أبوعبيدة عبد الله يكتب : الشراكة الذكية

 

توقفت كثيرا عند مقطع فيديو مدته ثلاث دقائق وخمس ثوان، يجكي قصة قمة في الإنسانية، افتقدها إنسان دارفور لسنوات خلت.

الفيديو ينقل شراكة بين قوات عبد الواحد محمد نور التي تسيطر على عدة مناطق بجبل مرة وقوات الدعم السريع، قد يستغرب القارئ شراكة في ماذا والطرفان كلٌّ منهما يتربَّص بالآخر، ويده على البندقية، وكل منهما يبحث عن الآخر في تلك المناطق لينال منه.

محور الشراكة كان طلاب الشهادة السودانية في المناطق التي تسيطر عليها حركة عبد الواحد في جبل مرة، لم يكن من خيار إلا أن يجلسوا في مراكز الامتحانات التي تشرف عليها الحكومة في ولاية وسط دارفور.

فكانت حركة عبد الواحد تنقل الطلاب بسيارتها الى منطقة محددة، ثم تقوم قوات الدعم السريع بإكمال المهمة ونقل الطلاب إلى مراكز الامتحاتات.

كانت فرحة الطلاب واضحة وبائنة، يشكرون قوات عبد الواحد، وفي ذات الأثناء يشكرون قوات الدعم السريع، وهي معادلة بحسابات السياسة أو العسكرية غير واردة، لأن الطرفين مازالا نقيضين، ولكن لأن الجانب الإنساني كان هو العامل المشترك، فكانت نتيجة تلك المعادلة صفرية.

طوال سنوات الحرب التي اندلعت في دارفور منذ العام 2003 تضرر ما لا يقل آلاف الطلاب، وماتت كثير من الأمهات والاطفال والشيوخ بسبب عدم وجود مشافٍ في مناطق النزاع أو اتفاق يسمح لتلك الأسر بالتنقل بين مناطق الحكومة والمناطق التي تسيطر عليها الحركات المسلحة، لأن دخول أي شخص لمنطقة الطرف الآخر يعني التخوين والعمالة، وقلما ينجو ذلك الشخص من التعذيب والتنكيل وربما تنتهي حياته بالقتل.

يجب أن يلتقط القائمون على أمر التفاوض تلك المبادرة لتكون نواة لتواصل بين الحكومة وعبد الواحد، والذي ظل يقف موقفاً واحداً لم يتزحزح عنه منذ 2005 ويتمسك بموقفه ومطالبه التفاوضية، والتي جزء كبير منها لأهله في دارفور، فهو لم يتحدث كثيراً عن قسمة ثروة وسلطة ونأى بنفسه عن أي اتفاق يراه بأنه لا يحقق مطالب أهل دارفور.

هذه الشراكة تؤكد أن العقلية القديمة التي كانت سائدة بين حركات الكفاح المسلح والحكومة قد تغيرت، فلم ينظر أي طرف للآخر بأنه عدو، وهو الامر الذي سهل عملية التفاوض في جوبا، وانتهى للاتفاق بالأحرف الأولى.

شكرا عبد الواحد على تلك الانسانية، وشكرا الدعم السريع على الروح الطيبة، والتعامل مع طلاب لا علاقة لهم بما يجري من خلافات بين المكونات السياسية والعسكرية بين عبد الواحد والحكومة.

 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى