بعد العجز عن سداد المرتبات.. المالية: التنصّل عن المسؤوليات

 

الخرطوم / سارة إبراهيم عباس

ظل الوضع الاقتصادي يزداد قتامة  يوماً بعد يوم، ويعيش المواطن في ضائقة معيشية أقل ما توصف بالصعبة، وصل فيها التضخم إلى حد الجنوح على حسب الخبراء الاقتصاديين بعد أن استبشر المواطنون  خيراً بأن يتحسن الوضع الاقتصادي بعد سقوط النظام البائد  والزيادة الأخيرة التي طرأت على المرتبات والتي أقرها وزير المالية السابق د. إبراهيم البدوي،  وما حدث عكس التوقعات تماماً  فبدلاً عن الوفاء بإكمال فرحة الموظفين بمرتباتهم  جنحت وزيرة المالية والتخطيط الاقتصادي المكلفة د. هبة محمد علي للتأكيد بأن  “مرتبها لا يكفي لنهاية الشهر” وتساءلت عن كيفية وضع المواطن.  والأسبوع المنصرم  قدمت الوزيرة اعتذاراً شخصياً للقوات المسلحة عن تأخير صرف مرتب أغسطس باعتباره الاعتذار الأول للجيش، وبالأمس تنصلت عن مسؤوليتها عن مرتبات  وزارة التعليم العالي، وفي الانتظار بقية الاعتذارات لمن تكون للقطاع الصحي أم غيره من القطاعات التي تعاني من التدني والتدهور، وأصدر المدير التنفيذي لمكتب وزيرة التعليم العالي والبحث العلمي، تعميماً وإفادة لمديري الجامعات، أشار فيه إلى أن الإدارة العامة للتمويل بالوزارة استلمت مبلغ (250000000) جنيه من وزارة المالية، مشيراً إلى أنها المرتبات الشهرية قبل الزيادات الأخيرة، وأضاف التعميم الصادر من مكتب الوزيرة أن الوزارة ظلت في انتظار وسعي مستمر مع المالية لاستكمال المبلغ حتى يتم التوزيع على الجامعات، وكشفت الإفادة عن قيام وزيرة التعليم العالي والبحث العلمي بمحاولة أخيرة مع وزيرة المالية، إلا أن وزيرة المالية أفادت أنها غير مسؤولة بتغذية المرتبات ولكنها تقوم بدفع دعم لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي.
وأضافت الإفادة أن المبلغ يمثل المرتبات قبل الزيادات الأخيرة ويمثل خُمس المبلغ المطلوب.
وفي ذات السياق، قال الخبير الاقتصادي د. محمد الناير إن الوضع الاقتصادي الراهن نبهنا عنه منذ وقت مبكر مراراً وتكراراً أن حكومة الفترة الانتقالية تتعامل مع الوضع الاقتصادي ببطء شديد، لافتاً إلى اهتمام الحكومة بملفات أخرى كملف السلام والمجتمع الدولي واندماج الاقتصاد في المجتمع الدولي، وهي ملفات مهمة، لكن الملف الأخطر هو الملف الاقتصادي وتحقيق الاستقرار الاقتصادي والاهتمام بمعاش الناس، وهذه المشكلة الأساسية للأسف أهملتها الحكومة واهتمت بملفات أخرى، وقال في حديثه لـ(الصيحة): مر عام على الحكومة الانتقالية والوضع الاقتصادي يتدهور بصورة مروعة حتى الآن لم يتم إيقاف تدهور العملة الوطنية التي أصبحت تتدهور ليس بصورة يومية أو أسبوعية أو شهرية بل اليوم الواحد لأكثر من مرة، وأضاف أن القضية ممتدة ومنذ انفصال جنوب السودان الذي يحدد سعر الصرف هو السوق الموازي وبنك السودان لا حول ولا قوة له في هذا الأمر، ولا يستطيع أن يحدد سعر الصرف وأن الخمسة والخمسين المحددة من قبل البنك ليس لديها أي تعاملات، وبالتالي سعر الصرف يحدد بالسوق الموازي، ومنذ العام ٢٠١١م وفقدان البلاد أكتر من ٧٥% من إيرادات الدولة أو مصادر النقد الأجنبي كان من المفترض أن تعاد هيكلة الاقتصاد وتسع سنوات كافية لإعادة هيكلته وتنويع الموارد، ولكن للأسف لا الحكومة السابقة أو الحكومة الحالية استطاعت أن تحدث شيئاً من تقدم في هذا الملف، ولم تستفد من الأدوات المتاحة لديها، ولم تعتمد على برنامح سوداني وطني يعتمد على استغلال الموارد الطبيعية في باطن وخارج الأرض، بل ظلت تعتمد على المجتمع الدولي والذي لم يفد السودان شيئاً، ووقف كالمتفرج في ظل الظروف التي تمر بها البلاد، والآن الوضع ازداد تعقيداً ولم تكن قضية سعر صرف أو ارتفاع معدلات التضخم وإنما جاءت عليها كارثة طبيعية (الفيضانات والسيول) أثرت على الشرائح الضعيفة جداً، وهذا الأمر يحتاج وقفة كبيرة جداً ومساندة في توفير المأوى، وهذه مشكلة كبيرة جداً في ظل عجز الدولة عن سداد المرتبات العامة بصورة أساسية. ولعل تصريح وزيرة المالية نوع من الاعتراف بالفشل بأن راتبها لا يكفيها للشهر وهذا يعني أن هناك تراجعاً كبيراً في القوة الشرائية في العملة الوطنية، بالتالي الزيادة التي حدثت في القطاع العام لم تحدث أي تحسن للعاملين في الدولة، لذلك نأمل أن تعيد الدولة النظر في السياسات التي أعلنت عنها وأدت إلى التراجع الكبير والموازنة المعدلة مجرد الإعلان عنها من مجلس الوزراء ومجلس السيادة كان كفيلاً بأن تتراجع العملة الوطنية بصورة غير مسبوقة باعتبار أن الدولة ماضية في السياسات التي انتهجها وزير المالية السابق خاصة فيما يتعلق بتوحيد سعر الصرف دون أن يكون هناك احتياطي للبلاد، وهذه مغامرة غير مسحوبة وأيضا رفع أسعار الوقود مرة ولها آثار سالبة وأيضاً زيادة أسعار الكهرباء للمواطنين بجانب زيادة أسعار الدولار الجمركي بنسبة ٣٠% لمدة عامين كلنا نعلم أن الخطوة التي اتخذها النظام السابق بزيادة الدولار الجمركي من ٦ جنيهات إلى ١٨ جنيهاً كانت آثارها الاقتصادية السالبة ليومنا هذا، وبالتالي كون الدولة تقر بزيادة لمدة عامين هذا قرار غير مسبوق والموازنة المعدلة قرار كارثي، وهذا وصف الحاضنة السياسية نفسها التي لم تستطع أن تتوافق مع الجهاز التنفيذي حول السياسات المتبعة وقضية الرواتب لابد للدولة من معالجتها والبحث عن مصادر حقيقية لتغطية المرتبات ومعالجتها بصورة أساسية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى