المجتمع الدولي واستئناف المساعدات.. لن نلدغ من الجحر مرتين

يراقب ويقيِّم

المجتمع الدولي واستئناف المساعدات.. لن نلدغ من الجحر مرتين

تقرير- مريم أبَّشر

ما بين ترحيب وحذر ودعوة لإظهار الجدية وتخوُّف من تكرار سيناريو الخامس والعشرين من أكتوبر، قابل المجتمع الدولي الاتفاق الإطاري الذي بصم عليه الإثنين الماضي، بالقصر الجمهوري طرفا النزاع المكوِّن العسكري وقوى الحرية والتغيير  بحضور الفاعلين الأساسيين في التسوية السياسية الآلية الثلاثية برئاسة مبعوث الأمم المتحدة فولكر بيرتس، بجانب الرباعية والإيقاد . ظهر من خلال التصريحات والبيانات وتغريدات المسؤولين على مستوى العالم بمن فيهم أصدقاء السودان وشركائه الأساسيين في دعم التحوُّل المدني الديموقراطي والمعجبين بثورة ديسمبر المجيدة، أن ثمة شرخ كبير أحدثه انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر، والذي عاد بموجبه السودان إلى العزلة الدولية التي تم رفعها إبان حكومة الفترة الانتقالية وتم تبعاً لذلك وقف المساعدات الإنسانية وتجميدها بجانب تعليق عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي ورهن المجتمع استئناف أي تعاون بتشكيل حكومة مدنية .

ومعلوم أن ثورة ديسمبر المجيدة أبهرت العالم بسلميتها وتمسُّك قوى الثورة بشعارتها الأمر الذي أسهم  بشكل مباشر  حماس العالم في أن يسارع المجتمع الدولي فى إزالة المتاريس والحواجز كافة التي أبعدت السودان عن محيطه الإقليمي طوال فترة حكم الإنقاذ  المتمثلة في رفع اسمه من قائمة الإرهاب ورفع العقوبات الاقتصادية، غير أن ما حدث في أكتوبر من تراجع وانتهاكات وسقوط قتلى وجرحى ومعتقلين جعل العالم يعيد النظر ويراقب الموقف ومدى جدية الأطراف في إكمال الاتفاق وتشكيل حكومة مدنية .

واشنطن.. والمصالح الضيِّقة

عقب التوقيع دعا وزير الخارجية الأمريكي، انتوني بلينكن، السودانيين إلى وضع المصلحة الوطنية للبلاد، فوق الغايات السياسية الضيِّقة والانخراط بشكل بنَّاء مع بعضهم البعض لتحقيق تطلعات الشعب للحرية والسلام والعدالة.

وقال وزير الخارجية الأمريكي في تغريدة على (تويتر) إن “توقيع اتفاق إطار سياسي مبدئي في السودان، خطوة مهمة نحو تشكيل حكومة مدنية وتحديد الترتيبات الدستورية لتوجيه السودان خلال فترة انتقالية تتوج بالانتخابات”.

وأضاف أن “بذل جهد شامل ومتضافر لإنهاء المفاوضات والتوصل إلى اتفاق نهائي لتشكيل حكومة مدنية جديدة أمر حيوي لمواجهة التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية والإنسانية الملحة في السودان”.

وأضاف: “الآن أكثر من أي وقت مضى، يجب على أصحاب المصلحة السياسيين وضع المصلحة الوطنية للسودان فوق الغايات السياسية الضيِّقة والانخراط بشكل بنَّاء مع بعضهم البعض لتحقيق دعوات الشعب السوداني المستمرة من أجل الحرية والسلام والعدالة”.

وينتظر أن تبدأ المرحلة الثانية من العملية السياسية لمناقشة قضايا “العدالة والعدالة الانتقالية، وإصلاح قطاع الأمن والدمج، التي تؤدي إلى تشكيل جيش وطني موحَّد، بجانب تفكيك النظام البائد، واتفاق جوبا للسلام، وشرق السودان”. كما تابع العالم أن  رئيس بعثة الأمم المتحدة بالسودان، فولكر بيرتس، شدَّد على أهمية تشكيل حكومة ذات مصداقية، لاستعادة هيبة الدولة وتقديم الخدمات الأساسية في جميع أنحاء البلاد، بجانب تهيئة الظروف اللازمة لاستئناف الدعم الدولي، بما في ذلك تخفيف وإلغاء الديون.

وأشار فولكر في كلمته خلال توقيع الاتفاق السياسي الإطاري إلى أهمية أن “تبدأ المرحلة الثانية من العملية السياسية على الفور لمعالجة القضايا العالقة لإتمام اتفاق سياسي شامل”.

شيك على بياض

التخوُّف من استمرار الحلقة الشريرة في السودان كان أكثر وضوحاً في تصريحات وتغريدات مسؤولي الاتحاد الأوربي بعد التوقيع على الاتفاق الإطاري، فقد حذَّروا المجتمع الدولي من منح الاتفاق شيك على بياض  بعد مضي عام على الانقلاب الذي قضى على التحوُّل الديموقراطي . أشار المجلس الأوربي للسياسات الخارجية أن الاتفاق جاء نتيجة مباحثات  تبنت مسودة مشروع دستور تسييرية نقابة المحامين كأساس للحل، وأشاروا إلى أن عدداً من لجان المقاومة رفضته لعدم ثقتهم في جدية الانقلاب في التوصل لحل سياسي شامل وذلك بعد مقتل (١٢٠) من المتظاهرين السلميين في الاحتجاجات المستمرة منذ الانقلاب،  ويرون أن تلهف قوى الحرية في العودة  للسلطة بجانب الضغط الدولي والإقليمي خاصة الإمارات تمثل أهم العوامل التي دفعت للتوقيع على هذا الاتفاق، وذكر المجلس أن المرحلة التالية من المباحثات التي ترعاها الآلية الثلاثية  والتي ستنظر  نقاط مهمة وصريحة  وعلى درجة عالية من الشفافية تشمل المشاكل كافة مع أهمية إشراك أصحاب المصلحة في القضايا الخاصة بهم .

وحث المجلس الأوربي المجتمع الدولي لعدم القفز ومنح هذا الاتفاق شيك على بياض وأنه لابد من التأكد من جدية العملية السياسية والقبول الجماهيري لها و التزام جميع الأطراف بها .

ومضى مجلس السياسات الخارجية للاتحاد الأوربي إلى أكثر من ذلك برفع العصا ومد الجزرة وذلك عبر مطالبته للمجتمع الدولي بتصميم حزمة حوافز وحزمة عقوبات لضمان التقدم في المحادثات، ورأى أن بعض القضايا التي تم تركها للمرحلة القادمة تشمل العدالة الانتقالية والإصلاح الأمني والعسكري و مراجعة اتفاق جوبا تحتاج إلى تقديم الدعم والخبرات والمتابعة بشكل لصيق.

 خوف مبرَّر

مسؤول حكومة رفيع في حكومة الدكتور عبد الله حمدوك، قال لـ(الصيحة) رغم أنه من الجذريين إلا أنه يرحب بالاتفاق الإطاري الذي وقع بين قوى الحرية و المكوِّن العسكري كبداية لانطلاق حوار شامل يفضي في نهايته لتوقيع اتفاق شامل، ويرى أن حذر المجتمع الدولي نابع من تخوُّفه حيال تكرار سيناريو  الخامس والعشرين من أكتوبر، الانقلاب الذي إطاح بالحكومة المدنية، ويرى أن ما رشح من تصريحات يهدف للحصول على ضمانات بعدم تكرار ما حدث قدام، وقال المصدر: إن الاتفاق يعد خطوة متقدمة نظراً للظروف الراهنة التي تمر بها البلاد، وقال: لابد من ضمانات ومراقبة  دولية لمسار المفاوضات وأن تكون تحت رعاية الأمم المتحدة، الاتحاد الأوربي و الأفريقي، ونبَّه إلى أن هناك اعتراف من قبل المكوِّن العسكري بأن ما تم في أكتوبر خطأ سياسي، وزاد: لابد من الالتزام بالتعهدات التي قطعت من جانب المكوِّن العسكري، وبالمقابل طالب المسؤول المكوِّن المدني بالجدية و التنسيق مع قوى الثورة غير الموقعة و تقوية الجبهة الداخلية.

وقطع المصدر في حديثه لـ(الصيحة) بأن أي استئناف للمساعدات رهين بالتوصل لاتفاق نهائي.

 تكرار السيناريو

يبدو أن الحديث الذي أدلى به الفريق البرهان رئيس المجلس الانتقالي على بعض قيادات الجيش خلال الأيام التي سبقت التوقيع على الاتفاق من أنهم سيوقعون مع القوى المدنية على الاتفاق الإطاري، ولكن هنالك ٢٦ و ٢٧ إذا اقتضى الأمر، أخذه  المجتمع الدولي مأخذ الجد وذلك تخوُّفاً من تكرار سيناريوهات الانقلابات في السودان للقضاء على الحكم المدني، كما يرى خبير دبلوماسي رفيع -فضَّل حجب اسمه- طالما أن الفريق البرهان هو على رأس الجيش وهو من وقع على الاتفاق فإن أي حديث يصدر عنه يتم التعامل معه بجدية من قبل المجتمع الدولي وسيادته المعتمدة بالخرطوم، وأشار إلى أن الحديث الذي صدر عن مجلس السياسات الخارجية للاتحاد الأوربي جاء رد فعل على حديث البرهان بأن المجتمع الدولي -أيضاً- لن يعطي شيكاً على بياض برفع الحصار و استئناف المساعدات أن لم يتم التوصل لاتفاق نهائي يحسم  بشكل قاطع القضايا المؤجلة ويكمل الرؤية وبالتالي  ينهي الانقلابات العسكرية .

ولفت إلى أن السياسة الخارجية في الأساس مبنية على المراوغة والمصالح، لافتاً إلى أن تصريح مجلس السياسات الخارجية الأوربي يريد إرسال رسالة بوضوح مفادها أن كان الجيش يراوغ فإن المجتمع الدولي -أيضاً- يراوغ  ولن يعطي شيكاً على بياض ما لم تكن الجدية والشفافية عنوان للمباحثات  والنتائج المترتبة عليها وصولاً لاتفاق يعيد الحكم المدني الديموقراطي ويحقق دولة السلام والحرية والعدالة  التي ينادي بها الثوار و دفع من جلها فاتورة باهظة من الأرواح و التعذيب والاعتقال .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى