؤخراً ومحيي الدين الطيب وفصلت المحكمة لصالح عبد اللطيف ومحيي الدين”.

وأوضح أنه في 13 رمضان أرادوا حفر دونكي استثماري في المنطقة، وزاد: “سألناهم تحفروا الدونكي في أرض من؟ قالوا نضرب أولاد حاج الطيب, وهم من كنانة”.

وقال الحاج عيسى إن دار علي ظلوا يأخذون الضرائب من أصحاب الشركات التي تعمل في المنجم لمصلحتهم الخاصة رغم وجود لجنة مشتركة من قبائل المنطقة، وأضاف بأنه في 16 رمضان ذهب (24) فرد يمثلون أعيان المنطقة إلى كلوقي وأخبروا الشرطة والجيش والأمن والمدير التنفيذي للمحلية وأبلغوهم رفضهم لقيام الدونكي، ثم توجهوا إلى أمير الكواهلة وأخبروه بالأمر.

وأشار إلى أن المدير التنفيذي وعدهم بحل الأمر بعد العيد وبعد جمع الأهالي، لكن لم يحدث شيء حتى تفاجأوا بحفر الدونكي، واتهم الشرطة في كلوقي بالتباطؤ مع المجرمين لأن هناك حالات كثيرة لهروب المجرمين والنهابين من السجن.

أرض زراعية

من جانبه، أشار وكيل عمارة كنانة العريفاب أحمد علي دفع الله، إلى ذات قصة نزوح (دار علي) واستضافتهم من قبل أعيان قبيلة كنانة في منطقة منجم الحميض ثم بدئهم الاستقرار في منطقة جبل الشبكة موقع زراعة أهالي الحميض وأولاد حاج الطيب أبو القيد، وقال لـ(الصيحة): “في فصل الخريف طلبوا من إسماعيل أحمد حمد النيل وعبد اللطيف حسن الذي قتل مؤخرا استئجار أراض زراعية، ولكن نسبة لظروفهم منحهم عبد اللطيف أراضي زراعية مجاناً، وبعد مرور ثلاث سنوات وفي العام 2015م ادعوا أنهم كانوا يسكنون هذا المكان في السابق، ورفعوا دعوى ضد أولاد حاج الطيب أبو القيد محيي الدين الطيب، وفصلت المحكمة لصالح محيي الدين الطيب وبعدها بدأوا النزاع مع إسماعيل أحمد وعبد اللطيف حسن مرة أخرى.

التعدين بالمنطقة

وأوضح وكيل العمدية أحمد دفع علي الله، أنهم في 2016 طلبوا من شركة دوانا وأبورقية للتعدين أن تعمل في استخلاص الذهب بمنطقة الحميض في منجمي أم عدارة والقردود الطويل، وطلبوا من أمير الكواهلة منحهم خلو طرف من النزاع في المناجم المذكورة لتعمل الشركات وتم ذلك، ومنحوا خلو طرف بحضور مهندس المساحة، وتم التصديق لهم من قبل السلطات المحلية والولائية والمركزية بقيام مصنع استخلاص الذهب من منجم الحميض التابع لعمودية كنانة العريفاب، وبعد أن باشرت الشركة العمل بدأ التدخل من عمدة دار علي الشفيع أحمد الله جابو، وتم الاتفاق بين أمير الكواهلة وعمدة دار علي لمسح الأراضي الزراعيه التابعة لكنانة لصالح الأخير دون الرجوع لكنانة والرقعة الجغرافية المذكورة تتبع لكنانة ولوقان والكواهلة ومن غير إخطار السلطات المحلية.

دعوى لإبطال القرار

وفي العام 2017م تقدمت عموديات كنانة ولوقان والكواهلة بدعوى ضد المسح وفعلاً تم تعطيل قرار المسح في جبل السمين وتم تسليم أمير الكواهلة عبد الله قدوم وعمدة دار علي الشفع أحمد خطاب تعطيل قرار المسح بالمنطقة المذكورة من معتمد قدير السابق أحمد حسن بدوي لحين الفصل الإداري في المنطقة لأن عمدة دار علي عمدة رحل وليس في دائرة اختصاص المنطقة.

وأشار أحمد إلى تماطل أمير الكواهلة في حل المشكلة، ونوه إلى قوله إنهم يريدون حفر دونكي في الأراضي الزراعية الخاصة بمواطني الحميض، وقال: “لكن في حقيقة الأمر كل المواطنين بمن فيهم دار علي يشربون من 6 دوانكي مع كنانة سوياً دون أن يعترضهم شخص”.

المشكلة الأخيرة

وقال أحمد علي إن المشكلة الأخيرة هي بدء حفر دونكي تجاري في مزرعة عبد اللطيف حسن يوسف، وأضاف أنهم كإدارة أهلية وأعيان قدموا مذكرة للمدير التنفيذي لمحلية قدير يوم 16/4/2020م ولجنة أمن المحلية لمنع حفره لأنه يسبب مشكلة ووعدت لجنة الأمن بعدم حفره وتم وقف الحفر بأمر المدير التنفيذي.

بعدها قام أمير الكواهلة عبد الله قدوم وعمدة دار علي الشفيع أحمد ورئيس لجنة التنمية بالمحلية الطيب أحمد بإرسال حفارة إلى المنطقة لتنفيذ الحفر واعترضهم مواطنو الحميض لأنهم لم يكونوا يحملون مستنداً رسميًا وبعدها أوقف المهندس العمل, بعدها ذهب صاحب المزرعة عبد اللطيف حسن يوسف لأداء صلاة الجمعة وبعد خروجه تعرض لطلق ناري من  دار علي بتوجيه من شخص معروف أرداه قتيلاً في حضور عدد من المواطنين، وبعدها تجمع عدد كبير من أبناء دار علي وصعدوا جبل الشبكة وحملوا معهم كمية من الأسلحة والذخيرة ومنعوا المواطنين من أخذ جثمان المتوفى، وبعدها دار قتال عنيف بين كنانة ودار علي ليومين، وفي يوم الأحد وصلت القوات المسلحة للمنطقة وفصلت بين الجانبين.

مطالب كنانة

وأضاف وكيل العمودية بأنهم طالبوا السلطات بالقبض على الجناة وترحيل دار علي من جبل الشبكة الذي يقع في دائرة اختصاصات عمودية كنانة ولم يتم شيء، وبعد أسبوعين انسحب الجيش من المنطقة، وصرح أمين الحكومة موسى جبر بأن المشكلة انتهت وأصدر قراراً بإغلاق منجم أم عدارة وترحيل النازحين ولم يحدث أي شيء، لكن دار علي تعدوا وفتحوا المنجم بقوة واستغلوا (6) دوانكي تتبع لكنانه والشركات وحرثوا وزرعوا أراضي المرحوم عبد اللطيف حسن في تعدٍّ صريح على القانون.

وأضاف: “فتحنا عدة بلاغات للسلطات وبالرغم من وجود نقطة شرطة مراقبة فى المنطقة قامت مجموعة منهم بإغلاق سوق القردود الطويل والمنجم وظلت مجموعة من دار علي تقذف قرية الحميض بدانات الآربجي والقرنوف مما أدى إلى تجدد القتال مرة أخرى”.

دون إخطار اللجنة

من جانبه، قال عضو لجنة القردود الطويل إسماعيل الفضل، إنهم كونوا لجنة من (17) قبيلة تشمل كنانة ولوقان ودار علي, دعانا رئيس لجنة التنمية بمحلية قدير الطيب أحمد وطلبنا منه خدمات مياه متمثلة في مضخات ودوانكي وحفائر، وقال لنا لن نعمل شيئاً حتى تتفقوا أنتم أولاً ورد عليه أحد أعضاء الوفد بأن نرجع إلى الإدارة الأهلية من عمد, ومشائخ وأعيان، وبعد خروجنا من الاجتماع ذهبت لتفقد المواشي في منطقة مرنج وعندما عدت يوم الجمعة سمعت بخبر حفر الدوانكي وكان الاتفاق على 11 مضخة في المنطقة فذهبنا إلى مكان الحفر وجدنا ثلاثة أشخاص من كنانة وحوالي عشرين فرداً من دار علي”.

وأضاف إسماعيل: “سألت رئيس لجنة الخدمات الطيب أحمد هل تحفرون لنا باقي المضخات بعد الانتهاء من هذه المضخة فقال: لا. فقلت له: شغلكم دا غلط وهذا مكان مزرعة عبد اللطيف، فقام أحد الشباب من دار علي بشتمنا وحاول ضربنا مع محيي الدين ثم انسحبنا إلى قرية الشيخ حاج الطيب في القردود الطويل لنبلغ الشرطة وبعد قليل سمعنا بمقتل عبد اللطيف حسن بعد خروجه من المسجد”.

تقصير

عضو لجنة فض النزاع بالقردود الطويل إسماعيل موسى حسن، ذكر أنه بعد الحادث حضر إليهم مساعد شرطة من منجم أم عدارة وطلب منهم تهدئة الموقف قبل انفجار المشكلة، وقال إنهم اتصلوا بقائد الجيش والشرطة ومدير جهاز الأمن وقائد الدفاع الشعبي وأبلغوهم بأن الأمر على حافة الانهيار فطلبوا وقف المتفلتين من الجانبين، وأخيراً انفجرت الأوضاع، وبعدها وصلت العربات وأخذت الشرطة جثمان القتيل وعدداً من الجرحى.

مطالب وقرارات

بدوره، طالب العمدة الزبير محمد الطاهر عمدة كنانة العريفاب، الجهات المختصة بضرورة ترحيل المعتدين كما هو متعارف عليه منذ القدم والقبض على الجناة الذين تسببوا في الأحداث الأخيرة، وأعاد العمدة سرد تفاصيل القصة منذ العام 2012م وحتى لحظة وقوع الحادث الأخير، وقال: مؤخرا حدث اشتباك بين كنانة ودار علي استمر لمدة ثلاثة أيام ثم حضر الوالي وأصدر عدداً من القرارات.

ونوه الزبير إلى أن الوالي أجبر الطرفين على وقف العدائيات وتكوين ثلاث لجان لجنة لتقصي الحقائق وثانية لحصر الخسائر وثالثة للمساعي الحميدة وإرسال قوة من القوات المسلحة للفصل بين الطرفين وتأمين الطريق من المتفلتين.

نواصل

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى